اليمن الكبير|| المهرة بوابة اليمن الشرقية

في حوار خاص مع المستشار الإعلامي طلال جامل... كيف يغطي الإعلام التركي الأحداث في اليمن؟
شهدت تركيا في الآونة الأخيرة الكثير من الفعاليات المؤيدة للحوثيين والمنددة بالوضع الانساني في اليمن، مما دفع العديد من المهتمين بالشأن اليمني للتساؤل حول كيفية تناول الإعلام التركي للأحداث في اليمن، وما هو السر وراء التوجه المفاجئ للصحافة التركية للتركيز عن الوضع الإنساني. وللحديث عن هذا الموضوع أجرى "يني يمن" حواراً خاصاً مع المستشار الإعلامي بالسفارة اليمنية في أنقره، طلال جامل، الذي أوضح الكثير من النقاط الشائكة في هذا الموضوع. في البداية، ماهي طبيعة تناول الإعلام التركي لما يحدث في اليمن؟ أهلاً وسهلاً بموقع "يني يمن" الذي ظهر مجدداً على الساحة ليتناول الشأن التركي اليمني. في الحقيقة الحديث عن الإعلام التركي وكيفية تناوله للأحداث في اليمن هو حديث شائك، ولكننا نستطيع أن نقسمه إلى ثلاث مراحل. في المرحلة السابقة، وأقصد بها، ما قبل الحرب في اليمن، كان الإعلام التركي يتناول الأخبار عن اليمن عبر الوكالات العالمية، ولم يكن لهم أي مصادر مباشرة للأخبار كمراسلين صحفيين أو مكاتب إعلامية لنقل ومتابعة الحدث اليمني، وبالتالي كان هناك قصور في الإعلام التركي بتفاصيل الحدث السياسي اليمني، صحيح كان هناك اهتمام باليمن في الجانب الوثائقي والتاريخي فيما يخص العلاقات اليمنية إبان الحكم العثماني، خاصة وأن اليمن مازالت تحتضن الكثير من تلك المعالم التاريخية من مبان وقلاع ووثائق. لكن الحدث السياسي كان للأسف الشديد مغيب إلى حد كبير. المرحلة الثانية وفي إبان ثورات الربيع العربي، بدأت تركيا، كبقية دول الإقليم، تتابع عن كثب ما يجري في اليمن وبعض الدول العربية الأخرى، وتناولت بعض وسائل الإعلام ما يدور هناك، لكن ليس بذلك القدر الذي نستطيع أن نقول إن اليمن كانت حاضرة في الإعلام التركي بشكل كبير. كما هو الحاصل في المشهد السوري لاعتبارات جيوسياسية واستراتيجية كدولة مجاورة لتركيا. ما بعد انقلاب مليشيا الحوثي والرئيس الأسبق "علي صالح" وتدخل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بطلب من الحكومة اليمنية، وجدنا مساحة لا بأس بها في الإعلام التركي لتغطية الحدث بشكل لافت. ولكن للأسف الشديد هذه المساحة بدأت تتناول الشأن السياسي بشكل عام رغم وجود مكتب لوكالة الأناضول للأنباء في اليمن، ورغم ذلك مازالت التغطية ليست بذلك القدر الدي يتناسب مع الموقف الرسمي التركي المتقدم على الخطاب الإعلامي في دعم اليمن واستقراره ووحدة أراضيه.
واليوم لا تكاد ترى في الإعلام التركي إلا الحديث عن المجاعات والوضع الانساني دون التعمق في تفاصيل المشهد اليمني وخارطة الصراع في الداخل، ناهيك عن التجاذبات الإقليمية، الأمر الذي يشوش على الرأي العام التركي.
