الإمارات والجماعات الإرهابية في اليمن.. تحالف وتخادم ومصالح مشتركة
دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة اليمن ضمن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ العام 2015م بمبرر إعادة الشرعية اليمنية، عقب انقلاب جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح على نظام الحكم الذي كان يمثله الرئيس عبدربه منصور هادي قبل ثمان سنوات.
لكن هذا التواجد داخل الأرض اليمنية لم يلبث أن تحول نحو وجهات أخرى لا علاقة لها بالمبررات الرئيسية المعلنة التي جاءت الإمارات على ضوئها إلى اليمن.
ولعل أبرز منحى في تطورات التواجد الإماراتي في اليمن كان في علاقة أبوظبي بالجماعات الإرهابية، وتحديدا تنظيمي القاعدة وداعش، وهما التنظيمان الأكثر خطورة داخل اليمن، وظل البلد يعاني من تبعات تواجدهما منذ عقود.
وفي سبيل ذلك عملت الإمارات على استثمار القلق الدولي من خطر التنظيمات الإرهابية في اليمن، وهي المعركة التي تمثل قاسمًا مشتركًا لدى كل الفاعلين الدوليين، واستخدمت بكثافة على مدى فترات مختلفة من الصراع في اليمن، ومثَّلت هاجسًا مقلقًا للولايات المتحدة الأميركية على مدى عقود.
البدايات الأولى
شكلت الإمارات في العام 2016 ألوية عسكرية بعيدة عن سلطات الدولة الحكومية في مدينة عدن، أطلق عليها "ألوية الحزام الأمني"، ومدتها بالعتاد والدعم المالي والفني وفقا لتقرير الخبراء الأممي، وبشكل متصاعد صارت تلك الألوية الذراع العسكري لدولة الإمارات في مدن جنوب اليمن.
نشأت تلك الألوية بمبرر مواجهة الإرهاب وتأمين المدينة عقب دحر الحوثيين منها، لكنه لاحقت تحولت إلى سوط تضرب به الإمارات شرعية الحكومة اليمنية، التي وصفها تقرير الخبراء الأممي حينها بأنها صارت متآكلة، وتمثل ذلك في استخدامها لصالح النفوذ الإماراتي الذي ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال استخدام تلك الألوية كغطاء للتمدد بحجة مواجهة الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيمي داعش والقاعدة.
لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الإمارات تحالفت فعليا مع تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية في اليمن، واتخذتها ستارا وحجة للتوسع والتوغل والتواجد في اليمن، ونشأت ما يشبه العلاقة التكتيكية بين الطرفين، ويتضح ذلك من خلال العديد من المؤشرات والتحركات الميدانية للإمارات، والتي يمكن التطرق لها في هذه المادة.
معركة المكلا
في الرابع من أبريل 2016، وبعد عام واحد على دخول التحالف العربي اليمن قالت الإمارات إن قواتها تمكنت من دحر تنظيم القاعدة من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرق اليمن)، من خلال عملية عسكرية أسفرت عن مقتل 800 من أعضاء التنظيم، لكن التفاصيل الميدانية حينها أفادت بأن مسلحي القاعدة انسحبوا عقب اشتباكات طفيفة، وجرى تسليم المدينة للقوات السعودية الإماراتية، وتمركزت الأخيرة في مطار الريان، وأطبقت سيطرتها على المحافظة حتى اليوم، ولم يكن لتحقق ذلك لولا الغطاء والحجة والمبرر الذي منحه لها تنظيم القاعدة.
ويصف مركز هنا عدن تلك المعركة والمزاعم الإماراتية بأنها لم تكن سوى "فقاقيع صابونية"، وقال إن المعركة استمرت أربع ساعات، وانتهت باستلام وتسليم بين الإمارات وتنظيم القاعدة دون أن يسقط فيها جريح ولا خسائر بشرية من الطرفين، أو حدوث اعتقالات، بينما انسحب التنظيم من المدينة بسلام دون أي مقاومة أو أي معارك، ودخلت عناصر النخبة الحضرمية يومها، واعتبر التقرير أن هذا الأمر تأكيد عن وجود تنسيق وترتيب لانسحاب عناصر القاعدة بين التنظيم والإماراتيين.
ثلاث عمليات ومحافظات
وفي فبراير من العام 2018 أعلنت الإمارات إطلاق ثلاث عمليات عسكرية ضد تنظيم القاعدة، وهي عملية "الفيصل" وعملية "السيف الحاسم" ثم عملية "السيل الجارف" في مارس وذلك بهدف تطهير القاعدة في شبه الجزيرة العربية في أبين وشبوة وحضرموت.
ضخم الإعلام الإماراتي تلك العمليات الثلاث، واستغلها في تقديم أبوظبي لنفسها أمام المجتمع الدولي كدولة تكافح الإرهاب، وزعم أن تلك العمليات تمكنت من دحر التنظيم.
غير أن واقع الأمر أكد أن تلك العمليات لم تكن سوى غطاء للتمدد في تلك المحافظات الثلاث، وإعادة التموضع من جديد، خاصة أن الإمارات استثنت الجيش اليمني الحكومي من تلك العمليات، وأشركت معها الفصائل التي تمولها، ممثلة بألوية الحزام الأمني، والنخبة الشبوانية، والنخبة الحضرمية، وهي التشكيلات التي تسلمت تلك المدن لاحقا، خدمة للنفوذ الإماراتي.
تلك العمليات الثلاث واستخدام الإمارات للمليشيا المحلية التي تدعمها في تلك المعارك، بدت استراتيجية خاطئة من وجهة مؤسسة جيمس تاون، وهي مؤسسة أمريكية تعنى بالبحث والتحليل، والتي علقت حينها على تلك العمليات بأنها جلبت فقط مكاسب قصيرة الأمد للإمارات، وزادت من فرص تمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وجعلته في طور التهيؤ للعودة من جديد.
المؤسسة الأمريكية شككت في نجاح تلك العمليات ضد تنظيم القاعدة، وقالت إن مواجهة هذا التنظيم في اليمن يحتاج إلى حكومة فاعلة وجيش وطني وتسلسل قيادي واضح، معتبرة أن معارك الإمارات تلك مع القاعدة هي بلا نجاح، بل وكررت أخطاء واشنطن في أفغانستان.
معركة في الشرق من جديد
في الثاني والعشرين من أغسطس 2022 أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تموله الإمارات إطلاق عملية عسكرية جديدة في محافظات جنوب اليمن، حملت اسم "سهام الشرق"، جاءت تلك المعركة عقب أحداث دموية شهدتها محافظة شبوة، بعد التصعيد الذي فجرته مليشيا الانتقالي ضد القيادات الأمنية في المحافظة، وانتهت بمقتل قيادات أمنية.
أغرت تلك المعركة المليشيا المدعومة من الإمارات، فأطلقت تلك العملية التي جعلت الإرهاب يافطتها الأولى، وابتدأتها من محافظة أبين، وأكدت أنها لن تتوقف حتى تشمل تلك المعركة كل المحافظات الجنوبية التي لازالت بعيدة عن مناطق نفوذها.
بعد أيام من تلك المعركة اتضح أنها كانت تستهدف السيطرة على مناطق جديدة ظلت عصية على مليشيا الانتقالي، كمحافظات أبين وحضرموت (الوادي والصحراء) والمهرة، وأن الإرهاب لم يكن سوى غطاء لتحركاتها، وأن تنظيم القاعدة كان المبرر لخوض وتفجير تلك العمليات، مع الإشارة هنا إلى أن الإمارات ذاتها سبق أن خاضت معركة مماثلة في وقت سابق – كما أشرنا – ضد القاعدة في ذات المناطق، ما يشير إلى أي مدى تستخدم الإمارات القاعدة كواجهة وغطاء لتحركاتها وأجندتها في مدن الجنوب، ومستوى التحالف والتنسيق بين الطرفين.
