فصائل ومليشيا الإمارات في اليمن .. حدود القوة والانتشار

تتزايد حالة التوتر والاحتقان في المحافظات الجنوبية والشرقية جراء سيطرة مليشيا المجلس الانتقالي المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي على محافظة شبوة، وسط ترقب لما ستؤول إليه تداعيات تلك الأحداث وما هي الخطوات المقبلة بعدها، لا سيما بعد شن طائرات إماراتية مسيرة غارات على تجمعات وحواجز تفتيش لجنود من الجيش النظامي للدولة في الطريق الرابط بين محافظتي شبوة وحضرموت، والتلويح بأن الهدف القادم بعد شبوة هو سيطرة الإمارات والمليشيا المحلية التابعة لها على محافظتي حضرموت والمهرة.

فهل مليشيا المجلس الانتقالي قادرة على ابتلاع جنوب اليمن بكامله؟ وماذا لو لم يكن هناك غطاء جوي لمساندتها؟ وهل السيطرة التدريجية وتطبيع الأوضاع يعني أنه لن تكون هناك لحظة انفجار شامل ستخلط كل الأوراق وتربك جميع الحسابات؟ وماذا لو امتلكت القوات الحكومية أسلحة حديثة قادرة على تحييد دور الطيران الحربي للتحالف السعودي الإماراتي وصواريخ يصل مداها إلى عمق الرياض وأبو ظبي؟

 

- اختلال التوازن وحدود الانتشار

من الصعوبة إجراء مقارنة من حيث العدد والعدة بين مليشيا المجلس الانتقالي والقوات الحكومية في مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية لاستشراف مستقبل الصراع ومآلاته، وذلك لعدم وجود معلومات دقيقة وموثوقة في هذا الجانب، وتضارب الأرقام المعلنة.

مثلا، أعلنت الإمارات في وقت سابق أن عدد أفراد المليشيا والتشكيلات المسلحة التابعة لها في اليمن يبلغ 90 ألف مقاتل، بيد أن قائد العمليات المشتركة في اليمن، الفريق الركن عيسى المزروعي، قال عبر تلفزيون الإمارات، في فبراير 2020، بعد إعلان الإمارات عودة قواتها المشاركة في حرب اليمن، إن أبو ظبي جندت ودربت وجهزت أكثر من 200 ألف مقاتل في المناطق المحررة في اليمن.

لكن يبدو أن الرقم مبالغ فيه في كلتا الحالتين، سواء 90 ألفا أو 200 ألف مقاتل، وربما أن المبالغة في الأرقام الهدف منها الحرب النفسية ضد الخصوم والإيحاء بأن للإمارات مليشيا ضاربة في اليمن قادرة على قلب الأوضاع رأسا على عقب متى ما أرادت ذلك.

وإذا افترضنا أن العدد 90 ألف مقاتل صحيح، فهذا العدد يقارب عدد جنود الجيش الإماراتي البالغ 100 ألف جندي، وبالتالي فهو يحتاج إلى ميزانية ضخمة لتسليحه ودفع رواتب أفراده، ولن يكون هذا العدد فاعلا ومؤثرا إلا إذا تم تسليحه كاملا بأسلحة حديثة ونوعية، وهذا مستحيل، أما تسليح جزء منه فإن الجزء غير المسلح أو المسلح بالكلاشينكوف سيظل بحكم القوة المعطلة وغير القادرة على التأثير في التوازنات على الأرض.

قد يبدو العدد (90 ألف مقاتل) معقولا إذا افترضنا أنه يشمل جميع التشكيلات العسكرية والمليشيا التي مولتها الإمارات، مثل: "حراس الجمهورية"، و"ألوية العمالقة"، و"الحزام الأمني"، و"النخبة الحضرمية"، و"النخبة الشبوانية" التي تم تغيير اسمها مؤخرا إلى "قوات دفاع شبوة"، والألوية التابعة مباشرة لرئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، مع تباين نسبي في تمويلها وتسليحها.

