وديعة أم دعم؟ السعودية تغيّر معادلة إنقاذ الاقتصاد اليمني (الودائع مابين 2018-2025)
في مشهد يعكس تعقيدات الملف الاقتصادي اليمني، أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرًا عن تقديم دعم مالي مباشر للحكومة اليمنية الشرعية بقيمة 368 مليون دولار، بدلًا من إيداع وديعة جديدة في البنك المركزي بعدن كما جرت العادة في السنوات الماضية. هذا التحول أثار تساؤلات واسعة حول دلالاته الاقتصادية وأثره الفعلي على استقرار الريال والأسعار.
الفرق بين الدعم والوديعة
الوديعة تعني أموالًا تُودَع في البنك المركزي لتعزيز الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية، ما يمنحه قدرة أكبر على التدخل في سوق الصرف وتمويل واردات السلع الأساسية. أما الدعم أو المنحة المالية، فهي مبالغ تُسلّم مباشرة للحكومة لاستخدامها في تسيير النفقات العاجلة مثل المرتبات والمشتقات النفطية والخدمات الأساسية، دون أن تُشكل مخزونًا طويل الأجل من العملات الصعبة.
لماذا اختارت السعودية الدعم بدلًا من الوديعة؟
يرى خبراء الاقتصاد أن قرار السعودية تقديم دعم مالي بدلًا من وديعة جديدة جاء استجابة للحاجة الطارئة لدى الحكومة اليمنية لتغطية العجز المالي والوفاء بالالتزامات المباشرة، خصوصًا في ظل ضعف الإيرادات وتراجع قدرة الدولة على تحصيل الضرائب وعائدات النفط. في المقابل، الودائع عادة تُشترط بإصلاحات هيكلية، وتُخصص لتعزيز استقرار العملة، وهو ما قد لا يلبي الاحتياجات السريعة للحكومة.
الأثر على الاقتصاد وسعر الصرف
أدى الدعم السعودي الأخير إلى تهدئة مؤقتة في سوق الصرف، حيث استقر الريال عند حدود 1615 للدولار و425 للريال السعودي في عدن. إلا أن الاستقرار يظل هشًا، إذ لا يملك البنك المركزي احتياطيات كافية تمكنه من مواجهة أي صدمات كبيرة في الطلب على الدولار أو موجات جديدة من المضاربة.
ودائع ودعم خليجي منذ 2014
منذ انقلاب الحوثيين عام 2014، ضخت السعودية والإمارات عدة ودائع ومنح مالية لإنقاذ الاقتصاد اليمني:
-
2018: السعودية أودعت 2 مليار دولار في البنك المركزي بعدن.
-
2022: إعلان عن حزمة دعم سعودي – إماراتي بقيمة 3 مليارات دولار عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.
-
2023: السعودية قدمت وديعة بمليار دولار لدعم الاستقرار النقدي.
-
2024: منحة سعودية تضمنت 500 مليون دولار، منها 300 مليون وديعة في البنك المركزي.
-
2025: تقديم دعم مباشر بقيمة 368 مليون دولار بدلًا من وديعة.
دور البنك الدولي والمجتمع الدولي
لم يقتصر الدعم على الخليج فقط؛ إذ لعب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمانحون الدوليون دورًا محوريًا في منع انهيار الدولة.
-
البنك الدولي: قدّم منذ 2016 أكثر من 3 مليارات دولار عبر "المؤسسة الدولية للتنمية" لدعم مشاريع نقد مقابل عمل، وتحسين الخدمات الأساسية، وتمويل برامج الأمن الغذائي.
-
الأمم المتحدة: أطلقت خطط استجابة إنسانية سنوية حشدت ما بين 1.5 – 2 مليار دولار سنويًا في أحسن الظروف، معظمها مساعدات إنسانية مباشرة.
-
صندوق النقد الدولي: قدّم عام 2021 حوالي 665 مليون دولار لليمن ضمن حقوق السحب الخاصة لدعم الاقتصاد بعد أزمة كورونا.
-
مؤتمرات المانحين: قادتها السعودية، السويد، وسويسرا منذ 2017 وحتى 2025، وأسفرت عن تعهدات بمليارات الدولارات، لكن نسبة كبيرة منها ذهبت لبرامج إنسانية عبر الأمم المتحدة، بينما لم يصل جزء كبير منها للحكومة بشكل مباشر.
خلاصة المشهد
إجمالًا، السعودية اختارت في 2025 الدعم المباشر بدلًا من الوديعة، لتلبية الاحتياجات العاجلة للحكومة. إلا أن غياب ودائع كبيرة طويلة الأجل يبقي العملة الوطنية في وضع هش. أما المجتمع الدولي، فقد ركّز على الجوانب الإنسانية أكثر من الجانب الاقتصادي، ما جعل الاستقرار النقدي يعتمد بدرجة رئيسية على المبادرات الخليجية.
التعليقات