أحداث لا تُنسى: كيف أطاحت ثورة سبتمبر بحكم الإمامة؟
قوات مكافحة الإرهاب التابعة للانتقالي.. نشأتها وسياقات نموها وانعكاسات توظيفها سياسيا (تحليل)

في تطور لافت، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي قرارا بإقالة مسئول في جهاز مكافحة الإرهاب في عدن، يعمل مساعدا لرئيس الجهاز القيادي في المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا اللواء شلال علي شايع.

القرار رقم (306) الصادر بتاريخ 20 نوفمبر، وقعه رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وفقا لنصوص الدستور اليمني ونصوص اتفاق اعلان نقل السلطة الذي جعل صلاحيات القيادة العليا حصرا على رئيس المجلس.


نص المرسوم على إقالة علي محمد علي عبدالله الصياء من منصبه "وكيل شؤون الاستخبارات بجهاز مكافحة الإرهاب"، وإلغاء القرار رقم (59) لسنة 2024م بشأن تعيين وكيل الجهاز، وإلغاء أية قرارات ذات صلة متعلقة بتعيين أو ترقية المذكور. ويحال للتحقيق. وفقا لما ورد في وثيقة منسوبة للرئاسة تداولتها وسائل إعلامية وشبكات التواصل.

وفي مضمون القرار، تجريد الصياء، من رتبته، مفصحا عن صدور قرارات رئاسية سابقة بتعيينات في هذا الجهاز.


تلا ذلك، إصدار النيابة الجزائية المتخصصة في عدن أمرا بالقبض القهري على الصياء "كونه مشترك في عصابة تقوم بأعمال اغتيالات وتفجيرات"، واستندت في ذلك الاتهام إلى اعترافات عناصر مقبوض عليهم. وفقا لما قالت وثيقة مذكرة النيابة –تم الاطلاع على نسخة منها-. وتفيد معلومات بأن الصياء قد غادر عدن أو تم تهريبه.


مع استناد النيابة الجزائية في قرارها توجيه الاتهام للصياء إلى "التحقيق مع من تم ضبطهم مؤخرا"، فأن المعلومات والمصادر الأمنية تفيد بأنه تم ضبط سيارة كان يقودها صهر علي الصياء في مدخل التواهي بمدينة عدن قبل أيام، وكان معه في السيارة أحد العناصر التابعة للقيادي أمجد خالد الذي صدرت بحقه أحكاما بالإعدام في عدن، تقول قوات الأمن التابعة للانتقالي أنه تم العثور في السيارة على عبوات وكميات من مادة "تي إن تي" المتفجرة. هذه الحادثة هي التي مهدت للإطاحة بالصياء.


وعلي الصياء، يعد أحد رجال شلال وأحد أقرب مقربيه، وهو محامي ينحدر من منطقة "الضبيات" بمديرية الضالع، مسقط رأس رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي، وينتمي إليها شلال أيضا.

كان ناشطا في الحراك قبل انضمامه للمجلس الانتقالي الذي يتبنى دعوات الانفصال.


ليست الواقعة الأولى

هذه ليست المرة الأولى توجه فيها اتهامات رسمية لقيادات في "مكافحة الإرهاب" محسوبة على الانتقالي وداعمته أبو ظبي، ومحسوبة أيضا على شلال شايع، فقد سبق أن أصدرت اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري (الضالع) في يوليو المنصرم قرارا بإيقاف القيادي يسران المقطري، رئيس فرع جهاز المكافحة في عدن، ومحسوب على شلال، وإحالته للتحقيق وصدرت بحقه أوامر قبض قهرية بتهمة ضلوعه في واقعة اختطاف المقدم علي عشال الجعدني (أبين) الذي اختفي من مدينة عدن في 12 يوليو، ولم يعرف مصيره حتى اليوم.


وسبق وأصدر رئيس الانتقالي قرارا في 29 أغسطس بتكليف نائبه العميد عبدالرحمن المحرّمي (أبو زرعة) قائد "ألوية العمالقة الجنوبية" بالإشراف الكامل على عمل القوات الأمنية ومكافحة الإرهاب التابعة للانتقالي، وإعادة هيكلتها وتنظيمها. فيما اعتبره البعض توجها لسحب البساط من شلال.

وبعيدا عن حيثيات الإطاحة بالصياء والصراع الداخلي الذي لم يعد خافيا داخل المجلس الانتقالي وأجنحته الفاعلة، فأن هذا القرار أعاد للواجهة ملف "مكافحة الإرهاب" في عدن، عاصمة اليمن المؤقتة، الذي أحاطته موجات من الشبهات والاتهامات، وطبيعة إدارة هذا الملف منذ ما بعد سقوط البلاد بيد جماعة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والمصنفين على لوائح الإرهاب.

كما أنه -وفقا لمراقبين- يكشف حجم الاختلالات في إدارة هذا الملف عالي الحساسية، ومدى الاختراق القائم في تنظيمه، وصل حد إصدار قرارات رئاسية بتعيين قادة متورطين في مناصب رفيعة.



شلال شايع خلال تفقده وحدات مكافحة الإرهاب بعدن وبجواره يسران المقطري

كيف تشكلت وحدات "مكافحة الإرهاب" التابعة للانتقالي، وما هي قدراتها؟

منذ ما بعد تحرير عدن وبموجب رغبة من الإمارات، باعتبارها حاملة قلم ملف الجنوب تحت غطاء التدخل العسكري لتحالف عاصفة الحزم، أصدر الرئيس الأسبق عبدربه منصور هادي قرارات بتعيين اللواء عيدروس الزبيدي الذي كان يقود قوات "المقاومة الجنوبية" وهي الواجهة للجناح الانفصالي المسلح، محافظا لمحافظة عدن منتصف ديسمبر2015، غداة مقتل محافظها اللواء جعفر محمد سعد الذي كان قد تم تعيينه خلفا لقائد مقاومة عدن نائف البكري الذي تم إزاحته من منصب المحافظ تلبية لرغبات إقليمية.

قرار هادي قضى أيضا بتعيين شلال علي شايع هادي، مديرا لأمن عدن، وترقيته لرتبة "العميد"، إذ كان شلال الرجل الثاني في الحراك الانفصالي الذي بدأ نشاطه عام 2017 انطلاقا من مثلث الضالع وردفان ويافع لحج.

بدعم إماراتي وتحت لافتة مواجهة الحوثيين أشرفت الإمارات على تدريب وتمويل قوات عسكرية وأمنية خارج سيطرة السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وتولت تسليح تلك القوات وتمويلها وإدارتها، ليبدأ شلال تحت صفته مدير الأمن وعيدروس المحافظ بدأ تشكيل نواة وحدة مكافحة الإرهاب في عدن مطلع 2016، ووضعها شكليا تحت إدارة أمن عدن لإضفاء غطاء شرعي لتلك القوات الوليدة.


استعراض لوحدات مكافحة الارهاب التابعة للانتقالي بأبين

مع تنامي القوات "الجنوبية" التي بنيت وفق صبغة وأيدولوجيا مناطقية وطائفية وحصر الانتساب والقيادة فيها على عسكريين قدامى ونشطاء في الحراك الانفصالي ومجاميع سلفية بشروط تأييدهم لمشروع الانفصال، بدأت الفجوة بين الشرعية ومشروع أبو ظبي، وأطاح هادي بعيدروس من منصب المحافظ في أبريل 2017 وعينه سفيرا بوزارة الخارجية.

ما دفع أبوظبي لتشكيل المجلس الانتقالي، كذراع سياسي، بقيادة عيدروس، ليتم البدء بتأطير القوات المتنامية تحت إدارة المجلس وقيادة رئيسه عيدروس الذي أطلق عليه "القائد الأعلى" للقوات.


وقد تم إنشاء فروع لوحدات مكافحة الإرهاب في محافظات الضالع ولحج، ولاحقا أبين، فيما تم تشكيل كتائب بهذا المسمى والتخصص داخل وحدات وألوية القوات التابعة للانتقالي، كما تم إنشاء قوات الطوارئ والدعم الأمني عدن، بقيادة العميد محمد حسين الخيلي. فيما كان هادي أصدر قرارا في 10 أكتوبر 2015 بتشكيل لواء القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في عدن، وعين العميد عادل علي هادي المصعبي (شبوة) قائدا للواء.


استمر شلال في منصبه كمدير أمن، حتى ما بعد توقيع اتفاق الرياض الذي جاء كمحاولة لاحتواء التمرد الذي قاده الانتقالي وقواته ضد الحكومة الشرعية في عدن وصولا إلى أبين وشبوة في أغسطس 2019، وانخرطت وحدات المكافحة وبقية قوات الانتقالي في إزاحة خصوم المجلس ومشروعه وتورطت في أعمال قمع واغتيالات للمناوئين لمشروع الانتقالي وداعميه. وإلى جانب لافتة محاربة الحوثيين تم إدخال لافتة "مكافحة الإرهاب" كمبرر للتدخل الإماراتي وغطاء لإنشاء وبناء قوات انفصالية.

تم إقالة شلال بقرار أصدره هادي في يوليو 2020، وتعيين محمد أحمد الحامدي (حضرموت)، بدلا عنه مديرا عاما لشرطة محافظة عدن، فتمرد شلال والانتقالي ورفضوا تنفيذ القرار. ثم أصدر هادي في 30 ديسمبر 2020 بتعيين شلال ملحقا عسكريا في دولة الإمارات، وتعيين العميد مطهر علي ناجي الشعيبي (الضالع)، مديرا لأمن عدن. فأذعن شلال بعد 14 شهرا من التمرد، وسلم للشعيبي. مع أن التسليم سيظل شكليا.


يتعامل شلال مع عيدروس بندية، ويعتبر لنفسه حقا في القيادة والقرار، وقد أطلق على نفسه منذ تعيين عيدروس رئيسا للانتقالي صفة "القائد العام لقوات المقاومة الجنوبية" ويحتفظ بهذه الصفة حتى اليوم، فيما تم الإبقاء على هذا الفصيل رغم تأطير التشكيلات تحت إطار القوات الخاضعة للانتقالي والقائد العام لها عيدروس.


عاد حضور شلال في الملف الأمني بإصدار عيدروس قرارا في 25 مايو 2021 بتكليفه قائدا لوحدات مكافحة الإرهاب التابعة للانتقالي. قضت ديباجة القرار بأن ينظم عمل الوحدات "بلائحة داخلية ويلغي أي قرار سابق". ثم أصدر عيدروس بعدها قراره رقم (20) لسنة 2021، بشأن إنشاء هذه الوحدات ولائحة تنظيم عملها، تزامنا مع رفض المجلس تنفيذ التزاماته الواردة في الملحق العسكري والأمني لاتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والانتقالي برعاية سعودية إماراتية، 5 نوفمبر 2019.

هذه التعيينات لاقت رفضا وتنديدا من الحكومة الشرعية، التي قالت إن أي تعيينات خارج إطار المؤسسات الرسمية والدستورية هي "قرارات لا يعتد بها". معتبرة أن مهام مكافحة الإرهاب هي من اختصاص المؤسسات والأجهزة الشرعية. وأصدر وزير الداخلية آنذاك قرارا بإلغاء قرار عيدروس. ورفض الرئيس هادي حينها ضغوطا لاستصدار قرار بتعيين شلال لإدارة هذا الملف.


وتحت هذه الصفة الانتقالية أصدر شلال قرارات بتعيين قادة فروع الوحدات في المحافظات الجنوبية، بصفته "القائد العام". واتخذ لقواته شعارا خاصا ومسارا مستقلا من القيادة.

ففي عدن كان يقود فروع هذه القوات يسران المقطري. وفي الضالع يقودها محمد يحيى الشوبجي. وفي لحج العقيد محمد أحمد حسين. والعميد عبدالرحمن ناصر عبدالله الشنيني في أبين. وفي ساحل حضرموت منير كرامة التميمي.



الزبيدي ووزير الدفاع إلى يمينه، وشلال إلى يساره خلال اجتماع في مقر جهاز مكافحة الإرهاب بعدن

رسملة شكلية وإزدواجية صلاحيات

أصدر رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي قرارا بإنشاء "جهاز مكافحة الإرهاب" كجهاز أمني متخصص، وعين اللواء شلال رئيسا لهذا الجهاز، في محاولة لتأطير القوات التابعة للانتقالي وسعيا لتنظيم إدارة هذا الملف تحت إطار السلطة الشرعية.

قضى قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رقم (٦) لسنة ٢٠٢٤ الصادر في 4 يناير، بأن يرتبط الجهاز الجديد برئيس اللجنة الأمنية العليا ويخضع لإشراف اللجنة التي يرأسها حاليا وزير الدفاع الفريق محسن الداعري الذي ينحدر هو الآخر من محافظة الضالع.

ونظم القرار مهام واختصاصات الجهاز وبناءه التنظيمي، وأن تصدر اللائحة التنظيمية للجهاز بقرار من رئيس المجلس الرئاسي.

كما قضى المرسوم بأن تكون للجهاز ميزانية مستقلة ونظام مالي، ويكون مقره الرئيس في عدن.

وألزم القرار، الجهاز المنشئ بالعمل على سرعة إحالة القضايا مع المتهمين والمضبوطات وكافة الأوليات المتعلقة بها إلى الجهات القضائية المختصة أو إلى "الجهاز المركزي لأمن الدولة" الذي صدر بتشكيله مرسوما رئاسيا في نفس التاريخ يدمج فيه جهازي الأمن السياسي والأمن القومي والكيانات الاستخبارية الأخرى التابعة للمجلس الانتقالي وحراس الجمهورية وقوات العمالقة، وحدد القرار مدة أقصاها ستة أشهر لاستكمال عملية الدمج التي لم تحدث بعد تجاوز المهلة المحددة.

ومثل غيره من الكيانات والواجهات التابعة للانتقالي فقد كان قرار رسملة "مكافحة الإرهاب" مجرد "شرعنة" شكلية لتشكيلات الانتقالي الذي تحتفظ وحداته وفروعها بتبعيتها له ونفوذها كأمر واقع في عدن والمحافظات الجنوبية ولديها قوات تقوم بمهام مزدوجة، قتالية وأمنية، وتنظم أنشطتها وفعاليات تخريج دفعاتها تحت شعار الانتقالي وراية الانفصال.

فيما تم افتتاح المقر الرسمي للجهاز الرسمي واعتماد شعارا جديدا له، يمسك شلال وبقية قادة قوات المكافحة بصلاحيات مزدوجة، رسمية وتنظيمية، ويحضر اجتماعات اللجنة الأمنية العليا بصفته الرسمية كما يحضر أنشطة واجتماعات الانتقالي بصفته التنظيمية.



تعدد قنوات إدارة ملف الإرهاب

تقدم الإمارات نفسها بأنها ماسكة ملف مكافحة الإرهاب في اليمن، وتسعى لتقديم ذراعها الانتقالي وقواته كشريك في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، ويتم توظيف هذه الورقة ضد خصوم الانتقالي ومشروعه. فيما تنخرط قوات إماراتية في تنفيذ عمليات وتسيير طائرات انطلاقا من قواعد أنشأتها في داخل اليمن وفي دول قريبة.

وتستند أبو ظبي إلى اتفاقية وصفت بالغامضة لـ "التعاون العسكري والأمني ومحاربة الإرهاب" وقعها وزير الدفاع اليمني الفريق الداعري مع وزير العدل الإماراتي في 8 ديسمبر 2022، أي بعد أربعة أشهر من تعيين الداعري وزيرا. لاقت الاتفاقية وتوقيعها اعتراضات من مجلس النواب، السلطة التشريعية.

وكان الوزير الداعري قد بذل خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين تواصلات لدى السعودية لمحاولة الحصول على موافقة الرياض لتوقيع اتفاقية تعاون بشأن مكافحة الإرهاب مماثلة للاتفاقية مع الإمارات. وفقا لمصادر مطلعة تحدثت لـ"ديفانس لاين".

وخلال زيارته الأخيرة للرياض في أكتوبر التقى الفريق الداعري بقائد القوات المشتركة وأمين التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب والسفير السعودي لدى اليمن.

وقبل زيارته الأخيرة للسعودية كان الفريق الداعري قد زار الإمارات في سبتمبر والتقى بوزير الدولة لشئون الدفاع محمد بن مبارك المزروعي.

وفي ذات الصلة، كان الوزير الداعري قد أصدر قرارا في يوليو الماضي بتعيين العميد مساعد قاسم طالب الشاعري، قائد لواء القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب، المتمركز في عدن.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.