المرحلة الثالثة حالياً، وبعد 4 سنوات من تدخل قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، وما خلفه الانقلاب والصراعات في اليمن من مأساة إنسانية، لا نكاد نرى الأخبار اليمنية في وسائل الإعلام التركية إلا من تلك النافذة الإنسانية. الموضوع الآخر والشائك هو تناول الإعلام التركي لموضوع اليمن من البوابة الإقليمية، أو ما يسمى في الإعلام التركي بـ "الصراع الإقليمي" الدائر في اليمن الذي تدفع فاتورته اليمن، حسب الوصف التركي. اليوم الإعلام التركي قطع مراحل كبيرة في تغطية الشأن السياسي اليمني، فالصحف والكتاب والسياسيين الأتراك باتوا لا يتحدثون عن الشأن اليمني إلا من بوابة الصراع الإقليمي في المنطقة وأن اليمنيين هم من يدفعون ثمن هذه الفاتورة الباهظة. فهناك من يرى أن الصراع في اليمن عبارة عن صراح يمني-يمني، وهناك من يرى أنه صراع سعودي-إيراني. ماهي الأسباب التي دفعت الإعلام التركي للتركيز على الجانب الإنساني؟ من الطبيعي في تركيا، ودول أوروبا بشكل عام، عندما تشاهد الدول الصغيرة التي يدور فيها صراعات، أو كما يسميها بعض وسائل الإعلام التركية "حرب أهلية" فهي تنظر إليها عبر اتجاهين: تقديم المساعدات الإنسانية، التي قطعت فيها تركيا شوطاً كبيراً عبر مؤسسة "تيكا" التي تتبع الرئاسة التركية والكثير من منظمات المجتمع المدني التي تتواصل مع السفارة بشكل مستمر لتسهيل مهمتها للسفر إلى اليمن. الاتجاه الآخر هو تناول الإعلام التركي للوضع اليمني عن طريق ربطه بالوضع الإقليمي. فهناك من يعتبر المملكة العربية السعودية السبب الرئيس لما يجري في اليمن من مأساة إنسانية، كونها هي من قامت بتشكيل قوات التحالف العربي. والبعض يقول إن الميليشيا المدعومة من إيران هي من تسببت في هذا الوضع، وهناك من يقف في المنطقة الوسط. وقد ظهرت بعض الكتابات التركية التي تطالب حكومتها بترك المنطقة الرمادية حسب وصفهم. بشكل عام نجد أن تغطية الوكالات الرسمية اليوم تقترب من الوضع في اليمن وبقية الوسائل الإعلامية التركية تأخذ منهم تلك الأخبار. كما نجد بعض الكتاب الأتراك من يلامس الوضع في اليمن والبعض الآخر منحاز ولديه مواقف مسبقة من التحالف العربي وبالتالي ينعكس ذلك في كتاباته. كيف أثر مقتل "خاشقجي" على تناول الإعلام التركي للأحداث في اليمن؟ قصة الصحفي السعودي نستطيع أن نعتبرها مرحلة بحد ذاتها، غيرت الكثير في طريقة تناول الإعلامي التركي وحديثهم عن اليمن والسعودية. فنحن أمام مشهد جديد وخطاب إعلامي جديد، نستطيع أن نسميها مرحلة "ما بعد مقتل خاشقجي". بالتأكيد، أن مقتل خاشقجي أعطى دفعة قوية للإعلام التركي، ومنح الضوء الأخضر لخلق حالة من الضغط على المملكة العربية السعودية لتوقف العمليات العسكرية في اليمن. هذا الخطاب الإعلامي جاء في نسق تحرك دولي، قد لا يكون رسمياً بالضرورة، بقدر ما هو تحرك مجتمع مدني، ينادي بوقف الحرب. ولكن العناوين الإنسانية أحياناً لها أبعادها السياسية، فعندما يتحرك الخطاب الإعلامي بهذا الشكل، تتحرك معها بعض المنظمات والجمعيات التركية المحسوبة، إلى حد ما، على التوجه الإيراني، إما لبعد ثقافي أو عقدي. ولكن هناك أيضاً الصحافة الليبرالية واليسارية التي تتحدث عن أن السعودية تتحمل تبعات ما يجري الآن في اليمن.
بعد مقتل خاشقجي زادت حالة الهيجان في عناوين الصحف التي أبرزت المأساة الإنسانية، ومنها ما قاله الرئيس أردوغان مؤخراً من أن "هناك ملايين الجياع في اليمن والمسلمون مسؤولون عن ذلك."