غير أن هذه التشكيلات ليست جميعها تابعة للمجلس الانتقالي لتعدد ولاءاتها المناطقية ومشاربها الأيديولوجية والولاءات الشخصية والعائلية، لذلك فهي ليست كلها مساندة لمشروع الانفصال، ولا تجمعها عقيدة قتالية موحدة، ولا يوجد ما يضمن ولاء بعضها بشكل دائم للإمارات والاستمرار في العمل خدمة لأجندتها إلى ما لا نهاية، مثل "الألوية التهامية" وبعض الوحدات التابعة للتشكيلات الأخرى الموجهة عقيدتها القتالية صوب مليشيا الحوثيين فقط.

وفي ظل غياب شبه تام للمعلومات والأرقام المؤكدة لاستقراء مآلات الأوضاع في جنوب البلاد، يمكن العودة إلى مجريات ما حدث من مواجهات سابقة ونتائجها، بصرف النظر عن فارق التسليح ونوعية السلاح لدى كل طرف وعدد القوة البشرية وكفاءتها ومدى صلابة عقيدتها القتالية.

من المعروف أن المليشيا الموالية للإمارات لديها أسلحة حديثة ونوعية أفضل من الجيش الوطني الذي استنزف كثيرا من معداته القتالية وذخائره في الحرب ضد مليشيا الحوثيين، كما أنه محاصر من التحالف السعودي - الإماراتي خلال السنوات الأخيرة، فلا يتم منحه أسلحة كتلك التي تمنحها الإمارات للمليشيا التابعة لها، ولا يُسمح له بشراء أسلحة جديدة، وتم تعطيل موارد البلاد ليصبح الجيش بلا ميزانية ولا رواتب وتغذية للجنود.

كانت أحداث أغسطس 2019 في عدن، وأحداث أغسطس 2022 في شبوة، كاشفة لمدى قوة مليشيا المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا، ففي أحداث أغسطس 2019 في عدن أوشك الجيش الوطني على استعادة السيطرة على مدينة عدن، لكنه توقف عن ذلك بعد شن الطيران الحربي الإماراتي غارات عنيفة مما أجبره على التراجع حقنا للدماء.

وفي أحداث أغسطس 2022 في شبوة، لم تتمكن مليشيا المجلس الانتقالي من السيطرة على مدينة عتق (مركز المحافظة) إلا بعد شن طائرات مسيرة إماراتية أكثر من 30 غارة على مواقع قوات الجيش مما أجبرها على الانسحاب إلى خارج المدينة. وكل ذلك يعني أن مليشيا المجلس الانتقالي غير قادرة على فرض سيطرتها على أي مدينة إلا بغطاء جوي إماراتي، رغم قدراتها التسليحية، لكن غياب العقيدة القتالية له دور كبير في تثبيط معنويات مليشيا المجلس الانتقالي.

 

- الإمارات.. قزم يتعملق في الفراغ

لعله من المخجل الحديث عن دور إماراتي كبير ومؤثر يمكنها من تحديد مصير اليمن ورسم مستقبله والسيطرة على موانئه وجزره ومناطق ثرواته الطبيعية، لأنه ما كان للإمارات أن تتجرأ وتتقدم شبرا واحدا داخل الأراضي اليمنية لولا الانقسام السائد وحالة الفراغ والظروف غير الطبيعية التي أوجدت بيئة ملائمة لذلك الدور، أي أنها أمنت من العقاب والأضرار الجسيمة التي قد تلحق بأمنها ومركزيتها التجارية في الإقليم، لذلك ستظل تواصل دورها التخريبي في اليمن استغلالا لحالة الفراغ وما توفره لها السعودية من غطاء سياسي، ووجود أذرع محلية مستعدة لخدمتها وتنفيذ إملاءاتها لدرجة رفع تقارير دورية بما تم إنجازه من الإملاءات المطلوب تنفيذها.

وبما أن الجيش الوطني ليس لديه أسلحة حديثة ونوعية، ولا يمتلك أسلحة دفاع جوي حديثة تمكنه من تحييد الطيران الحربي الإماراتي المساند لمليشيا المجلس الانتقالي، وليس لديه صواريخ وطائرات مسيرة يصل مداها إلى عمق الأراضي الإماراتية، فإن تفوق أبو ظبي في هذا الجانب سيجعلها تواصل استعراض عضلاتها في اليمن، لكنها ستظل مجرد قزم يتعملق في الفراغ، فقد تركت جزرها تحت سيطرة إيران وذهبت لتحتل جزرا يمنية، وتركت مضيق هرمز تحت سيطرة إيران أيضا وذهبت للسيطرة على مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن.

كما أن التصريحات الحادة للمسؤولين الإيرانيين بشأن الصراع في اليمن أجبرت الإمارات على وقف عملياتها العسكرية ضد مليشيا الحوثيين، لكنها تواصل حربها على الحكومة اليمنية الشرعية والجيش الوطني. وعندما قصفت مليشيا الحوثيين أراضي الإمارات بطائرات مسيرة قبل أشهر، على خلفية معارك تحرير ثلاث مديريات بمحافظة شبوة وتقدم ألوية العمالقة إلى جنوبي محافظة مأرب، بادرت الإمارات إلى تحريك وسطاء دوليين لتنفيذ هدنة في اليمن واستغلالها لإعادة هندسة الأوضاع في جنوب البلاد وتأمين أراضيها من الهجمات الحوثية وما قد يترتب على ذلك من أضرار وخسائر اقتصادية.

كما أنها -أي الإمارات- رفضت الانخراط في المظلة الأمنية التي اقترحها الرئيس الأمريكي جو بايدن (ناتو شرق أوسطي يضم إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية)، وكان الرفض الإماراتي للانخراط في المظلة الأمنية المقترحة بمنزلة انحناء أمام إيران خوفا من أن يؤدي أي تصعيد إلى حرب شاملة في المنطقة لن تقوى الإمارات على تحمل أعبائها.

 

- سيطرة مزيفة

الخلاصة، قد تتمكن مليشيا المجلس الانتقالي من السيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة بغطاء جوي سعودي إماراتي والسيطرة ستتركز على مراكز المحافظات والمدن الرئيسية، وسيتزامن مع ذلك إجراء تغييرات في قيادات السلطات المحلية، لكن الحقيقة أن تلك السيطرة، كما حصل في محافظة شبوة، لن تكون راسخة وأبدية، أي أنها سيطرة مزيفة، بفعل العديد من العوامل، من أهمها التوازنات الصعبة والمعقدة على الأرض والتوترات والاحتقان الاجتماعي ووجود قوات جيش وأمن نظامية ستظل فاعلة ومؤثرة، خصوصا إذا تشكلت مقاومة شعبية مسلحة مساندة لها في حال وصلت الأوضاع إلى مرحلة الانفجار الشامل.

ويعني ذلك أن الإمارات والمليشيا أو التشكيلات المسلحة الموالية لها غير قادرة على ابتلاع جنوب اليمن بكامله، وأن سيطرة قوات محدودة العدد والعدة وبغطاء جوي إماراتي على مساحات واسعة ومترامية وتحتضن تجمعات سكانية كبيرة، أشبه بالنفخ في بالون معرض للانفجار عندما يزيد النفخ على حده، خصوصا أن مكونات جنوبية كثيرة تنظر للإمارات ومليشيا المجلس الانتقالي كحالة معادية بشكل دائم لا بد من مجابهتها.

ولا يمكن إغفال أن القوات النظامية التي تنسحب إلى خارج المدن تحت ضغط الهجمات الجوية ستظل موجودة على الأرض، ويستحيل إبادتها تماما لينفرد المجلس الانتقالي بإدارة جميع المحافظات الجنوبية والشرقية وإعلان الانفصال، كما يستحيل أن يظل الغطاء الجوي الإماراتي مستمرا إلى ما لا نهاية لمساندة مليشيا ينبذها معظم سكان جنوبي البلاد.

 

وبإمكان القوات الحكومية طرد الإمارات ببساطة من اليمن في حال امتلكت صواريخ وطائرات مسيرة يصل مداها إلى عمق الأراضي الإماراتية، وامتلاك دفاعات جوية حديثة قادرة على إسقاط الطائرات الحربية الإماراتية، وبالتالي هزيمة مليشياتها في البلاد وتفكيكها، وما عدا ذلك ستظل الإمارات تفرض هيمنتها في اليمن، لاعتقادها بأن ذلك بوابة لاستعراض العضلات والنفوذ الإقليمي، حتى وإن كانت هيمنة في الفراغ وتتم بواسطة أذرع محلية، وثمنها مزيدا من الاقتتال الأهلي وسفك الدماء.

 

(قناة بلقيس - عبد السلام قائد)

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية