خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين


كيف أهدرت الحكومة اليمنية فرصة الانتصار على الحوثيين واستعادة الدولة؟

منذ الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، لم يعرف اليمن سوى التصعيد والتعقيد المتزايد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وبرغم المساعي الأممية والإقليمية والدولية لإعادة الاستقرار، ظل النزاع يتفاقم دون أفق واضح للحل.

ومع نهاية عام 2023، شهدت الأزمة تحولاً استراتيجياً حين بدأت الولايات المتحدة، مدعومة بشكل محدود من بريطانيا وفرنسا، بتنفيذ ضربات عسكرية مركزة ضد مواقع الحوثيين كرد فعل على استهدافهم المتكرر للملاحة الدولية في البحر الأحمر لتلحق بها إسرائيل فيما في توجيه ضربات ممركز على النية التحتية اليمنية.

هذه التطورات اعتُبرت فرصة ذهبية أمام الحكومة اليمنية الشرعية لإعادة ترتيب أولوياتها واستثمار الضغط الدولي لتغيير ميزان القوى، غير أن الواقع سرعان ما كشف عن عجز الشرعية في استغلال هذا الظرف المفصلي.

وبدأت الضربات الأمريكية في ديسمبر 2023 بعد تزايد هجمات الحوثيين على السفن التجارية وناقلات النفط، حيث ركزت على تحجيم قدرات الجماعة البحرية والصاروخية دون السعي لإسقاطها بشكل كامل تفادياً لفراغ أمني جديد.

وتميزت هذه الحملة العسكرية بالتركيز على الأهداف النوعية مثل مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة ومراكز القيادة، إضافة إلى استخدام مدروس للقوة لتجنب استهداف المدنيين مع تكرار وتدرج في الهجمات وخلق ضغطاً متصاعداً على الحوثيين.

ويرى مراقبون ان هذه البيئة العسكرية وفرت للشرعية اليمنية نافذة استراتيجية نادرة لتغيير معادلة الصراع في اربعة مسارات وهو مالم تستغله الحكومة.

فالمسار الأول كان على الصعيد العسكري للجماعة، فقد تمثل بتآكل القدرات الحوثية نتيجة للضربات الجوية والبرية التي تلقتها، مما أتاح إمكانية تحريك الجبهات الراكدة. هذه الفرصة وفرت غطاء دوليًا ضمنيًا للهجمات المضادة، وشكلت فرصة لتشتيت القوة الحوثية الموزعة على مواقع مهددة متعددة، لكن الحكومة فشلت في استثمار هذه الفرصة بشكل فعال.

اما المسار الثاني فقد كان يتمثل في ازدياد العزلة الدولية للحوثيين، وهو ما منح فرصة لتعزيز شرعية الحكومة بوصفها الطرف المدعوم دوليًا. وكانت هذه الفرصة يمكن أن تترجم إلى توثيق العلاقات مع الحلفاء والدفع بمسار تفاوضي من موقع قوة، فضلاً عن استعادة الثقة الشعبية المتآكلة بسبب سنوات الحرب. ولكن الحكومة لم تتمكن من استغلال هذه الفرصة بسبب انقساماتها الداخلية.

أما في المسار الإعلامي، فكانت الفرصة سانحة لتكريس صورة الحوثيين كجماعة إرهابية تهدد الأمن الدولي والاقتصاد العالمي. وكان بإمكان الحكومة اليمنية إعادة صياغة الخطاب الإعلامي بما يخدم مصالحها ويكسب الرأي العام الداخلي والخارجي لصالحها، ولكن لم يتم استثمار هذه الفرصة بالشكل المطلوب، مما سمح للحوثيين باستغلال الوضع الإعلامي لصالحهم.

ورغم وضوح هذه الفرص، فإن أداء الحكومة اليمنية الشرعية كان مخيبًا للآمال، حيث فشلت في الاستفادة من هذه المسارات المتاحة لتعزيز موقفها العسكري والسياسي.

وعلى الجانب الدبلوماسي، لم تبادر الحكومة إلى تحريك جبهة العمل الخارجي للاستفادة من الزخم الدولي ضد الحوثيين، وتراجع الأداء الدبلوماسي بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الأولى من الحرب، مع عجز واضح عن بناء تحالفات جديدة أو صيانة القائم منها.

لقد كانت الضربات الأمريكية ضد الحوثيين فرصة نادرة لتغيير معادلة الصراع، غير أن الحكومة الشرعية أخفقت في استثمارها بسبب مشكلات داخلية عميقة وضعف في القيادة والتخطيط والتنفيذ. واستمرار هذا النمط من الإخفاق لا ينذر فقط بإطالة أمد الحرب، بل قد يؤدي إلى تآكل الشرعية اليمنية وتحولها إلى لاعب ثانوي في مشهد إقليمي ودولي يتسم بتعقيدات متزايدة.

هذا الإخفاق لم يكن مجرد فشل تكتيكي بل خلّف تداعيات استراتيجية خطيرة تمثلت في إطالة أمد الصراع وزيادة دافع الحوثيين لتجنيد مقاتلين جدد وتقديم أنفسهم كحركة مقاومة وطنية، كما أدى إلى تقليل ثقة الحلفاء الدوليين بالحكومة الشرعية التي ظهرت كطرف عاجز عن الاستفادة من الفرص حتى عندما تكون الظروف مواتية، إلى جانب تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وتعزيز السردية الحوثية عن العدوان الخارجي، مما ساعد الجماعة على الحفاظ على تماسكها رغم الخسائر.

ولكن برغم هذا الإخفاق، لا تزال هناك فرص قائمة إذا ما أُعيدت هيكلة القيادة السياسية لتجاوز الانقسامات، وبُني جيش وطني حديث قادر على التنسيق مع الحلفاء وتحريك الجبهات لتحقيق مكاسب ولو رمزية لاستعادة الثقة، مع إطلاق دبلوماسية نشطة لإعادة الدعم الدولي قبل أن يتحول الضغط نحو الحكومة الشرعية ذاتها.


أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.