من البلقاء إلى البلق
جهز النبي صلى الله عليه و سلم جيشا بعثه نحو الشام و هو ما يعرف بغزوة مؤتة التي هي في الأردن ، ثم تحرك إلى البلقاء، و كان عدد الجيش ثلاثة آلف رجل ؛ و لأهمية المعركة، عين له ثلاثة من القادة : زيد بن حارثة فإن قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة.
و معلوم أن الثلاثة القادة استشهدوا تباعا في مواجهة حامية الوطيس مع جيش من الروم و العرب.
و قد أخبر النبي الصحابة باستشهاد القادة الثلاثة، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى زيدا و جعفرا و ابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب و عيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم".
ما أشبه الليلة بالبارحة، و ما أشبه البلقاء. في أرض الأردن، بالبلق من أرض اليمن، و ما أشبه المشهد بالمشهد، و ما أشبه الآخِر بالأول " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " .. و ما أشبه الروم بالفرس، و ما أشبه الزنابيل بعرب ذلك الزمن الذين ساندوا الروم ضد إخوانهم.
كما تتابع زيد و جعفر و ابن رواحة استبسالا و استشهادا في قلب المعركة ؛ تتابع مثلهم شعلان، و الحوري، و الصلوي؛ استبسالا و استشهادا .
- أخذ الراية عبدالغني شعلان، فواجه الأعداء بلا هوادة، و قاتل البغاة بلا تردد :
و أثبت في مستنقع الموت رجله
و قال لها من تحت أخْمُصِك الحَشْرُ
فقاتل بشجاعة و إقدام، حتى لقي ربه مقبلا غير مدبر :
و ما مات حتى مات مضرب سيفه
من الطعن واعتلت عليه القنا السُّمْرُ
و صدق فيه قول القائل :
بين اللّظَى صقرُ المعارك قاما
قصف المدافع عنده أنغاما
هزّاتُ سيفك كالنهار مُضيئةٌ
تُجْلِي عن المتحوّث الإظلاما
فأخذ الراية نوفل الحوري، فقاتل قتال الأبطال، و نازل نزال الفرسان، و لسان حاله يقول :
و إذا الجبان نهاك يوم كريهة
خوفا عليك من ازدحام الجَحْفل
فاعصِ مقالته و لا تحفل بها
و اقدم إذا حُقّ اللقا في الأول
فمضى يحصد المجرمين، و يهدّ صفوف المعتدين، حتى استشهد .. فأخذ الراية أمجد الصلوي، و خاض بها لهيب المعركة دون خوف أو تردد، و مضى يقتحم الوطيس :
يغشى الوقائع مثل طود شامخ
تلقاه دوما في الوغى همّاما
بالمدفع الرشاش و هو مكبّر
يُصْلِي العِدا و يحطم الإجراما
لن نستكين فشعبنا يَهْوَى الذُّرَى
إن اليماني مثل ليث قاما
و مضى شاهرا بندقيته يدك بها مليشيا الكهنوت، حتى استشهد .
فأخذ الراية مَن بعدهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و هم سُيوف من سيوف البطولة و الأمجاد، قاتلوا باستبسال غير هيّابين، و قاتلوا دون خوف أو وجل، و كأني بهم كانوا يرددون جميعا :
سبيل الموت غاية كل حُرٍّ
فداعيه لأهل الأرض داعي
فلله درهم جميعا، ثبات، و صمود، و استبسال :
غُبارُ رَحَى الهيجاء في لَهَواتِهم
من الشهد أحلى أو من المسك أضْوَعُ
و لله درهم يخوضون البسالة، و يقتحمون لهيب المعارك " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ".
و كان بإذن الله نصر الله و الظفر .
الأبطال هم من يكتب التاريخ، و الأبطال هم من يحمون العار و الذِّمار .. فاكتب تاريخك أيها اليمني الحر الأبي بدماء التضحية، و مواقف البطولة، و عرَق البسالة، و دراهم البذل "ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ".
ميادين البطولة اليوم في الجبهات، و ميادين البطولة كذلك في من يقفون مساندين و داعمين للجبهات ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ).
على كل يمني حر أن يتصدى لمشروع التخريب الإيراني، و أن يسأل نفسه : ما الذي يريده ملالي إيران من اليمن؟
و ليسأل ايضا :
من دمر العراق غير إيران ؟ من يدمر سوريا غير إيران ؟
من يعيث فسادا بلبنان غير إيران ؟
من يحقد على العرب و العروبة غير إيران؟ و من يحقد على الإسلام والمسلمين غير إيران؟
من يخدم قوى الاستكبار و الاستعمار و الاستخبارات الدولية غير إيران؟
فيا أيها الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه :
قف دون دينك في الميدان ممتشقا
للبغي سيفا و قف للجهل بالقلم
إن اليمنيين يريدون السلام و يعشقونه لأنه حياة، و لكنهم يريدون السلام لا الاستسلام، و يريدون الحرية لا العبودية ، و يطالبون بالديمقراطية لا الاستبداد .
رضي الله عن شهداء البلقاء : زيد و جعفر و عبدالله بن رواحة، و تقبل الله شهداء البلق : عبد الغني شعلان و نوفل الحوري و أمجد الصلوي .. و لا نامت أعين المرتهنين للمشروع الإيراني.
التعليقات