الأغلبية الصامتة

السرديات التي تختزل الذاكرة الجمعية لليمنيين إلى مجرد جزر متناثرة ومتنافرة في توجهاتها وأهدافها ومواقفها من الحراك السياسي والعسكري, والذي يكتنف المشهد اليمني الحالي وقد كانت أبرز تجلياته في أحداث شبوة وأبين, وهي تساهم في تقرير خاطئ وبالتالي في تقدير مواقف اللاعبين الإقليميين وقد رأينا كيف أنّها أفضت وتفضي باستمرار الى حسابات خاطئة والى قرارات كارثية. تلك السرديات التي تختزل المشهد اليمني في شخص التجمع اليمني للإصلاح باعتباره وفق تلك التقديرات الخاطئة الحامل الحصري للمشروع الوطني والمدافع عن تلك الأغلبية الصامتة التي أفرزت شرعية وسلطة ما بعد ثورة فبراير 2011م والتي جاءت التدخلات الإقليمية والدولية لتصيبها في مقتل أو هكذا يخيّل لها.

إنّ الكيانات السلطوية التي تسعى للاستحواذ على مصادر الثروات والنفوذ ضاربة بعرض الحائط مصائر الشعوب ومصادرة لحقها في تقرير المصير, تلك الكيانات عادة تتمركز ذاكرتها الجمعية ورؤاها الاستراتيجية حول السلطة والثروة ولاتحفل بالجماهير بل توظف البعض منهم خوفا ورغبا وفي أفضل الأحوال بنادق للايجار, لكنّها لاتعتبرهم مصدرا للحقيقة ولا للشرعية كما أنّهم لايملكون في نظرها أية حقوق للمواطنة.

ومن دروس التاريخ نتعلّم أنّه في لحظة تاريخية فارقة  عندما ينضج المخزون النفسي للجماهير ويصبح قادرا على الفعل والانفجار تبدأ الكتلة الحرجة للأغلبية الصامتة بالتحرك والتدحرج صانعة الدوي المطلوب للتغيير حينما تهتز موازين القوى وتضطرب على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية, حيث سيجد المشروع الوطني وحملته ومناصريه فراغا استراتيجيا يسمح لهم أولا بالتموقع في الأزمنة والأمكنة المناسبة ثم التمدد حينما تتشقّق الجدران المحلية والإقليمية والدولية.

هذه المعادلة ضرورية لفهم مآلات الاحداث وسنن التغيير, فالتدافع على المستوى الاقليمي والدولي بين القوى المتنافرة والمتنافسة في محيطنا وعلى ثرواتنا  قد بدأ بالفعل (حرب أوكرانيا نموذجا) (ومشروع الحزام والطريق للصين نموذجا آخر), واختلال موازين القوى وتيارات الفعل الاسترتيجي ظاهرة للعيان وكلها عوامل مهمّة في التمهيد للتمكين لحملة المشروع الوطني في اليمن, والسئوال اليوم هل امتلكت القوى الوطنية في اليمن الوعي المطلوب لالتقاط تلك الإشارات للبدء بالفعل لملىء تلك الفراغات الاستراتيجية.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية