الشدادي لا يزال واقفاً على مدخل مارب

زيارة لمدة أسبوع واحد إلى مارب كانت كافية لأن أراجع تقييمي للمعركة، وكفيلة بإعطائي جرعة من الثقة تكفي لأحافظ على قناعتي حتى ألقى الله أن موجة الإمامة بنسختها الجديدة ستنكسر مهما بلغت، وأن اليمنيين سيكنسون كل هذا الزيف الذي يحاول جاهداً أن يصور للناس أنه حقيقة قابلة للبقاء.

 

كنت أمضي نحو مارب والقلق يلتهمني على المصير الذي ينتظر آخر أسوار الجمهورية وحين تقترب من المدينة تستقبلك صورة الشهيد اللواء عبدالرب الشدادي وترى في عينيه نظرة عتاب كيف يصل بك الأمر لتظن هذا الظن السيء وتهتز ثقتك، كانت عيناه تقول لي كيف تنسى ما قاله لك هذا المقاتل البطل في عصرية رمضان عام ٢٠١٥ بينما كانت قذائف الهاون تتساقط في حوش قيادة المنطقة الثالثة وهو يبتسم بهدوء "هذا طماش احنا متعودين عليه كل يوم، كن على ثقة مشروعهم مشروع موت وخراب ودمار، لن تنتصر الإمامة مجدداً على تطلعات اليمنيين في حياة حرة وكريمة، معركتنا معهم مستمرة حتى النصر إن شاء الله".

 

مدينة تعج بالحياة المنبعثة من إصرار ما يزيد على اثنين مليون يمني يسكنون المدينة وما حولها وإصرارهم على مواجهة الحوثي حتى آخر نفس حتى لو خذلهم العالم كله، وقد تركوا خلفهم حيواتهم ومصالحهم وغادروا إلى مارب التي حققت معنى كلمة "وطن" واحتضنت كل اليمنيين.

 

إلى الذين يحاولون النيل من المقاتلين بالحديث عن فساد الجيش أو ما يسمونه بالجيش الوهمي: أي فساد يمكن أن يمارسه جيش يحصل أفراده على مرتب كل ستة أشهر، ويضطر الفرد بعد عودته من مترسه في الجبهة، بدلاً من قضاء إجازته مع أهله، أن يذهب إلى السوق لممارسة أي عمل ليوفر منه قوتاً لأولاده وثمن حقائب ودفاتر للمدرسة.

 

حتى القادة الذين نولول كثيراً حول فسادهم وحين يستشهدون في الخطوط الأمامية، كما حدث للعشرات منهم، نعود لنلملم خيبتنا ونبحث عن استثناءات "أما هذا الصدق كان محترم ما كانش فاسد"!!

 

إن منع رواتب الجيش على هذا النحو(مع العلم أن راتب الجندي صار يساوي أقل من ٥٠ دولار) تحت لافتة محاربة الفساد والأسماء الوهمية إنما هو تغليف للخذلان الرسمي والمتعمد، وتزيين للخيانة الوطنية التي يمارسها المسؤولون عن توفير ميزانية الجيش تجاه المعركة المفصلية تحت قناع النزاهة ومحاربة الفساد الذي إن وجد فهو استثناء ويمكن مواجهته بوسائل ليس من بينها قطع الرواتب.

 

سنعود للحديث عن هذا الموضوع في موطن آخر، أما ما أردت قوله لكم إن زيارتي لمارب جعلتني على قناعة تامة بأن المدينة التي صمدت في ٢٠١٥ وقد كنا نعجز عن دخولها إلا عبر طرق فرعية لأن مداخلها كلها كانت مناطق مواجهات، هي الكفيلة اليوم بكسر مشروع الحوثي وربما تنال ذلك الشرف وقد انفض عنها كل الذين يلتمسون مجداً من خلال محاولة إدعاء دعم المعركة الفاصلة التي يخوضها اليمنيون هناك بمختلف لهجاتهم وألوان بشرتهم وانتماءاتهم.

 

يتلمس الجيش طريقه للحصول على خطوط تسليح وتذخير لا تعتمد استراتيجية صرف الذخيرة من أجل التقدم عدة أمتار فقط أو ما عرف باستراتيجية "حرب التباب" التي كانت مجرد خطة طويلة المدى للإستنزاف دون أي نوايا لحسم المعركة، وحين يثبت الجيش خطوط تسليح وتذخير بجهود وطنية مخلصة ودعم شعبي، بعيداً عن المترزقين من القضية أصحاب الكرفتات الأنيقة والخدود الملساء، حينها سترون نتائج مختلفة.

 

لا تكاد تمر في متر مربع واحد في مدينة مارب دون أن ترى أمامك صورة شهيد معلقة تحكي لك ملحمة صمود وتضحية نادرة، ولا تكاد تغشى مجلساً أو ترتاد مكاناً عاماً دون أن تجد أمامك معاقاً دفع أحد أطرافه في مواجهة أقذر وأعتى عصابة عرفتها اليمن، وحين تحاول مواساتهم تعود خائباً لأنهم يفيضون إيماناً ويقيناً بنصر هم التجسيد الحقيقي له.

 

إن تخذلوهم، أوتشنوا حملات لتشويههم، فما يزيدهم ذلك إلا نقاءً وثقة وإصراراً على التضحية، فما من سبيل من أمامهم إلا النصر أو الشهادة، فلم يعد لديهم ما يعيشون من أجله حين يرون أن آخر أمل وملاذ تتهدده النار.

 

مدينة تمثل كل أحلامنا، محروسة بأرواح الشهداء تلاميذ ورفاق الشدادي وشعلان، وبفدائية وحنكة محافظها البطل سلطان العرادة رضوان الله عليهم جميعاً.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية