الضربات الامريكية تثير رعب الحوثيين وتدفعهم لشن حملة اعتقالات غير مسبوقة
تواصل مليشيا الحوثي حملات الخطف والاختفاء القسري بوتيرة متصاعدة، لتطال في الأيام الأخيرة دوائر كانت تُعد حتى وقت قريب جزءاً من عمقها الحليف؛ من مشايخ قبائل موالين، إلى موظفين كبار في مؤسسات الدولة التي تديرها المليشيا، فضلاً عن عناصر سابقة وحالية داخل صفوفها.
وامتدت موجة الاعتقالات لتشمل محافظات صعدة، وصنعاء، والحديدة، وحجة، والمحويت، في مشهد يعكس تصاعد حالة القلق والريبة داخل قيادة الجماعة، على خلفية الضربات الأمريكية التي ألحقت بها خسائر فادحة في مواقع سرية وعسكرية.
وفي 15 مارس/آذار الماضي، بدأت الولايات المتحدة عملية جوية في اليمن بعد أوامر أصدرها الرئيس دونالد ترامب لجيشه بشن هجوم كبير ضد جماعة الحوثي، قبل أن يتوعد بالقضاء عليها تماما.
صعدة.. قلب الخطف
بحسب مصادر محلية وتقارير متعددة تصدرت محافظة صعدة، معقل الحوثيين، قائمة المناطق التي شهدت أوسع حملات الخطف. إذ استهدفت المليشيا في منتصف أبريل الماضي، شيوخ قبائل، ومعلمين، ووجاهات اجتماعية في مديريات رازح، وسحار، ومدينة صعدة ذاتها.
وأفادا تقارير محلية ومصادر فإن مليشيا الحوثي استهدفت بدرجة أساسية بحملات الخطف سكانا في صعدة، نتيجة لما يراه محللون من أن معظم الغارات الأمريكية استهدفت المنشآت السرية والحيوية للحوثيين في المحافظة، ولأنها تمثل أيضا العنصر الحيوي في تنظيم مليشيا الحوثيين، والخشية عليها أكبر من أي محافظة أخرى، خاصة من اختراقات قد تؤدي إلى قتل كبار قادة الحوثيين.
ووفق المصادر، استهدفت الحملة الحوثية منتصف أبريل الفائت شيوخا قبليين ومعلمين ووجاهات في مديريات رازح وسحار ومدينة صعدة. كما استهدفت موجة ثانية من الخطف شاركت فيها أيضا الزينبيات وهي التشكيل النسائي العسكري الحوثي شيوخا قبليين في منطقة المعاريف بمديرية مجز بمحافظة صعدة.
وتلقي المليشيا المدعومة من إيران تهما كالعادة ضد المخطوفين تشمل تسريب إحداثيات وبيانات ومعلومات وتعاون وتخابر مع العدو وفق التوصيف الحوثي.
وفي فق محافظة المحويت خطفت مليشيا الحوثي ما لا يقل عن ستة أشخاص تداولوا مقطع سقوط صاروخ حوثي فاشل، في وقت متأخر قبل عشرة أيام. وظهر على الصاروخ رقما مكتوبا باللغة العربية. وقال مركز المحويت الإعلامي إن الحملة الحوثية خطفت آخرين وأخفتهم إلى جهة مجهولة.
وتحدثت مصادر أخرى في صنعاء خطفت أخرين، صوروا صاروخا تقول الولايات المتحدة إنه حوثي سقط في سوق فروة بشعوب في أمانة العاصمة وأدى لمقتل وإصابة العشرات. وقالت المصادر إن ما لا يقل عن 30 شخصا خطفوا في غضون 48 ساعة من الحادثة التي وقعت أواخر أبريل الماضي.
ورفض الحوثيون دعوات محلية، وحقوقية مثل التي أصدرتها منظمة سام للتحقيق العاجل والنزيه بمن يقف وراء الهجوم والمجزرة التي وقعت في سوق فروة بمديرية شعوب.
استهداف الموظفين
في السياق، قالت مصادر محلية في محافظة الحديدة وحقوقية وعمال أيضا في موانئ الحديدة إن مليشيا الحوثي شنت على مدى أيام حملات خطف ودهم في محافظة الحديدة طالت كبار الموظفين في شركة النفط الحوثية بالحديدة، بعد أسبوعين من غارة أمريكية استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي.
وشملت الحملة الحوثية ضد موظفي شركتها النفطية نائب المدير التجاري في الحديدة رامي جناب ، وأحمد طالب مدير العلاقات العامة بشركة النفط في الحديدة، وثالث يدعى الدكتور طارق النجار، وآخرين في الشركة.
كما امتدت حملات الخطف إلى جزيرة كمران الواقعة قرب ميناءي رأس عيسى والصليف، وخطفت العشرات منهم وفق مصادر محلية وحقوقية، كما قطعت الاتصالات عن جزيرة كمران، التي تعرضت لقرابة 80 ضربة أمريكية منذ منتصف مارس الماضي.
وفي محافظة تعز خطفت مليشيا الحوثي في 25 أبريل ثلاثة معلمين من قرية الاجعود في مديرية التعزية التي يسيطر عليها الحوثيون، وما زال مصيرهم مجهولا.
الحملة تطال الحلفاء
في صنعاء أيضا خطفت مليشيا الحوثي شيخا قبليا من بني مطر قبل أسبوعين، كان قد عمل مع مليشيا الحوثي بكل جهد في التحشيد والتعبئة ونشر الأفكار الحوثية.
وقالت مصادر قبلية إن مليشيا الحوثي خطفت الشيخ ناصر علي عزمان في 19 أبريل الفائت بطريقة مهينة ومذلة دون مراعاة لأي إجراءات شكلية قد تحفظ كرامته.
ونشر مناصروه والغاضبون من خطفه شهادات وإشادات حوثية به حصل عليها في وقت سابق، حتى قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين.
وأضافت المصادر، فإن مليشيا الحوثي اختطفت الشيخ عزمان، بعد ضربة أمريكية استهدفت مصنع السواري للبلاط في مديرية بني مطر الذي يعتقد وفق الأمريكيين أنه مخزن سلاح حوثي.
وفي محافظة حجة خطفت مليشيا الحوثي مطلع الأسبوع الجاري وتحديدا السبت 27 أبريل شيخا قبليا من أبناء الشرفين التي ينحدر منها كثير من قادة الحوثيين، يدعى مالك السعدي. ووصف محتجون قبليون عملية الخطف للشيخ السعدي بأنه عدوان داخلي حوثي يستهدف شق الصف.
كما سبق أن خطفت مليشيا الحوثي الإرهابية، الشيخ أمين أحمد صالح البرعي وذلك بعد غارات جوية أميركية استهدفت مواقع للمليشيا في مديرية برع بمحافظة الحديدة.
ويعد الشيخ البرعي، من أبرز الموالين لمليشيا في محافظة الحديدة، وكان من ضمن كبار مستقبلي قادتها الذين اقتحموا الحديدة قبل عشر سنوات وعمل بشكل وثيق معها خلال السنوات الماضية.
دلالات حملات الخطف
تشير حملات الخطف الحوثية المتصاعدة إلى حالة من القلق الأمني العميق داخل بنية الجماعة، خاصة بعد الضربات الجوية الأمريكية الدقيقة التي أصابت مواقع حساسة في صعدة وصنعاء والحديدة.
ولطالما اعتمدت المليشيا، على نظام السيطرة بالترهيب، باتت تتعامل مع حتى الموالين لها على أنهم "خلايا نائمة محتملة"، وهو ما يعكس ارتباكاً واضحاً في أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لها.
في 20 أبريل الماضي توعد القيادي في المليشيا المدعو مهدي المشاط -في أول ظهور له منذ بدء عملية الجيش الأميركي التي أطلق عليها اسم "الفارس الخشن" -من يصفهم العملاء والمتخابرين مع اليهود بإعدام سريع، لكل من يتورط في ذلك.
وقال المشاط إن أمن مليشياته رصد وقبض على عملاء كثر وأن مصيرهم الإعدام وفق الدستور والقانون. وفي اليوم التالي اجتمع عبدالحكيم الخيواني رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحوثية، وعلي حسين الحوثي رئيس جهاز استخبارات الشرطة ومكافحة الإرهاب في مليشيا الحوثي متوعدين بتحويل وعيد المشاط إلى خطوات عملية.
وبعد مرور ستة أسابيع على العملية ومزاعم الحوثي أنه قبض على عدد من الخلايا والشخصيات المرتبطة بتسريب إحداثيات لم يكشف عن أي شخص متهم بالعمالة، كما لم يقدم أي إثباتات تؤيد مزاعمه.
ويقول محللون إن الحملة الأمنية الحوثية جاءت ردة فعل على نجاعة ضربات أمريكية استهدفت منشآت سرية ومقرات ومنازل قادة حوثيين، أودت بحياة العشرات من قادة مليشيا الحوثي.
ورصد تقرير لشركة باشا الأمنية تشييع الحوثيين أكثر من 100 عنصر من عناصرهم بعضهم من جهاز الأمن والمخابرات وآخر من عائلة الحمران الحوثية القوية في غضون أربعة أسابيع من القصف.
ومؤخرا أكدت القيادة المركزية الأمريكية أنها استهدفت 800 هدف بعد شهر ونصف من عملياتها، وأنها قتلت المئات من عناصر مليشيا الحوثي بعضهم قادة كبار في الصواريخ والطيران المسير الحوثي، دون أن تكشف عن أسماء القتلى.
وبالتالي، فإن حملات الخطف ليست فقط ردة فعل أمنية، بل تعكس تآكل الثقة داخل منظومة الحوثيين وتُنذر بإمكانية تصاعد الانقسامات الداخلية، وهو ما قد يُضعف من قدرتهم على مواصلة التصعيد العسكري، خاصة في ظل استمرار الضغط الجوي الأمريكي.

التعليقات