برنامج : اليمن الكبير : تعز أيقونة الثورة والحرية والنضال

ماذا يريدون في اليمن؟ وماذا يريد اليمنيون؟.

في علم الاستراتيجيات ثمة اجماع على أن ثمة خطط استراتيجية وأخرى تكتيكية تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية,  وأن خلاصة الاستراتيجية تعبئة قوى الدولة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعنوياً لتحقيق أهداف السياسة العليا في السلم والحرب, من خلال خطط تكتيكية وتنفيذية تتناسب مع معطيات الواقع ومن هذا المنطلق يمكننا وضع السؤال التالي: ما هو الهدف الاستراتيجي من حرب السعودية والإمارات في اليمن وهل الخطط التكتيكية متناغمة مع هذا الهدف؟.

والجواب عن هذا السؤال يحتاج سلوك منهج البحث الأكاديمي من خلال النظر في وقائع تاريخية للعلاقات بين دول شبه الجزيرة العربية وملابسات الواقع الراهن غير أننا سنستعرض في هذا المقال بعض ملامح وأبعاد الصراع في اليمن الذي انطلق في 26 مارس للعام 2015م تحت مسمى عاصفة الحزم من خلال الإجابة على السؤال السابق بأسلوب صحفي مناسب للقراء.

فلابد أن ندرك أن هذه العملية انطلقت في بداياتها لتحقيق الهدف المعلن هو " استعادة الحكومة الشرعية اليمنية للسلطة", غير أنها انحرفت عن مسارها, وقد ظهرت في البداية كتحالف ضخم مكون من العديد من الدول العربية والإسلامية إلا أن هذا التحالف سرعان ما تفكك وبقيت الأطراف الحقيقية فيه تتمثل في السعودية والإمارات وإمدادات بشرية من السودان ومساعدات لوجستية من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الشركات الأمنية والمرتزقة الأمنيين من دول متفرقة.

ومن يتابع مجريات هذا الصراع يلحظ تباينا كبيراً في الاستراتيجيات وانحرافاً واضحاً عن الأهداف, وإن أنكرت السعودية والإمارات تباين أهدافهما وتعارض مصالحهما إلا أن ذلك ظهر جلياً في تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش في منتصف العام 2016م  أن دور بلاده في اليمن عسكرياً انتهى وأنهم سيكتفون بالقيام بدور سياسي، مما أثار غضب السعوديين, ودفع الوزير لسحب وتبرير موقفه بأن كلامه فهم بشكل خاطئ, ونلحظ هذا التباين والتخبط السياسي في هذه الحرب من خلال تكوين النخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية, والحزام الأمني في عدن, ودعم المجلس الانتقالي إلى درجة اعتباره شريكاً سياسياً استطاع بفعل الدعم الإماراتي تجاوز الحراك الجنوبي المعروف منذ 2007م من خلال المتاجرة بالقضية الجنوبية لتوفير غطاء سياسي لأدوات الإمارات المتنفذة محلياً, بل وصل الأمر إلى اعتماد سياسة المحاصصة مع  حكومة هادي من خلال اتفاق الرياض الذي كسب من خلاله الانتقالي شرعية تمكنه من أداء فعل سياسي يتجاوز حجمه.

ويتجلى هذا التباين والتخبط السياسي في أن الهدف العسكري والسياسي الذي انطلقوا من أجله لم يحققوه بل انحرفوا عنه, وساهموا في تعميق انقسام المجتمع اليمني, وقد عربدت الإمارات من خلال القصف المتعمد لكثير من مواقع الجيش الذي تدعي مناصرته, وقصف كثير من محال الأبرياء بعذر القصف الخطأ والاحداثيات الخاطئة, وقد تلكأت الإمارات في كثير من المعارك في اليمن وقد ظهر عدائها المتأصل للإسلام السياسي من خلال محاربة حزب الإصلاح اليمني واتخاذه شماعة لتبرير سلوكها العدائي تجاه اليمن ومصالحه الاستراتيجية.

فليس خافياً على أي متابع أن السياسات الاماراتية والسعودية مبنية على سياسات ارتجالية مرتهنة للمتغيرات الدولية والإقليمية, حين تسمع تصريحات الساسة منهم تتصور أن لديهم أهداف استراتيجية غير أن الواقع أثبت الفوضى والارتجالية والاعتماد على خطط تكتيكية آنية معتمدة على زيادة الأطراف المتنازعة, وزرع الفوضى لكي لا يكون البلد الجار قوياً, مع حرص الإمارات على السيطرة البحرية وحرص السعودية على خطوط النفط والغاز وتأمين حدودها, وهذه الرؤية تعبر عن فشل سياسي كبير فإن بقي اليمن مضطرباً فهذا يزعزع الأمن الإقليمي للمنطقة, بل وسيكون إحدى عوامل الخلل الجيوسياسية  لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام, غير أن غباء هاتين الدويلتين لا حد له,  ولعل مرد هذا لانعدام القرار السيادي وارتهانهم للحامي الأمريكي في أي تحرك سياسي أو عسكري.

وأحسب أن هذا فهم السياسات الخليجية في اليمن يعد مدخلاً جيداً لكي يفهم الفرقاء اليمنيون تعقيدات الوضع الحالي, وأن كل هذه الموارد المنهوبة والإمكانات المهدورة, والدماء النازفة ليست إلا تجسيداً لحرب بالوكالة لا أمد لها, فلعلهم يدركون ما أدركه القاضي الإرياني حين استلم قيادة البلد ويدخلون في مفاوضات جادة لتجنيب ما بقي من اليمنيين ويلات الحرب والدمار.

فخطاب العقلاء اليوم أن اليمن ستتجه بشكل أو بآخر إلى حل توافقي في القريب العاجل، فالجميع أنهك وأبصر نهاية الموقف المتصلب وانعكاسه على الجميع، فمحاولة تنميط المجتمع وعزله عن محيطه مستحيل، فلابد لجميع الأطراف من صياغة رؤية وسط ذات قواسم مشتركة تراعي مصالح اليمنيين فوق أي اعتبار طائفي أو حزبي أو اعتبارات مصالح الدول المسيرة للحرب.

فالكل يدرك أن الحل التوافقي يلوح في الأفق، فقد تعب الجميع من هذه المواقف المتصلبة،  وأبصر الجميع ثراء الساسة والنخب المستفيدة من تأجيج الأزمة،  مقابل جوع الشعب وازدياد فقره وتفاقم أزمته, وقد أدرك الساسة أن تخندق الشعب من أجل مصالحهم لن يدوم, ولكن نأمل منهم ولو موقفاً حميداً واحداً : اجعلوا الوطن والشعب قيماً متعالية على مصالحكم الذاتية والحزبية والطائفية فهذا مفتاح مستقبل الجيل القادم من اليمنيين الحالمين بالحياة الكريمة.


اليمن الكبير|| مأرب التاريخ والعراقة (الجزء الأول)



أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا