في ظل تعقيدات الصراع والعجز الأممي.. لماذا عجز المجتمع الدولي عن حل الأزمة اليمنية سياسيا؟

ما زالت المفاوضات حول فتح الطرق والمعابر إلى مدينة تعز متعثرة، ويعيد ذلك إلى الواجهة فشل مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لحل الأزمة اليمنية سياسيا، فقد توالى أربعة مبعوثين أمميين إلى اليمن منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن، أي منذ ما قبل الانقلاب واندلاع الحرب، وأضيف إليهم، مطلع العام الماضي، مبعوث أمريكي خاص إلى اليمن، وأجرى جميع المبعوثين عددا لا يُحصى من الزيارات واللقاءات بمسؤولي الحكومة الشرعية ومختلف قيادات أطراف الصراع، وقدموا المقترحات تلو المقترحات لحل الأزمة اليمنية سياسيا وإنهاء الحرب، فضلا عن مبادرات للحل السياسي تقدمت بها بعض دول المنطقة.

لكن كل تلك الجهود والمساعي فشل القائمون عليها في تقديم حلول ومقترحات مقبولة لدى جميع الأطراف تفضي إلى تقديم محفزات للمضي في إنهاء الحرب وحل الأزمة سياسيا، وتقزمت جهود ومساعي الحل السياسي نتيجة لتجزئة القضية اليمنية، وأصبح مجرد فتح طريق في مدينة تعز المحاصرة لتسهيل حركة المواطنين بحاجة إلى حوارات ومفاوضات خارج البلاد، تتبعها زيارات وفود أممية للقاء قيادات مليشيا الحوثيين في صنعاء وأخرى قدمت إلى مدينة تعز للقاء قيادات وأعضاء السلطة المحلية فيها، ورغم كل ذلك ما زالت مسألة فتح بعض الطرق والمعابر قضية معقدة ويبدو أنه لن يُكتب لها النجاح.

 

- ماذا بعد الفشل الأممي؟

إذا كانت منظمة الأمم المتحدة (المظلة التي تتخذ منها الدول العظمى واجهة لشرعنة تدخلها في مختلف مناطق الصراع في العالم وإدارة نفوذها ومصالحها) قد عجزت عن الضغط على مليشيا الحوثيين لفتح بعض الطرق والمعابر الواصلة إلى مدينة تعز للتخفيف من معاناة سكان المدينة، فكيف يمكن لها أن تنجح في التوسط وإنهاء الحرب في اليمن والتأسيس لحل سياسي شامل ومستدام ومقبول لدى جميع الفاعلين المحليين والأجانب في الصراع؟ وماذا بقي في جعبة الأمم المتحدة من مقترحات للحل السياسي في اليمن؟ وإذا كانت تدرك أنها قد استنفدت كل جهودها فلماذا تواصل مساعيها ولم تعلن فشلها والانسحاب وترك اليمنيين يحددون مصيرهم سواء في ساحات المعارك أو من خلال الحل السياسي عبر الوساطات المحلية والإقليمية؟

لقد كانت الأمم المتحدة، عبر مبعوثيها إلى اليمن، شاهدة على كل مراحل الصراع الحالي، لكنها ظلت عاجزة عن أداء دور عملي سواء لمنع اندلاع الحرب أو خفض حدة التوتر أو حتى استغلال خفض التصعيد الذي يحصل من حين إلى آخر، ولعل ذلك ما جعلها في مرمى الشك وموضع الاتهام بالتغاضي عن مليشيا الحوثيين وعدم الجدية في الضغط عليها للعدول عن الانقلاب على الدولة والعملية السياسية، رغم صدور قرارات أممية تضع اليمن تحت البند السابع الذي يجيز التدخل العسكري تحت مظلة الأمم المتحدة ضد الطرف المعرقل للسلام.

بدأ دور منظمة الأمم المتحدة في اليمن بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، عبر مبعوثها جمال بن عمر، وكانت المنظمة شاهدة على كل مراحل الصراع ومحطات تطوره، بدءا من ظهور بوادره وبزوغه بشكل علني، مرورا بمرحلة تصاعده في شكل عنف ملموس، ثم الاستقطاب والتوسع في جلب المؤيدين والحلفاء المحليين والأجانب، وصولا إلى مرحلة الذروة والانفجار والتي لا توجد فيها أي إمكانية للتراجع عن تصعيد العنف والاقتتال.

وأما خفض التصعيد الذي يتبع ذلك من حين إلى آخر، فإنه لا يعني إدراك كل طرف عدم قدرته على هزيمة الطرف الآخر، وإبداء الرغبة في التفاوض وإحلال السلام، ولكنه يأتي كنتيجة لطول أمد الصراع وتعقيداته وتشابك أطرافه، والحاجة لإعادة ترتيب الصفوف وابتكار خطط جديدة لأجل السيطرة وتعزيز مصادر التسليح والتمويل واستقطاب المقاتلين.

ومع طول أمد الصراع وتعقيداته، فإن المصاعب تتراكم أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية سياسيا، إذا افترضنا أن هناك رغبة جادة فعلا في إنهاء الحرب وتحقيق السلام، وقد كانت الفرصة الذهبية لمنع الصراع مواتية للأمم المتحدة في بداية ظهور مؤشراته، وتحديدا خلال جلسات مؤتمر الحوار الوطني التي بدأ يتصاعد العنف والاضطرابات الأمنية بالتوازي معها، وكان مصدر ذلك العنف والاضطرابات كلا من مليشيا الحوثيين وحليفها حينها علي عبد الله صالح، بهدف الضغط لتحقيق بعض المكاسب والاعتراض على بعض المقترحات والتوافقات خلال مؤتمر الحوار الوطني.

لقد كانت تلك اللحظة مناسبة لمنع تطور الصراع، لأن الوضع خلالها كان فيه جميع الأطراف في وضع "الرابح"، وهو وضع يستحيل تكراره بعد تطور الصراع، وكان بإمكان الأمم المتحدة التلويح الجاد بالتدخل العسكري ضد المعرقلين للعملية السياسية ومن يلوحون بالقوة لفرض إملاءاتهم على الأطراف الأخرى، كإجراء ردعي يجبر الحوثيين وعلي صالح على التخلي عن العنف والانقلاب تحت غرور سطوة القوة والسيطرة على مقدرات الدولة من جيش وسلاح ومؤسسات.


- تعقيدات الصراع والعجز الأممي

يتسم الصراع في اليمن بالتعقيد الشديد، وبنفس الوقت يتسم دور الأمم المتحدة بالخضوع لأجندة أطراف خارجية والعمل في دائرة معقدة من تضارب المصالح لدى الفاعلين الإقليمين والدوليين، وأصبح الصراع يخضع لتشابكات وروابط محلية وإقليمية ودولية، وتعددت أطراف الصراع وقضاياه والظروف المحيطة به، مما أثر على تفاعلاته وعلى العلاقات بين مختلف أطرافه المحلية والخارجية، حتى أصبح يتسم بالتعقيد الشديد.

ومع ذلك ما زال بالإمكان تبسيط الصراع وحله، بشرط تحييد العامل الخارجي تماما، وهنا سيكون الصراع محصورا بين مكونات الصف الجمهوري وعودة الإمامة ممثلة بمليشيا الحوثيين، والتي يمكن القضاء عليها ببساطة في حال توحد الصف الجمهوري من أقصى اليمن إلى أقصاه، وبعد ذلك سيمضي الجميع في طريق التصالح والاتفاق على مرحلة انتقالية جديدة واستكمال العملية السياسية وفقا لمؤتمر الحوار الوطني الشامل.

أما ما يحصل حاليا، أن الأطراف الأجنبية أو الفاعلين الأجانب في الأزمة اليمنية يرون في بقاء مليشيا الحوثيين طرفا فاعلا في معادلة الصراع من شأنه تحقيق كثير من المكاسب والأجندة والتي سيكون ثمنها دمار الدولة اليمنية وانهيار المجتمع اليمني وزعزعة أمن الإقليم.

فمثلا، ترى الولايات المتحدة الأمريكية في بقاء مليشيا الحوثيين وسيلة لإنهاك السعودية وجعلها في موضع الحاجة الدائمة للحماية الغربية من إيران ومليشياتها في المنطقة، وهي نفس سياسة واشنطن في نظرتها لإيران والمليشيا الطائفية الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان، كون بقاء تلك المليشيات يشكل عاملا مهما لزعزعة استقرار المنطقة وإبعاد مراكز الحضارة العربية القديمة عن التنمية والخوف من الانبعاث الحضاري من جديد، وبنفس الوقت إيجاد الذرائع والمبررات لاستمرار التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بذريعة حماية الحلفاء وحماية أهم مصادر الطاقة في العالم.

وبدورها، ترى السعودية في بقاء مليشيا الحوثيين فرصة لإنهاك اليمن وإفقاره وتمزيقه وإضعافه وتوفير المبررات لاستيلاء المملكة على جزء من أراضيه، وتتفق السعودية والإمارات على أن القضاء على الحوثيين في هذه المرحلة سيستفيد منه حزب الإصلاح وقوى الربيع العربي في اليمن غير المرغوب بها، ويزداد الأمر تعقيدا بسبب عدم القدرة على إنتاج قوى جديدة يتقزم أمامها حزب الإصلاح وقوى الربيع العربي، وأما إيران فهي تستميت في دعم الحوثيين وتزويدهم بالأسلحة والخبراء باعتبارهم أصبحوا أهم مليشيا مجاورة للسعودية وتقصف بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة عمق أراضيها ومنشآتها الحيوية.

 

- دور المؤثرات الخارجية في الصراع

وبتعبير أشمل، يخضع الصراع في اليمن للعديد من الاعتبارات التي تؤثر على صناع القرار في البيئة الإقليمية والدولية، وهي اعتبارات تشكل في جوهرها قيودا للحل السياسي الذي يرغب به اليمنيون، لأنه يتعارض مع أهداف السياسة الخارجية لدول الإقليم المنخرطة مباشرة في الصراع (السعودية، الإمارات، إيران)، يضاف إلى ذلك الاستقطاب والتنازع في المحيط الإقليمي والدولي (طائفي، أيديولوجي، ثورات مضادة لثورات الربيع العربي)، وطبيعة المنظومة السياسية الإقليمية المناهضة للتغيير وللديمقراطية. ومما شجع على الانخراط الخارجي في الصراع وتوجيه مساره، فساد الطبقة السياسية في اليمن وفشلها وانتهازيتها، وغياب قوة الرأي العام الضاغط والمؤثر على توجهات القيادة السياسية.

وهكذا يتضح أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي (الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة أو المؤثرة في الصراع) ليس لديهم النية في حل الأزمة اليمنية سياسيا، على الأقل في الوقت الحالي والمدى القريب، ويتضح ذلك من خلال طبيعة مقترحات الحل السياسي التي قدمها المبعوثون الأمميون إلى اليمن ومبادرة وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، فجميع المقترحات والمبادرات تحتوي على ألغام وتشرعن انقلاب المليشيا الحوثية، وبنفس الوقت ليست مقبولة من مختلف الأطراف.

كما أن الأمم المتحدة لم تعتمد على منهجيات حل الصراعات التي وضعتها كبريات الأكاديميات الغربية المتخصصة في إدارة الصراعات والتسويات السياسية، وتعتمد على منهجيات تزيد من أمد الصراع وتعقيده، مثل تجزئة القضية اليمنية إلى قضايا صغيرة كل واحدة بمعزل عن الأخرى، وخضوعها لرغبات وأجندة الفاعلين الأجانب في الصراع، والتغييب المتعمد للقانون الدولي فيما يتعلق بالتعامل مع المليشيات الطائفية والجماعات المسلحة التي تغتصب السلطة بقوة السلاح وتصادر حقوق الإنسان وتقتل التعددية السياسية والمواطنة المتساوية.

المصدر:  قناة بلقيس

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية