من البديهي القول أن للوقت تأثير مباشر على الإبتكار فعندما كانت المسافات بعيدة ولا يوجد مركبة تقل المسافرين في أقصر وأسرع وقت أبتكرت السيارات والمركبات الناقلة التي تقل الناس وتنقلهم وتحمل أمتعتهم إلى أماكن بعيدة وكذلك ماكينة الخياطة والطابعة والتلغراف والتليفون والكمبيوتر والجوال فماكينة الخياطة أبتكرت لإختصار الوقت والجهد الذي كان سيبذل في الترقيع أو الخياطة اليدوية والطابعة أبتكرت لإختصار الوقت الذي كان سيستخدم لنقل المطبوعات ونسخها وكتابتها والتلفون تم إختراعه لتقليل الجهد والتكلفة التي كانت ستخصص للتواصل بين الناس ونقل أخبارهم ومعرفة أحوالهم وأيضا الكمبيوتر تم إختراعه وإبتكاره لجمع البيانات والمعلومات وسهولة التعامل معها وهكذا فإن الوقت هو جوهر عملية الإبداع والإبتكار والإختراع.

إضافة إلى ما سبق فإن للتوقيت الحيوي للأفكار دور بارز وفاعل في إيجاد أفكار فعالة وخلاقة ومعلومات رائعة فمثلا هناك دراسات تقول بأن البالغون تتسلل المعلومات الجيدة والرائعة إلى أذهانهم في الصباح بينما المراهقون وكبار السن فإن تفكيرهم يكون فعالا وخلاقا ومفيدا وناجحا في المساء.

وقد روي عن الإمام البخاري- رحمه الله- أنه كان يراجع ويطالع دروسه ثم يطفئ سراجه لينام وما إن ينام حتى تتبادر إلى ذهنه فكرة ومعلومة فيقوم بكتابتها وتسجيلها ثم يطفئ سراجه لينام ثم يتكرر الحال فتتهادى إليه فكرة ومعلومة أخرى فيقوم بكتابتها أيضا ثم يطفئ سراجه لينام وهكذا حتى قيل أنه ذات ليلة تكرر هذا الأمر لما يربو على عشرين مرة من إطفاء السراج للنوم ثم القيام لإهتبال الفرصة لكتابة هذه الفائدة أو تلك.

ومن هنا يتبين أثر التوقيت المناسب وقدرته على إخراج تفكير خلاق وفعال ورائع وبنوعية جيدة.

ومن المؤثرات والمحفزات التي تشجع على إيجاد إبتكار جديد في عقلية إنسان ما أو في ذهنه أو في خلده الخيال الواسع فكلما كانت مقدرة الإنسان على الخيال أكثر كلما كانت مقدرته على الإبتكار أكثر فالخيال والتفكر والتأمل واحد من الأسباب التي تعين العقل البشري على الإبتكار والإبداع ولذلك فهو مأمور به شرعا ومحضوض عليه في صريح القرآن قال الحق تبارك وتعالى في محكم قيله وتنزيله( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) وقال الملك الجليل في كتابه الكريم( أولم يتفكروا في أنفسهم).

فالتخيل هو ذلك المارد النائم بعقل كل فرد فينا ولا نحتاج إلا أن نوقظه من سباته ونجعله يعمل في خدمتنا ونطوعه ليبذل أقصى جهد له لتعزيز قدراتنا الإبتكارية.

الحقيقة أن الفكرة المبتكرة أصلها هو التخيل سواء المتعمد أو العفوي فالأشياء المبتكرة لم يكن بإستطاعتنا وصفها بالجديدة لو كان لها وجود حقيقي في الواقع قبل ذلك الوقت؟ والواقع أنها كانت فكرة في خيال إنسان ولكن بصورة أخرى غير مماثلة لهذا الواقع تماما.

وقيل أن الخيال هو الشيء الذي يشبه الأصل ولكن ليس هو نفسه وقيل أنه تمثيل أو تقليد يبتعد عن الأصل من حيث الزمان والمكان عن طريق إستخدام الذهن والعقل.

وعلى هذا فالمنطق يستطيع أن يأخذك من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) أما التخيل فيستطيع أن يذهب بك إلى كل مكان.

إذن فالعقل البشري هو الآلة التي يستخدمها المبتكر في توليد سلسلة من التشابهات الموجودة في الواقع وبالتالي يمكننا التحكم في خصائص تلك التشابهات من حيث اللون والحجم والكثافة والتي يمكن أن نطلق عليها أفكارا وذلك بعد الإضافة والتغيير والتحريك لتلك التشابهات.

أما التخيل فيعرفه العلماء بأنه عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو إستشعارها أو تذوقها فنحن نتفاعل عقليا مع كل شيء عبر الصور .. الصور ليست فقط بصرية ولكنها قد تكون رائحة أو ملمسا أو مذاقا أو صوتا بل هي تعبير داخلي عن تجاربك أو أوهامك بل إنها أحد الأساليب التي يقوم من خلالها مخك بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها وهو الأداة التي تتفاعل بها عقولنا مع أجسادنا.

والشخص العادي تعبر ذهنه قرابة عشرة آلاف فكرة في شكل صور يوميا ونصف هذه الصور على الأقل ذو طابع سلبي!

قالوا عن الخيال والتخيل:

-قال كولين ويلسون: الخيال ينبغي ألا يستخدم للهروب من الواقع وإنما لخلقه.

ويقول برناردشو: يرون بعض الأشياء كما هي ويتساءلون لماذا؟...أما أنا فأتخيل الأشياء التي لم تحدث وأقول لم لا؟.

ويقول جينيفيف بهرند: جميعنا نمتلك من القوة والإمكانيات ما هو أعظم شأنا مما ندرك والتخيل هو أعظم تلك القدرات.

ويقول مايكل دولي: عندما نقوم بالتخيل. ... عندما تدور تلك الصورة في عقلك ركز فقط على النتيجة النهائية وحسب.

ويقول الدكتور جيرستن: ثمة دليل قاطع على أن استخدام التخيل يمكن بطريقة مثيرة أن يحسن نوعية الحياة وفي بعض الحالات أن يطيل التوقعات العمرية.