ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

المقاتل الذي لبس الحذاء بعد استشهاده!

تمتلئ صفوف المقاتلين في صف المقاومة والجيش الوطني بقصص التفاني والتضحية التي تؤكد أن الحق سينتصر ما دام يمتلك مثل هؤلاء الجنود البواسل.

وفي مدينة تعز قصة من هذه القصص المغمورة تحت تراب الغفلة، إنها قصة الجندي بشار صادق حمود مثنى الذي استشهد منذ نحو أسبوع في منطقة صالة التي تقع ضمن الجبهة الشرقية للمدينة، ورجعت لوسائل التواصل الاجتماعي فلم أرَ أحدا كتب عنه شيئا غير خبر الاستشهاد الذي خلا من ذكر أي شيء عن هذا البطل الذي لم يعرفه الناس لكن الله عرفه، وهيأ لي اليوم أن أعرف عنه شيئا يسيرا من خلال بعض من كانوا معه.

استشهد ابن منطقة الجندية وهو يصول ويجول في مواجهة الحوثيين بإيمانه بقضيته وسلاحه الشخصي، وكان قد انضم قبل ٤ سنوات إلى المقاومة وتم تنزيله ضمن الكتيبة ١٤ التابعة للواء ٢٢ ولكن لم يتم ترقيمه ضمن كشوفات الجيش حتى الآن ومن ثم لم يستلم أي راتب! وكان يحصل من قيادة كتيبته فقط على ٣٠ ألف ريال أي ما يعادل ٤٠ دولارا في الشهر وبحسب الإمكان، ورغم ذلك لم يتذمر يوما ولم يتأخر عن داعي القتال، حيث كان يقاتل في المقدمة رغم أنه كان سائقا للطقم الذي يحمل الرشاش، وكانت بطنه تتضور جوعا بعد أن توقفت تغذية الجيش من قبل الحكومة الشرعية وبقي الجنود منتظرين للقليل الذي يتم جمعه من أهل الخير في محافظة تقدم عشرات المليارات للحوثيين كضرائب وزكوات وخمس ومجهود حربي وغيرها من صور الابتزاز!

 وفي هذا السياق أخبرني أحد المسؤولين عنه أنه رأى شخصا يبكي عليه بحرقة عند استشهاده، فسأله عن سر هذا البكاء رغم أنه لم يلتق بالشهيد إلا صبيحة ذلك اليوم الذي استشهد فيه؟ فقال إنه التقى به في الصباح ولم يكن يعرفه ولما رأى دماثة أخلاقه أشركه في فطوره الذي جاء به من منزله، وبعد أن انتهى الشهيد من الأكل أثنى على الرجل ودعا له لأنه أشبع بطنه التي لم تعرف الشبع منذ فترة طويلة!

وكان ينام من دون غطاء لأنه لا يمتلك بطانية يتدفأ بها، وأفادني أحد قادة الكتيبة أنه أعطاه ذات يوم بطانية ليستدفئ بها، لكنه أخذها وغطى بها على الرشاش الموجود على سيارته التي يتولى قيادتها، وعلل ذلك بخوفه على الرشاش من أن يصيبه الصدأ نتيجة بقائه مكشوفا!

 وكان يسير حافي القدمين لأنه لا يمتلك قيمة حذاء، وزاد من مشكلته أنه أصيب في إحدى المعارك وتركت الرصاصة في إحدى قدميه تشوها أفضى إلى عوج ظاهر فيها مما منعه من ارتداء الأحذية. وأخبرني مسؤول المشتريات في كتيبته الضابط الشاب عماد صادق الهندي بأنه عرف بأن بشار يمكنه فقط ارتداء الصندل ذي الحزام فاشتراه له قبل يوم من استشهاده وفي ظهر ذلك اليوم كان في طريقه إلى الموقع ليعطي لبشار الصندل، وأمام المستشفى العسكري التقى بطقم كتيبته وعليه بعض الجنود وبقع الدم بارزة منه، ولما لم يجد في مقعد السائق صديقه الجندي  صاح: أين بشار؟ فقالوا له بأنه أصيب إصابة خفيفة. ودلف جميعهم إلى المستشفى وهناك تأكد لهم بأن بشار قد غادر دنياهم بجوعه وفقره وشجاعته وإبائه وأن الله قد اصطفاه ضمن قائمة الشهداء، تاركا الشبع والدفئ والأموال والعقارات لقادة تعز وتجارها!

وهنا كاد أن يغشى على الضابط عماد، فقد كان الصندل ذو الحزام بيده، وكان مستبشرا برسم علامة السرور على وجه بشار لكنه مضى إلى ربه حافيا، فما كان منه إلا أن أصر على زملائه أن يساعدوه في إلباس الشهيد بشار ذلك الصندل وسط بكاء الجميع. وسط خذلان الغالبية من المقتدرين.

اللهم تقبل بشارا ذلك المضحي المجهول، وأمثاله، في الشهداء وارفع درجته في عليين، واجعله يطأ الجنة بعرجته مع أمثاله من الشهداء، اللهم واخذل من خذل هؤلاء الرجال وأرنا عجائب قدرتك في من صنع هذه الأوجاع وتسبب بها وشجع عليها.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.