ركزت الغارات الأمريكية الكثيفة عليها .. ثلاث محافظات تمثل قلب نفوذ الحوثيين أين وكيف ولماذا ؟
منذ منتصف مارس/آذار الماضي، ومع بداية الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على مواقع الحوثيين في اليمن، وحتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف العمليات في السادس من مايو/أيار الجاري، نفذ الطيران الحربي الأميركي مئات الغارات التي استهدفت البنية التحتية العسكرية واللوجستية التابعة لجماعة الحوثيين في 13 محافظة واقعة تحت سيطرتهم الكاملة أو الجزئية في شمال وغرب البلاد.
لكن الغارات تركزت بشكل لافت على ثلاث محافظات رئيسية تُعدّ بمثابة مثلث النفوذ الاستراتيجي للحوثيين، وهي: صنعاء، صعدة، والحديدة. ويعود هذا التركيز إلى الأهمية السياسية والعقائدية والاقتصادية لهذه المحافظات، التي تشكل العمود الفقري لسلطة الجماعة منذ انقلابها على الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
صنعاء... العاصمة السياسية والعسكرية
تُعتبر العاصمة صنعاء مركز الحكم ومفتاح السيطرة على اليمن بأكمله، فهي تضم المؤسسات السيادية ومقر القيادة السياسية والعسكرية، وتكتسب أهميتها من كونها العاصمة التي تضم خليطاً سكانياً من مختلف المحافظات اليمنية. ومنذ سيطرة الحوثيين عليها في 21 سبتمبر 2014، فرضوا نفوذهم على الدولة من خلالها، خصوصاً بعد تحييد قبائل طوق صنعاء المحيطة بالعاصمة.
تنقسم صنعاء إلى أمانة العاصمة (صنعاء المدينة) التي تضم 10 مديريات ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، ومحافظة صنعاء (الريف) التي تشمل 16 مديرية ويقطنها أكثر من مليون شخص. وتبلغ المساحة الإجمالية للعاصمة نحو 5552 كلم²، مما يجعلها أكبر مدينة في اليمن من حيث المساحة.
على الصعيد العسكري، تحتضن صنعاء وزارة الدفاع، وهيئة الأركان، والمنطقة العسكرية الأولى، إضافة إلى معسكرات استراتيجية، أبرزها: معسكر الحفاء في جبل نقم شرقي العاصمة، وهو موقع محصن يحتوي على أنفاق جبلية تستخدم لتخزين الأسلحة، وفج عطان الذي يضم مخازن أسلحة وثكنات عسكرية، فضلاً عن معسكر الصيانة، ومعسكر الفرقة الأولى مدرع سابقاً.
كما أن مطار صنعاء الدولي وقاعدة الديلمي الجوية كانا ضمن أبرز الأهداف المتكررة للغارات الأميركية، نظراً لاستخدامهما من قبل الحوثيين في إطلاق المسيّرات والصواريخ. وفي ريف صنعاء، نالت مديرية بني حشيش النصيب الأكبر من القصف الأميركي، نظراً لاحتوائها على مواقع عسكرية ومخازن أسلحة استراتيجية.
صعدة... المعقل العقائدي والعسكري الأول
تحتل محافظة صعدة، الواقعة شمالي اليمن، مكانة مركزية لدى الحوثيين. فهي مسقط رأس مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ومقر قيادة شقيقه عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة الحالي. تمتد صعدة على مساحة تزيد عن 11,375 كلم²، وتتكون من 15 مديرية، ويقطنها أكثر من مليون نسمة.
صعدة لا تمثل فقط رمزية دينية للحوثيين، بل تعد معقلهم السياسي والعسكري الحقيقي. تضم المحافظة ما يسمى بـ"المكتب الجهادي" التابع لعبد الملك الحوثي، والذي يدير من خلاله كافة شؤون الجماعة، بما فيها ما يصدر عن القصر الجمهوري في صنعاء. وقد أكد الباحث السياسي ثابت الأحمدي أن صعدة هي العاصمة الحقيقية للحوثيين، باعتبارها مركز القيادة العليا ومقر إصدار التوجيهات.
تضم صعدة أكبر مخازن أسلحة الجماعة، وأنفاقاً جبلية محصنة. واستهدفت الغارات الأميركية معسكر كهلان شرق مدينة صعدة، والأنفاق والمخازن في مديريات كتاف وآل سالم ومجز والصفراء.
ومن الناحية العسكرية، تعد صعدة معقلاً حصيناً بفضل تضاريسها الجبلية، التي أتاحت للحوثيين تطوير قدراتهم في حرب العصابات، لا سيما بعد ستة حروب متتالية خاضوها في صعدة بين 2004 و2010. ووفق الأحمدي، فإن مديرية الصفراء التي تمتد من عمران حتى الحدود السعودية، تحتضن شبكة ضخمة من الأنفاق والتحصينات التي تؤمّن للحوثيين ملاجئ من الغارات ومخارج طوارئ.
الحديدة... الرئة الاقتصادية والمالية
في غرب البلاد، تمثل محافظة الحديدة شريان الحياة الاقتصادي للحوثيين، إذ تُعد الميناء الرئيسي الذي تستقبل عبره البلاد أكثر من 80% من وارداتها. وتضم الحديدة ثلاثة موانئ رئيسية هي: ميناء الحديدة، ميناء رأس عيسى، وميناء الصليف، بالإضافة إلى مطار دولي وعدد من المنشآت العسكرية.
تغطي الحديدة مساحة 17,509 كلم² وتضم 26 مديرية، ويقدَّر عدد سكانها بأربعة ملايين نسمة. وتعد موانئها من أكبر مصادر الدخل للجماعة. فبحسب تقارير 2023، بلغت إيرادات ميناء الحديدة 395 مليون دولار، وميناء الصليف 119 مليون دولار، بينما سجّل ميناء رأس عيسى عوائد بقيمة 80 مليون دولار.
تُستخدم هذه الموانئ كذلك في تهريب الأسلحة، وفق اتهامات دولية، حيث يتم إدخال المسيّرات والصواريخ بشكل مفكك، ثم تركيبها في ورش حوثية بإشراف خبراء من إيران وحزب الله. كما تضم الحديدة مطاراً يستخدم لإطلاق المسيّرات، وجزيرة كمران التي تعد قاعدة بحرية متقدمة.
وتكمن أهمية الحديدة أيضاً في كونها نقطة تماس بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق الحكومة الشرعية، التي تسيطر على مديريتين جنوبي المحافظة (الخَوخة وحَيس). وتوجد في الساحل الغربي قوات "المشتركة"، والتي تتكوّن من "حراس الجمهورية"، و"قوات العمالقة"، و"المقاومة التهامية"، وتعد هذه التشكيلات القوام الأساسي لأي عملية برية محتملة تستهدف تحرير الحديدة.
الكاتب الصحافي عبد الله دوبلة أكد أن فقدان الحوثيين للحديدة يعني خسارتهم للميزة الاقتصادية والعسكرية، ولفرض نفوذهم في البحر الأحمر، ما قد يؤدي إلى عزلهم عن العالم الخارجي. وأضاف أن الحديدة تمثل بوابة التأثير الإقليمي والدولي، ومن يسيطر عليها يتحكم فعلياً بمسار المعركة في اليمن.
ختاماً
تشير هذه المعطيات إلى أن الغارات الأميركية استهدفت بعناية المناطق التي تشكل العمق الاستراتيجي لجماعة الحوثيين، سواء من حيث القيادة السياسية والعسكرية (صعدة)، أو من حيث السلطة والإدارة (صنعاء)، أو من حيث التمويل والتواصل مع الخارج (الحديدة). وقد أدى هذا القصف إلى خلخلة بنى الحوثيين الدفاعية، لكن دون أن يؤدي إلى انهيار منظومتهم حتى الآن، ما يفتح تساؤلات حول المرحلة المقبلة، وما إذا كانت واشنطن ستتجه نحو خيار العملية البرية، أم ستكتفي بمرحلة الردع الجوي والضغط السياسي.

التعليقات