في ذكرى ثورة فبراير.. هل لا تزال المبادرة الخليجية صالحة للحل باليمن؟
حلت الذكرى الـ14 لثورة 11 فبراير 2011 في اليمن، في وقتٍ يعيش فيه اليمن أكبر أزمة في تاريخ البلاد منذ نحو نصف قرن، وهي الذكرى ذاتها التي تتزامن مع المبادرة الخليجية التي هدفت حينها إلى جمع مختلف الفرقاء السياسيين في اليمن بغرض إنهاء الأزمة التي دخلتها البلاد عقب ما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي".
ومع مرور 14 عاماً على تلك المبادرة، لا تزال الحكومة الشرعية في اليمن تشدد خلال معظم لقاءاتها مع مسؤولين أمميين ودوليين على ضرورة الالتزام بالمرجعيات الثلاث لحل النزاع المستمر منذ نحو 10 سنوات مع مليشيا الحوثي، وهو الأمر الذي ترفضه الأخيرة، ما قد يشكل عقبة كبيرة أمام التحركات الدبلوماسية الدولية والأممية الرامية إلى تسوية النزاع في اليمن.
وفي ظل تمسك الحكومة بموقفها تجاه المرجعات الثلاث المتمثلة في "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية"، و"مخرجات مؤتمر الحوار الوطني"، و"قرار مجلس الأمن 2216"، تطرح التساؤلات: هل ما زالت المبادرة الخليجية صالحة للأزمة الحالية؟
ذكرى فبراير والمبادرة
في الـ11 من فبراير 2011، خرج اليمنيون إلى الشوارع بهدف إسقاط نظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وفي الـ11 من فبراير 2025، خرج اليمنيون في شوارع مدينتي تعز ومأرب يهتفون لاستكمال أهداف الثورة والقضاء على مليشيا الحوثي المتمردة التي سيطرت على الحكم عام 2014، وقضت على أهداف ثورتهم التي خرجوا من أجلها.
وجاءت ثورة 11 فبراير امتداداً لثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس ومصر، وامتدت رياحها إلى اليمن، حيث خرج اليمنيون في ساحات وميادين 18 محافظة على امتداد البلاد، وبمشاركة شعبية واسعة. وحملت الثورة آمال اليمنيين في إحداث تغييرات ديمقراطية جذرية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي خضم الأحداث رتبت المبادرة الخليجية (أبريل 2011) لعملية انتقال السلطة في اليمن من نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، الذي انتخب (فبراير 2012)، وشارك فيها نحو 25 حزباً وشخصية سياسية بالإضافة إلى الرئيس السابق.
وإلى جانب عملية نقل السلطة، أفضت المبادرة إلى دستور جديد للبلاد، لكنها لم تؤسس لنظام سياسي جديد، حيث تحولت السلطة الجديدة إلى حكومة إدارة أزمات على أثر تراجع الرئيس السابق عن خطة الانتقال السياسي (نوفمبر 2011) بعد عودته من رحلة علاجية في الولايات المتحدة الأمريكية وتشكيله تحالفاً مع الحوثيين.
أهداف المبادرة الخليجية
حاولت المبادرة وآليتها التنفيذية بصياغة مشتركة، يمنياً وإقليمياً ودولياً، إنقاذ الوضع اليمني من التردي، ولبت المبادرة تطلعات التغيير وفتحت أبواب شراكة يمنية واسعة، برغم ما قوبلت به من مباشرة رفض ممن انخرطوا في إنفاذها بتطبيق آليتها التنفيذية.
وتضمنت المبادرة تفاصيل عدة، وألحقت بها آلية لتنفيذها، وكانت أولى مراحل التنفيذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في الثالث من يناير 2012، برئاسة محمد سالم باسندوة، ثم أعقبتها الانتخابات الرئاسية.
ونصت آليتها التنفيذية على انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وأشركت في أعمالها مختلف أطياف القوى اليمنية ذات الخلفيات المتنوعة والروابط الخارجية المتعددة، وفي مقدمتها مليشيا الحوثي التي انقلبت على مخرجات الحوار.
وانعقد مؤتمر الحوار الوطني عام 2013 بموجب المبادرة الخليجية، وتم التوافق فيه على حلول لتسع قضايا رئيسية، على رأسها شكل الدولة، وقضية الحوثيين والقضية الجنوبية، قبل أن ينقلب صالح والحوثيون على مخرجات الحوار وينقضوا على الدولة ويسيطروا عليها، ويدخلوها في حربٍ مدمرة مستمرة حتى اليوم.
أهمية كبيرة
يؤكد الصحفي عبد الله الحبيشي أن المبادرة الخليجية تعتبر الركيزة الرئيسية لأي اتفاق في اليمن وركيزة شرعية للسياسة في البلد، وأن أي محاولة لطي صفحة المبادرة الخليجية "سيعني دخول البلد في فراغ دستوري يترتب عليه فراغ سياسي".
ويشير لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن أي حلول مقبلة لن تتجاوز المرجعيات الثلاث، الموجودة أساساً "في حيثيات القرارات الأممية التي تنص في مادتها الخامسة على أن هذه الثلاث هي دعائم الحل الشامل وينبغي الالتزام بها".
وأكمل: "كل المبادرات المطروحة ما زالت حتى الآن "لا تشير بوضوح إلى تجاوز المرجعيات الثلاث، بل تؤكدها، وإن لمّحت في بعض المحاولات إلى تخفيف أهميتها".
ويرى أن مرجعية مخرجات الحوار الوطني انبثقت بالأساس من المبادرة الخليجية، ما يؤكد أنها أسست لحياة سياسة كان اليمنيون يبنون عليها طريقاً رئيسياً لاستئناف الحياة السياسية التي تنتشل اليمن من أزماته التي مر بها قبل حتى ثورة 11 فبراير، كحرب صعدة والدعوة لانفصال الجنوب.
ويضيف: "صحيح هناك اختلافات كثيرة بعد انقلاب الحوثيين على الحكم والتغيرات الكبيرة التي شهدها اليمن خلال 10 سنوات من الحرب، لكن ذلك لا يعني أن المرجعيات الثلاث، وفي مقدمتها المبادرة الخليجية، لم تعد لها أهمية، بل إن جزءاً من أهدافها من أبرز المطالب التي ترددها الحكومة في سبيل أي حل سياسي باليمن".
الدور الخليجي باليمن
ولا يمكن الحديث عن دور دولي في اليمن بمعزل عن دول الخليج، وفي الوقت ذاته لا يمكن أيضاً الحديث عن وساطة خليجية في اليمن بمعزل عن دور الفاعلين الدوليين، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويصر الغرب على محورية الدور الخليجي في اليمن، حيث إن اليمن يمثل بالنسبة لدول الخليج، وخصوصاً للسعودية، والحديقة الخلفية، كما يرون أن الخليجيين وحدهم من يملك الموارد المطلوبة لمنع اليمن من الانزلاق إلى سيناريوهات غير مرغوب فيها، وهم وحدهم من سيتحمل فاتورة التكاليف في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
كما يعكس الفراغ الأمني في اليمن مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من فقد السيطرة في المنطقة، خصوصاً ما حدث مؤخراً من التطورات في البحر الأحمر وتعرض باب المندب وخليج عدن لمخاطر العمليات الحوثية التي قالت المليشيا إنها تأتي دعماً لغزة ضد العدوان الإسرائيلي.
وكان للحرب الدائرة في اليمن، ومشاركة جميع دول الخليج خلال انطلاق الحرب بقيادة المملكة العربية السعودية، الأثر الأكبر في اقتصاد الرياض بشكل خاص، واقتصاد دول مجلس التعاون الخمس الأخرى بشكل عام، قبل أن تتوقف الحرب تدريجياً وصولاً إلى تهدئة مستمرة منذ نحو عامين.

التعليقات