المجلس الانتقالي والقاعدة
يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي الواجهة السياسية لأكثر من 120 ألف مقاتل دربتهم أبوظبي وتنفق عليهم وعلى أسلحتهم ومعداتهم، هو واحد من الغطاءات الأكثر رواجاً في جنوب اليمن التي تقوم بتدريب وتجنيد مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
تزايد وجود تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية بفعل حلفاء للإمارات في اليمن الذين قدموا الدعم المالي والتجنيد للتنظيمين. على الرغم من تدمير بنيّة الاتصالات والتواصل بين فِرق تلك التنظيمات الإرهابية وقتل قيادات كبيرة في تنظيم القاعدة، وفقدان تنظيم الدولة لوجود فعلي في اليمن نتيجة الفكر الجهادي الخارج عن عادات اليمن وتقاليده.
وتحدثت تقارير صحفية في العام 2020 عن وجود معسكرات تدريب لمقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي، ومقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في محافظة الضالع (شمال عدن)، وأبرز تلك المعسكرات الموجودة في مديرية الشعيب حيث يُعسكر 300 مقاتل تابع لتنظيم القاعدة بجوار معسكرات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ويتخذ مقاتلو القاعدة من سائلة بناء المتصلة بمديرية دمت شمال قرية بخال والشمال الشرق لقرية ثوان في مديرية الشعيب موقعاً لهم ولتدريباتهم عبر مجموعة التباب المطلة في تلك المناطق موقعاً لهم بدلاً من قاع السائلة خوفاً من استهداف الطائرات دون طيار، خشية تكرار ما حدث لرفاقهم في قرية قيفة بمحافظة البيضاء عام 2018م.
ونقل موقع يمن مونيتور أن عيدروس الزُبيدي زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، هو من سمح لقادة تنظيم القاعدة ببناء معسكر لتواجدهم وتدريبهم في مناطقهم منذ أن تم تعيينه محافظاً لمحافظة عدن، وتزايد دعمه وحضور التنظيم في تلك المناطق بعد أن تم عزله عن المنصب في (2017) عن طريق أبو ماجد يوسف مصلح الحكم الذي يتواصل معهم بشكل رسمي
وتقول المعلومات إن عمليات الاغتيالات ضد الرافضين للمجلس الانتقالي الجنوبي وداعمين للحكومة الشرعية تمت عبر خلايا من منطقة الشعيب في الضالع حيث يتفق تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية مع قيادات هذا المجلس على تصفيتهم لاعتبارات دينية متطرفة واعتبارات سياسية.
ويبرز اسم هاني بن بريك وهو نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وبرز بصفته ذراع لنفوذ أبوظبي في أوساط السلفيين والمتشددين عموماً، في عدن ومحيطها وضمن قوات الحزام الأمني، حتى إنه ظهر في بعض الأحيان كما لو أنه القائد الفعلي لهذه القوات الخارجة عن سلطة الشرعية، ويُعرف بقربه من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وفي حادثة واحدة على الأقل ظهر بن بريك رفيقاً لقادة تنظيم القاعدة الإرهابي بينهم القيادي في التنظيم إبراهيم العدني الذي قتلته غارات أمريكية في يوليو/تموز2017م. ونشرت صورة الرجلين على نطاق واسع عقب مقتل العدني بالغارة الأمريكية
وجهت اتهامات عديدة من النيابة العامة لهاني بن بريك بالضلوع في اغتيالات لعلماء دين معارضين له، رافضين للوجود الإماراتي في عدن. بين ذلك محاضر تحقيقات اتهمت بن بريك بالتخطيط لجرائم اغتيالات أدت لمقتل أكثر من 120 مواطنا لأسباب سياسية الفترة من 2015 إلى 2018 بينهم شخصيات اجتماعية وخطباء وضباط موالون للسلطة الشرعية في عدن ومدن أخرى. وكان أبرزهم الشيخ سمحان الراوي الذي قالت النيابة إنه قتل بمسدس حصل عليه القتلة التابعون للحزام الأمني من بن بريك شخصياً وذلك أثناء اجتماعهم معه وضباط إماراتيين.
وخلال سنوات الحرب قام هاني بن بريك وقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات بعقد اتفاقات مع قيادات في تنظيم القاعدة لتجنيد الآلاف في صفوفهم، لأنهم يعتبرون مقاتلين استثنائيين.
وفي محافظة شبوة كشف أحد الشيوخ القبليين التابعين للانتقالي الجنوبي عن تجنيد أكثر من 150 مقاتلاً في صفوف النخبة الشبوانية من مقاتلين في تنظيم القاعدة، ونقل تحقيق لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية أن الإماراتيون دفعوا لقيادي في تنظيم القاعدة 100 ألف ريال سعودي لتجنيد مقاتلين في تنظيم القاعدة، وبمقابل كل ألف مقاتل سيصبح من 50 إلى 70 أعضاء في القاعدة حسب ما قال الوسيط حينها.
وفي محافظة أبين كشف تقرير صحفي أن محمد الجعري أحد قيادات القاعدة في المحفد بأبين، والذي أصدر عيدروس الزبيدي في يوليو تموز 2021 قرارا بتعيينه قائدا لقوات الحزام الأمني في المنطقة الوسطى بأبين كان يعمل مسؤولا على نقل الإمدادات لعناصر القاعدة في جبال المحفد.
تحالف مع القاعدة
وتشير الأحداث الميدانية إلى أن الإمارات استخدمت ورقة الإرهاب من جانبين، الأول وسيلة لضرب القوات الحكومية النظامية وإقصائها من الواجهة، وتهميش الحكومة اليمنية، واستخدام المليشيا التابعة لها كبديل، والثاني تحقيق مكاسب أمام المجتمع الدولي، وعلى الرغم من سلسلة من العمليات العسكرية الإماراتية على الإرهاب في اليمن، لم يتسنَّ قياس أي نتائج ملموسة على الواقع، عدا الإعلان عن انسحاب عناصر القاعدة أو داعش من مناطق قيل إنها كانت تمثل معاقل لتلك العناصر، بينما تشير تحقيقات صحافية إلى احتمال وجود صفقات سرية من نوعٍ ما أفضت إلى صناعة انتصارات مزعومة.
وفي هذا السياق، أفاد تحقيق استقصائي لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية أن التحالف بقيادة السعودية عقد اتفاقات سرية مع تنظيم القاعدة في اليمن، وخلص إلى أنه دفع أموالًا للتنظيم مقابل انسحاب مقاتليه من بعض المناطق في البلاد.
وأفاد التحقيق بأن فصائل مسلحة مدعومة من التحالف جنَّدت مسلحي تنظيم القاعدة في اليمن، وتم الاتفاق على انضمام 250 من مقاتليه لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيًّا في محافظة أبين جنوبي البلاد.
وذكرت الوكالة أن هذه الاتفاقات تمت بعلم أميركي وأمَّنت انسحاب بعض مسلحي القاعدة مع العتاد الذي نهبوه من بعض المدن، من بينها المكلا جنوبي اليمن وسبع مناطق في محافظة أبين (جنوب) ومدينة الصعيد بمحافظة شبوة (جنوب).
واستند تحقيق أسوشيتدبرس على تقارير ميدانية ومقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولًا، بينهم قياديون أمنيون يمنيون وزعماء قبائل ووسطاء وأعضاء سابقون في تنظيم القاعدة (28). واستنادًا إلى هذا التحقيق، فقد صوَّت مجلس النواب، في 24 مايو/أيار 2017، مطالبًا وزير الدفاع الأميركي وقتها، جيم ماتيس، بأن يقرر ما إذا كان أفراد الجيش أو المخابرات الأميركية قد انتهكوا القانون في استجواب المعتقلين في اليمن.
القاعدة في خدمة الإمارات
وفي سياق حربها ضد الحكومة اليمنية، لم تدخر الإمارات جهداً في محاربة الحكومة اليمنية، ومحاولة إعادة نفوذها في الشرق اليمني الغني بالنفط، واستدعى هذا حرب العصابات والتنظيمات الإرهابية لمهاجمة قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، الأمر الذي أعاد إلى الأضواء مجدّداً العلاقة بين الإماراتيين وكل من تنظيم "القاعدة" و"داعش"، في اليمن، بعدما كان الأخيران بمثابة الغطاء الذي أنشأت أبوظبي بظلاله الأحزمة الأمنية والنخب التابعة لها، وتوسع التنظيمين في عدة مدن جنوبية في ظل تواجد القوات الإماراتية في اليمن عقب معركة تحرير عدن.
في سبتمبر من العام 2018 قال وزير النقل اليمني صالح الجبواني (أثناء عمله في منصبه) إن الهجمات التي تتعرض لها القوات الحكومية في مديريات ميفعة والمحفد على طريق شبوة أبين تُنفذها عناصر من تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، بالتنسيق مع الإماراتيين"، وقال الجبواني حينها في تغريدة على حسابه في "تويتر" "لدينا كل الدلائل على علاقة الإمارات بتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن وبالأسماء وهي تستخدم هؤلاء الإرهابيين في ضرب تعزيزات الجيش في طريق شبوه أبين"، داعياً أبناء المحافظتين وقبائلها "في هذه المناطق لتحديد موقف من الإمارات وإرهابيها قبل أن يقع الفأس برأس الكل بجريرة هذه الجرائم".
كان ذلك التصريح صادما في وقتها، وكشف عن علاقة ظلت مستترة، لكنها خرجت إلى العلن عن التحالف بين تنظيم القاعدة وداعش والقوات الإماراتية في اليمن، والتي بدأت بالتوسع، مستفيدة من الدعم الإماراتي الواسع للتنظيم، وشخصيات متطرفة.
ملامح التقارب والتحالف
تتجلى ملامح التقارب والتحالف بين تنظيم القاعدة ودولة الإمارات في العديد من الصور والأشكال والوسائل، والتي يمكن سردها هنا استنادا للأحداث التي شهدها اليمن منذ التواجد الإماراتي، ومن أبرزها:
(1)
تحالف الإمارات مع شخصيات سلفية متطرفة، ولها علاقة بالجماعات الإرهابية، ومنها أبو العباس في تعز، وهاني بن بريك في عدن، والاعتماد على مثل هذه الشخصيات لجلب المقاتلين، والانخراط في صفوف الإمارات، مقابل الدعم المالي والعسكري المستمر.
وتجتمع في الشخصيتين العديد من الصفات والمواصفات، وباتا في منزلة واحدة، بل ووجهان لعملة واحدة في اليمن، رسمتها الإمارات وأصبحتا عملة لتجارة لا تعرف البوار ولا الكساد، وهي تجارة "مكافحة الإرهاب"، ما دفع اليمنيين للتساؤل: كيف تريد الإمارات محاربة ما تسميه هي "إرهابًا" بإرهاب كتائب أبي العباس المدرج على القوائم الإقليمية والدولية؟ في إشارة لإدراج الولايات المتحدة أبو العباس في قائمة داعمي الإرهاب في اليمن في أكتوبر من العام 2017م.
(2)
استخدام الإمارات للجماعات الإرهابية كفزاعة للتوغل ثم الانسحاب، بما يشبه عملية الاستنساخ والتوزيع والنقل لتلك الجماعات، وفقا لظروف المرحلة، والجغرافيا المراد بدء المعركة فيها، فعلى سبيل المثال جرى الترويج لوجود إرهاب وجماعات إرهابية في محافظة المهرة، وذلك في ذروة الاحتجاجات المناهضة للتواجد السعودي بالمحافظة، وزعمت السعودية في الخامس والعشرين من يونيو 2019 أنها ألقت القبض على أمير تنظيم داعش في اليمن الملقب بـ"أبو أسامة المهاجر"، والذي وصفته بأنه المسؤول المالي للتنظيم مع عدد من المرافقين له.
تلك العملية التي بان زيف دعواها لاحقا، هدفت لشيطنة المناوئين للوجود السعودي في المهرة، ولم تُعرف أخبار المهاجر ونتائج التحقيق معه حتى اللحظة، وأثارت العديد من التساؤلات حول المساعي الهادفة لوصف المهرة بوكر للإرهاب، وهو ما جلب الاهتمام الأمريكي لاحقا إلى المحافظة، التي زارها السفير الأمريكي في الثلاثين من نوفمبر 2020، بالتزامن مع تواجد قوات أمريكية بريطانية سعودية تتخذ من مطار الغيضة مقرا لها.
(3)
الاستعانة بالجماعات الإرهابية بطريقة معاكسة، ويتمثل ذلك بإصدار بيانات مزعومة لتنظيم داعش والقاعدة – كلا على حدة – تندد بتواجد الإمارات وميلشياتها، وتتوعدهما بالضرب والرد، بما يظهر تأثر التنظيمين بتلك المعارك، الأمر الذي يمنح الإمارات استمرار معركتها، ومشروعية التواجد لفترة أطول.
ويبرز هذا الأسلوب مع كل رغبة إماراتية في التواجد والسيطرة على منطقة جغرافية معينة، وينشط مع ارتفاع الأصوات المنددة بسياسة الإمارات وعبثها في اليمن، والغرض واضح في هذا المضمار الذي يهدف لإلصاق تهمة الإرهاب بكل معارض للسلوك الإماراتي.
ولعل أبرز مثال على هذا الأمر ما كشفته مصادر استخباراتية مهتمة بالجماعات الجهادية باليمن عن بيان منسوب لتنظيم القاعدة يتوعد فيه دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بسبب مخططاتهما في جزيرة سقطرى اليمنية.
البيان نشره موقع (siteintelgroup) كمادة مغلقة ونشرت مقتطفات منه الباحثة والإعلامية البريطانية إليزابيث كاندال – إعلامية مقربة من الإمارات - في حسابها بتويتر، هاجم دولة الإمارات وإسرائيل لسعيهما في إنشاء قواعد عسكرية ومنشآت تجسس في جزيرة سقطرى.
ووفقا للبيان الذي ظهر مؤرخا بتاريخ السادس من سبتمبر 2021، فقد دعا التنظيم اليمنيين إلى الانتفاض، وتوعد بالانتقام من الإمارات وإسرائيل والتصدي لمخططاتهما، متهما المجلس الانتقالي الذي تموله أبوظبي بالعمل لصالح الإمارات في سقطرى، وجاء صدوره بعد تقارير محلية ودولية أكدت تنسيق إسرائيل مع دولة الإمارات على بناء قواعد عسكرية في جزيرة سقطرى التي باتت تحت السيطرة الكاملة لدولة الإمارات، وفق تأكيد مصدر حكومي يمني أمس الأول، وبدا واضحا اهتمام وسائل الإعلام الإماراتية وناشطوها بهذا البيان، الذي يأتي متسقا مع مطامعها التوسعية في البقاء داخل سقطرى، وأثار العديد من التساؤلات حول تزامن صدوره مع موجة من الغضب في الشارع اليمني تجاه التواجد الإماراتي الإسرائيلي في سقطرى، ورفض سكان في الجزيرة لذلك التواجد، ومطالبتهم بإعادة الجزيرة لسيطرة الحكومة الشرعية.
(4)
تلاقي أهداف كل من القاعدة والإمارات في العديد من النقاط والمكاسب، ومن ذلك مصلحة الطرفين في عدم وجود دولة وحكومة يمنية مستقرة تسبط سيطرتها على كل الأرض اليمنية، وكذلك استهداف الجيش اليمني، والإجهاز عليه، وهو الجيش الذي خاص في السابق معركة طويلة ضد التنظيمات الإرهابية، وتعرض طوال السنوات الأخيرة للهجمات والغارات من قبل الطيران الإماراتي، وأقصيت القيادات الوطنية فيه من مناصبها، واستبدلت بالمليشيا والكيانات الممولة من أبوظبي.
(5)
ورغم كل الدعاوى التي تتحدث عنها الإمارات في معركتها مع القاعدة باليمن طوال السنوات الماضية، إلا أنها لم تتمكن من لجم القاعدة وتطويقها، والحد من نفوذها، ويشير تقرير أممي إلى أن التنظيم لازال قادرا على التشكيل من جديد، ما يقلل من تلك المزاعم الإماراتية، ويؤكد وجود التحالف بين الطرفين، إضافة إلى أن تلك المعارك لم تكشف عن أرقام حقيقية للضحايا، فيما ظل كلا من القاعدة وداعش كمهددين حقيقين في اليمن.
(6)
أدارت الإمارات المعركة مع الجماعات الإرهابية في اليمن من بوابة المصالح التي تعود عليها في سياق سياستها التوسعية ومصالحها داخل اليمن، وفي منطقة القرن الأفريقي الذي تنشط فيه بشكل لافت.
وهدفت المعارك الإماراتية مع تلك الجماعات لتأمين تواجدها وحماية مصالحها، وهو ما يجعل تلك المعركة تبدو أشبه بهدنة مع تلك الجماعات، تنطلق من المصلحة المشتركة، فالإمارات حريصة على بقائها في اليمن، والجماعات الإرهابية حريصة أيضا على تجنب أي هجمات تؤدي لفنائها.
ويتضح هذا من جغرافيا المعارك العسكرية للإمارات، فقد كان المسرح العسكري لها هي المدن الساحلية التي تبسط الإمارات السيطرة على موانئها، كعدن وحضرموت وشبوة وأبين والمهرة، وهي المحافظات التي تتواجد فيها محطة بلحاف للغاز بشبوة، وحقول النفط في المسيلة في محافظة حضرموت، ومحطة التصدير في الشحر، بينما يتوارى تماما المواجهة مع تلك التنظيمات في محافظات غير ساحلية كالضالع والبيضاء ولحج.
لم يكن الهدف من هذه العمليات المتوازية منع الجهاديين من الفرار إلى مناطق مختلفة وحسب، إنما أيضاً إقامة منظومة جديدة في الأمن والحوكمة، تقودها الإمارات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تؤمّن هذه المنظومة الترابط بين المدن الساحلية الكبرى، والتي تتصل بالتواجد بمناطق نفوذ الإمارات في الخليج وأفريقيا وآسيا.
(7)
لم يستهدف تنظيم القاعدة وداعش المليشيا الممولة من الإمارات طوال الفترات الماضية، رغم تواجده في المحافظات والمدن والمناطق التي يسيطر عليها الانتقالي، والأخبار المتداولة عن عمليات استهداف كما حدث مؤخرا في أبين، لاتزال غير مؤكدة، بل مشكوك في مدى قدتها وصحتها، وتعد مظهر من مظاهر التخادم بين الطرفين، من خلال اصطناع مواجهات افتراضية تمنح الانتقالي من خلالها التوغل والتواجد والمبرر للبقاء، علما بأن التشكيلات التابعة للانتقالي متهمة بارتكاب انتهاكات بحق المواطنين، وفقا لمنظمة هيومان رايتس ووتش.
تداعيات استخدام الإمارات للتنظيمات الإرهابية في اليمن
أدت سياسة التخادم والتحالف بين الإمارات والتنظيمات الإرهابية في اليمن إلى العديد من التداعيات التي تؤثر على حاضر ومستقبل اليمن، ومن أبرزها:
تلغيم اليمن بالمليشيا المسلحة، ومدها وتغذيتها بالسلاح، وجعل تلك الأسلحة في متناولها، مما يصعب عملية مواجهتها لاحقا، وهو ما كشفت عنه تحقيق لشبكة سي إن إن الأمريكية في التاسع عشر من أكتوبر 2019 عن وصول أسلحة أميركية وصلت إلى ما وصفته بالأيادي الخطأ في اليمن عبر السعودية والإمارات، وقالت الشبكة إنها توصلت لأدلة تؤكد أن العتاد العسكري الذي بيع للسعودية والإمارات تم توزيعه على مجموعات مليشيات، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، وأضافت أنه عثر أيضا على أسلحة أميركية بحوزة مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة وما سمته المليشيات المتشددة والحوثيين، واعتبرت الشبكة أن ذلك يمثل انتهاكا لقانون مبيعات الأسلحة، وأكدت أنه يجري الآن تحويل تلك الأسلحة إلى الحكومة اليمنية المدعومة من واشنطن.
فشل وجود وتماسك الدولة اليمنية، وهذا الفشل هو المناخ الملائم لترعرع المليشيا بكافة مسمياتها في اليمن، وبقاء البلد في دائرة الفوضى والصراع، فيما تصبح الإمارات ومن يعملون في دائرتها الطرف الأقوى.
استخدام ورقة الإرهاب كفزاعة في وجه المعارضين للتواجد الإماراتي، ولافتة يجري من خلالها شيطنة كل من يقف في طريق الإمارات وأجندتها في اليمن.
إظهار اليمن كبلد تسيطر عليه الجماعات الإرهابية أمام المجتمع الدولي، ما يضاعف من عملية عزله وبقائه في دائرة الخطورة المهددة للسلم الدولي.
التعليقات