كما أؤكد أن هناك إغفال في الإعلام التركي للأسف الشديد لما تقوم به جماعة مليشيا الحوثي من انتهاكات لحقوق الانسان من القتل ومحاصرة المدن واعتقال الصحفيين والسياسيين وأصحاب الرأي. فهناك المئات من معتقلي الرأي في سجون مليشيا الحوثي ولكن لا يتحدث عنهم الإعلام التركي. من خلال متابعتكم للإعلام التركي، هل لاحظتم أي معلومات مغلوطة عن اليمن؟ خلال لقائي مع الكثير من الصحف التركية وجدت أن الكثير من وسائل الإعلام التركية لا تملك المعلومات الأولية عما يجري في اليمن. البعض مغيب تماماً عن تفاصيل المشهد اليمني وبالتالي تواجهك أسئلة في أبجديات الصراع الدائر في اليمن، وبعد الانقلاب الحوثي زاد المشهد أكثر غموضاً خاصة في المشهد الإعلامي. الرأي العام التركي، وأقصد هنا النخبة من رجال الإعلام والمهتمين، التبس الأمر عليهم في متابعة وسائل الإعلام التابعة للشرعية وتلك التي تتبع مليشيا الانقلاب، والسبب يعود لاستيلاء مليشيا الانقلاب على أجهزة الإعلام الرسمية إبان الانقلاب. كيف تعاملتم مع هذه الإشكاليات؟ نحن كملحقية إعلامية في السفارة، نحاول بشكل مستمر معالجة بعض الإشكاليات من خلال اللقاءات وبعض الإصدارات باللغة التركية، لتوضيح الصورة بشكل يمكن النخب التركية الإعلامية والسياسية من الاطلاع بالمشهد اليمني. ومؤخراً، أطلقنا موقعاً إلكترونياً رسمياً يتناول الشأن اليمني، اضافة الى إصدار نشرات أسبوعية باللغة التركية تتناول، من وجهة النظر الرسمية، ما يجري على الساحة اليمنية، وهنا أشيد بموقعكم "يني يمن” الذي يشكل رافداً ومعيناً لنا في إيصال رسالة اليمن للرأي العام التركي. كما نقوم أيضاً بزيارات مكثفة وعمل لقاءات وندوات كثيرة نعقدها مع السياسيين والإعلاميين بشكل دوري. حيث تقوم الملحقية الإعلامية بعقد ندوة نهاية كل شهر مع رؤساء الصحف المؤثرة، نتحدث فيها عن الأزمة اليمنية. وخلال اللقاءات نحاول الاجابة عن كل التساؤلات. طبعاً بالنسبة للنخب السياسية الرسمية وصناع القرار في تركيا، لديها إدراك لما يجري في اليمن وأهميتها الإقليمية والاستراتيجية. هناك خطاب رسمي متقدم، كما قلت، مناصر لليمن والشرعية وقريب جداً من تحركات قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. فالخطاب الرسمي رزين ورصين، ولكن الإعلام التركي بشكل عام لازال دون المستوى خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي. ما طبيعة العلاقة بين تركيا واليمن؟ بالنسبة لنظرة تركيا لليمن، فتركيا تهتم سياسياً باليمن لسببين: أولاً لموقعها الجيوسياسي وإطلالتها على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يعتبر من أهم المضائق في العالم.  وبما أن تركيا دولة إقليمية قوية، فهذا الأمر يهمها في إطار الخارطة الإقليمية. ثانياً: تركيا لها علاقات واتفاقيات كبيرة مع اليمن، قد لا نجد ذلك منعكساً في الحياة اليومية ولدى النخب التركية لكن تركيا تقوم بدور ملموس في اليمن. كما أن لها دور في المحافل الدولية من خلال تأييدها لوحدة واستقرار اليمن ودعمها للشرعية اليمنية وهذا موقف تشكر عليه. بالإضافة إلى ذلك، وقعت بروتوكولات بين وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) وبين وكالة الأناضول. ومن الاتفاقيات الهامة التي وقعت قبل الحرب اتفاقية بخصوص إلغاء التأشيرة بين البلدين، واتفاقية خاصة بتصدير الغاز إلى تركيا، ولكن الانقلاب تسبب في عدم تحقيق ذلك. كما لا يمكن أن نغفل النشاط الإغاثي لتركيا في اليمن، وهو ما يحتاجه اليمن في الوقت الحالي. فمازالت المنظمات الإغاثية التركية تعمل بشكل كبير في اليمن، فمثلاُ منظمة "تيكا" لازالت مستمرة في بناء المستشفيات الميدانية، كما أن تركيا استقبلت المئات من الجرحى خلال السنوات الماضية، ومنظمة الإغاثة التركية تسير قوافل إغاثية إلى اليمن، والهلال الأحمر التركي يعمل هناك بشكل كبير. خرجت في الفترة الأخيرة مظاهرات في عدة مدن تركية لتأييد الحوثيين، لماذا؟ لنتحدث هنا بشكل مفصل، منذ ما قبل الانقلاب بفترة طويلة، يوجد في تركيا جمعيات مدنية مثل جمعية "الزينبيون"، وجمعية "أهل البيت"، تقومان بأنشطة على الانترنت لمناصرة قضايا القدس وفلسطين لارتباطهم مع إيران، وهم لا ينكرون ذلك، وهذه مسألة عادية في تركيا بسبب الحرية والتعددية. بعد الانقلاب الحوثي وبدأ الحرب في اليمن، تحولت أنشطة تلك الجمعيات للحديث عن اليمن، فهم يرون أن الحوثيين هم الشرعيين، وبالتالي كل تحركاتهم تصب في حشد الطاقات كنوع من خلق حالة من الضغط في الشارع التركي تجاه الحكومة الشرعية والتحالف العربي. ما بعد مقتل الصحفي السعودي خاشقجي، ارتفعت وتيرة تلك المسيرات والتظاهرات أمام القنصلية السعودية وهذه مرحلة جديدة بحد ذاتها، كما ذكرت سابقاً. انطلقت هذه الجمعيات وانضم إليها حزب "الدعوة الحرة" وبعض الناشطين وبرلمانيين من "حزب السعادة"، في تنظيم أنشطة لدعم الحوثيين تحت لافتة الوضع الإنساني، فهم يُحمّلون الشرعية والتحالف بقيادة السعودية مسؤولية قتل الأطفال، وهذا بالتأكيد يخدم مصالحهم.
العديد من المظاهرات خرجت في مدينتي "قونيا" و "ديار بكر" ذات التواجد العلوي الكردي، المعادي أصلاً للحكومة التركية، كما نظموا وقفة أمام القنصلية الفخرية اليمنية في إسطنبول، والتقيت بهم يومها، وشرحت لهم أن اليمن يعاني الأمرين: من الانقلاب ومن الوضع الإنساني. وأوضحت لهم أن الوضع الإنساني في اليمن هو نتاج طبيعي للحرب، وأننا نريد هذه الأصوات لدعم اليمن وإيقاف الحرب وليس لخدمة مصالح اقليمية معينة.
بالطبع هذه الجمعيات مؤدلجة، وتعرف تماماً ما يجري في اليمن، وتعرف من هم الحوثيون وما يقومون به، ولكن المسألة هنا مسألة سياسية. فهم يستخدمون كل تلك الأدوات في سياق عملية الضغط التي تقوم بها أذرع إيران في المنطقة تجاه المملكة العربية السعودية، وليس حباً في اليمنيين، بنفس الطريقة التي يتم فيها تناول قضية خاشقجي، كذريعة لخدمة جهات معينة. ولكن هذه هي طبيعة تركيا والتنوع الموجود فيها. بالتأكيد كل تلك الأنشطة بعيدة عن الخطاب الرسمي والسياسي التركي. نتمنى على الإعلام التركي أن يهتم أكثر بالوضع السياسي إلى جانب الإنساني، لكي يفهم المواطن التركي من الذي تسبب في هذا الوضع الحالي. ونحن مستعدون وكذلك "يني يمن" وغيرها لشرح الوضع في اليمن، فنحن نطرق أبوابهم كثيراً لكن نتمنى منهم أيضاً أن يسألوا أكثر، فكما يرسلون القوافل الإغاثية إلى اليمن يمكنهم أيضاً إرسال القوافل الإعلامية للتحقق مما يجري في اليمن. هل تشير هذه الفعاليات إلى احتمالية تغير الموقف التركي من القضية اليمنية؟ لعل تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمام البرلمان في الـ 14من شهر نوفمبر الماضي، يعد مؤشراً مهماً يجب على صانعي القرار اليمني والسعودي أن يأخذوه على محمل الجد، حيث أكد أوغلو تعليقاً على الوضع في اليمن قائلاً: "لا نرى أن سياسات المملكة العربية السعودية، والإمارات لمحاصرة الجميع في اليمن صحيحة، فالكثير من الناس يموتون من الجوع والأمراض، ونحن لن نبقى صامتين حيال ذلك."، فهذا التصريح التركي يعتبر خروجاً عن النسق العام للسياسة الرسمية التركية حيال الملف اليمني. وبالنظر إلى اعتماد أنقرة سياسات متوازنة في الفترة الماضية، ومقارنة هذه التصريحات بمواقف سابقة للحكومة التركية في بداية "عاصفة الحزم": فيعد ذلك تحولاً حاداً على صعيد الموقف التركي من الملف اليمني. ويكتسب الموقف المستجد أهمية أوسع في ظل ارتفاع حدة التصريحات الدولية المنددة بسلوك التحالف العسكري والحديث عن امتعاض في الأوساط الأمريكية والغربية من استمرار الصراع اليمني بصيغته الحالية.
من المستبعد أن تضطلع تركيا بدور مباشر في الأزمة اليمنية، لكن زيادة الضغوط الداخلية وتفاقم الخلافات في وجهات النظر قد يدفعان نحو توسيع مروحة العلاقات مع إيران للوصول إلى تفاهمات أكبر في الملف اليمني. بالإضافة للتنسيق مع القوى الغربية لزيادة الضغوط على السعودية لإيجاد حل للأزمة الإنسانية هناك.
هل ستكون اليمن سبباً لتخلي تركيا عن السعودية؟ اعتقد أن تركيا لها مصلحة حيوية في استقرار وقوة المملكة العربية السعودية لعدة أسباب جوهرية. اقتصادياً، المملكة شريك تجاري واستثماري مهم جداً لتركيا سواء ما يتعلق بالتجارة البينية أو الاستثمار في الاتجاهين والأرقام تؤكد ذلك. يشكل هذا البعد حجر الزاوية الرئيسي في التفكير الاستراتيجي التركي. أما سياسياً، فترى تركيا أن استقرار المملكة وتوازن رؤيتها للمنطقة عموماً، يعد داعماً أساسياً لإطفاء الحرائق الممتدة في العالم الإسلامي، كما ترى في المملكة حليفاً محتملاً بقوة لإعادة صياغة التوازنات الاقليمية. في السنوات الثلاث الأخيرة، برزت جملة من الاختلافات المتأرجحة بين العميقة والعابرة بين المملكة وتركيا، لا سيما فيما يتعلق بالموقف في مصر والبحر الأحمر وليبيا ومرد هذا الخلاف لا يرجعه الأتراك إلى المملكة مباشرة، بل لحلفائها! لا تختلف تركيا كثيراً مع المملكة في الموقف من إيران، فالأتراك في مواقفهم المعلنة والخاصة يصرحون بذلك، ويرون أن لإيران دوراً رئيسياً في إثارة النعرات والمشاكل في العالم العربي، ولا يخفون توجسهم من إيران، غير أن المصالح الاقتصادية تلعب دوراً هاماً في تليين بعض المواقف والرؤى. لذلك فإن تركيا تقف إلى جانب المملكة سواء في موضوع اليمن أو سوريا ولبنان. هل يعني ذلك أن تركيا ستتخلى عن اليمن لتكسب السعودية؟ يرى الأتراك أن قضية اليمن يمكن أن تشكل مدخلاً مهماً لإعادة صياغة العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فالتنوع الحزبي في اليمن يفرض على الجميع أن يتعامل مع هذه الكتل دفعة واحدة وهي الطريق الوحيد لحل الأزمة هناك.
لم تعترض تركيا على الأهداف المعلنة للتحالف العربي في اليمن غير أنها تنتقد بين الحين والآخر انحراف بعض أطراف التحالف وما يخفونه من أجندات غير واضحة وبعيدة عما هو معلن. إضافة إلى ما تفرضه المسألة الإنسانية من أعباء مقلقة للجميع. كما أن تركيا مقتنعة بخطر التدخل الإيراني في اليمن وتأثيره على الأمن القومي للمملكة وهو ما يدعم وجهة نظر المملكة العربية السعودية.
اليمن سيكون أكبر مستفيد في حال وجدت المملكة وتركيا طريقاً توافقياً للخروج من أزمة خاشقجي. وبالمقابل قد تكون المسألة اليمنية إحدى نقاط البناء بين الطرفين لتحقيق تقارب عميق ليس فقط بين المملكة وتركيا بل أيضاً بين المملكة والعديد من القوى السياسية العربية المستبعدة عنوة حالياً، قد تكون تلك القوى على استعداد كبير لإحداث تغييرات كبيرة داخلها مقابل القبول بها ولو بالحد الأدنى.

       اليمن الكبير || عين اليمن "عدن"


أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا