من يقف خلف استهداف ضباط الجيش الوطني في مأرب؟

تحتضن مأرب ملايين النازحين، جميعهم لجأوا إليها مضطرّين بعد سقوط العاصمة صنعاء وبعض المحافظات بيد مليشيا الحوثي، إذ تحوّلت إلى قِبلة لكل المضطهدين والرافضين لمشروع المليشيا العنصري والطائفي، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إدارة مدنية وأمنية على قدر عالٍ من الكفاءة، لا سيما في ظل الاختراقات الخطيرة للأمن فيها، كأن يختفي ضباط في الجيش والداخلية، أو يُستهدف آخرون.

تتكرر عمليات الاختطاف والاستهداف، التي تطال قادة في الجيش اليمني ووزارة الداخلية، فيتتابع الضحايا، واحدا تلو الآخر، كان آخرهم مستشار وزير الدفاع، العميد محمد الجرادي، الذي اغتيل قبل أيام على أيدي مسلحين مجهولين، لم يكشف عنهم حتى اللحظة، فمن المسؤول عن اختطاف واغتيال ضباط الجيش والأمن في مأرب؟ ومن المسؤول عن إبقاء هذا الملف في الظل بعيدا عن الرأي العام؟

في فبراير الماضي، كشف تقرير صحفي عن معلومات أمنية متعلقة بنشاط خلية مدعومة من الإمارات، متهمة باختطاف ضباط من الجيش اليمني والداخلية، بينهم رؤوف الحربي، وهو ضابط الارتباط بين الجيش وقوات التحالف، حيث اتهم موقع "عرب 21" الإمارات باستخدام الهلال الأحمر الإماراتي للقيام بنشاط مخابرات غير قانوني، مشيرا إلى أن الخلية يديرها "عمار صالح"، وكيل جهاز الأمن القومي السابق والمسؤول حاليا عن الجانب الأمني لما يسمى "قوات المقاومة الوطنية"، التي يقودها شقيقه "طارق صالح".

 

- من يقف خلف الاستهداف؟

يقول الصحفي فهد سلطان: "إن حادثة الاغتيال الأخيرة، التي طالت مستشار وزير الدفاع العميد محمد الجرادي، ليست منفصلة عن السياق الزماني والمكاني، وليست جديدة حتى يمكننا القول بأنها حادثة جديدة، وإنما ضمن مسلسل اغتيالات كبيرة يستهدف القيادات العسكرية الوطنية داخل البلد، وقد بدأ هذا العمل باكرا، كما حدث في العام 2011".

وأوضح أن "هناك ثلاث جهات تستهدف الجيش الوطني بشكل مباشر، وهي مليشيا الحوثي، والإمارات، والسعودية، كونها تشعر بأن الجيش خارج إرادتها، فالمليشيا تعتبره العدو الذي يقف أمام تقدّمها وانتصارها، والإمارات والسعودية تريدان أن يكون لهما نفوذ في اليمن، لذا يجب أن يخضع هذا الجيش لسلطتهما 100%".

ويرى أن "الأجهزة الأمنية في مأرب قدّمت الكثير، وحققت انتصارات كبيرة -على الأقل- فيما يخص مليشيا الحوثي من خلال الكشف عن الكثير من الخلايا الحوثية، لكنها لا تمتلك الإمكانيات والأدوات التي يمتلكها التحالف السعودي - الإماراتي، لذلك بصمات التحالف في استهداف القيادات العسكرية والأمنية المؤثرة والفاعلة داخل مأرب أكثر من مليشيا الحوثي".

وأشار إلى أن "الأجهزة الأمنية في مأرب أعلى قدرة في التعامل مع مليشيا الحوثي، وقد استطاعت إفشال الكثير من الخطط والكشف عن الكثير من الخلايا، لكن طريقة الاختطافات والاغتيالات هذه عن طريق الاتصال لحضور اجتماع سري في مكان معيّن، ومن ثم يتم اختطافه أو اغتياله لا يمكن لمليشيا الحوثي أن تقوم بها، وقد وصل عدد هذه العمليات إلى 9 عمليات اختطاف لضباط قي الجيش بينهم ضابط الارتباط "رؤوف الحربي" الذي لا يعرف مصيره حتى الآن منذ قرابة العام.

وقال: "إن استهداف الجيش، والقامات الوطنية، ومحاولة جعل اليمن بشكل عام تترنّح، يقف خلفها أعداء الجيش وأعداء الجمهورية بشكل عام، وبدت ملامح هؤلاء اليوم أكثر وضوحا من قبل، فبعد عاصفة الحزم بعامين كانت الأمور تبدو رمادية، حيث كانت تحصل بعض الحوادث ولا نستطيع أن نجد لها تفسيرا، لكن منذ العام 2017م بدأت الصورة تتضح في مسألة استهداف التحالف للجيش، وعملية تغيير المعركة من هزيمة الحوثي واستعادة الدولة وصنعاء إلى معركة ضد الجيش والقوى الوطنية".

وأضاف: "التحالف السعودي - الإماراتي شارك في عملية تدمير الجيش، وكان له دور كبير، ومن أهم الوثائق التاريخية ما حدث للقيادي في الجيش، العميد ناصر الذيباني، تحدث الذي تحدث عن تفاصيل كثيرة، وعن دور الإمارات، في مسألة استهداف الجيش، وما الذي يحدث في مأرب".

فالإمارات استهدفت واحدة من أقوى الكتائب التي كانت في مأرب، استهدفت من قِبل الدبابات الإماراتية، وانتهت بشكل كامل، وأيضا ذكر بأنه كان هناك لواء في صرواح خارج مدينة مأرب، وعلى بُعد 20 كيلو من مسرح العمليات، وتم استهداف جنود وقيادات عسكرية داخل المنطقة من قِبل الطيران الإماراتي".

وأشار سلطان إلى أن "السعودية والإمارات هما حليفتان في اليمن، ولا يمكن للإمارات أن تنفرد بعمل داخل اليمن بدون قبول وتغطية من السعودية، فمثلا في أغسطس/ آب 2019م استهدف الطيران الإماراتي قوات الجيش الوطني في مدخل العاصمة المؤقتة عدن، وقتلت نحو 300 جندي، بحسب تصريحات وزير الخارجية اليمني آنذاك محمد الحضرمي، ومن أوقف تلك القضية ومنع الحكومة من الحديث أمام مجلس الأمن عنها هي السعودية".

 

- عوامل وأسباب

من جهته، يقول الصحفي محمد الجرادي: "كون محافظة مأرب مدينة صغيرة ومحاطة بمجتمع قبلي وأكثر من 2 مليون نازح، التي من خلالها تَسهُل عملية الاختراقات الأمنية، سواء من قِبل مليشيا الحوثي أو من من قِبل أي أطراف أخرى لها مصلحة من اغتيال قادة الجيش الوطني، كالإمارات والسعودية".

وأوضح أن "من السهل أن يحدث الاختراق في مأرب، من خلال شبكة الاتصالات التي فشلت الحكومة الشرعية حتى الآن في معالجة هذا الملف الذي راح ضحيته الكثير من القيادات العسكرية، وليس آخرهم العقيد محمد الجرادي".

ويرى أنه "يجب عدم عفو الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب من المسؤولية، والتي يجب عليها أن تسعى لإنفاذ القانون، أو على الأقل ألا تتواطأ مع المجرمين الذين ينفذون هذه العمليات، ويجب عليها أن تسعى لإصلاح هذه الاختلالات، وأن تقوم بدورها، فلا يكفي الإشارة بالاتهامات إلى الأطراف التي تنفذ هذه العمليات".

وقال: "من خلال المعلومات، التي وصلتني من عائلة العميد محمد الجرادي، أفادت لي بأنه اغتيل داخل المدينة بالقرب من مقبرة الشهداء، ولكن تم أخذ جثته ورميها خارج المدينة، بينما كان في طريقه لحضور اجتماع، ومعه مرافقه الشخصي".

وأضاف: "لم يتم التواصل مع أسرة العميد الجرادي من قِبل أحد حتى الآن، وإنما سمعنا عن تشكيل لجنة رئاسية شكلها رئيس مجلس الوزراء للتحقيق في الجريمة، ولكن لم يقم أحد حتى الآن بالتواصل مع أسرته، وهذا ما يحز في النفس".

وقال: "سبق لي شخصيا أن اطّلعت على جزء كبير من التفاصيل والمعلومات والوثائق التي سُربت في العام 2018م، بل لا زلت امتلك جزءا كبيرا من هذه الوثائق، والتي تؤكد وجود الكثير من خلايا الرصد التابعة للإمارات، أو ما تسمى بالوحدة الخاصة التابعة للهلال الأحمر الإماراتي، ولها أنشطة في مأرب وفي محافظات عدة".

وأضاف: "من هذه المعلومات تشير إلى وقوف عمار صالح، شقيق طارق صالح، خلف هذه الخلايا التي تقوم برصد واستهداف بعض القيادات، لكنني لا يمكنني توجيه الاتهامات لـ عمار أو غيره، فيجب على الأجهزة الأمنية في مأرب أن تسعى للتحقيق في الجريمة".

 

- إنصاف

من جهته، يقول الصحفي حسين الصوفي: "إذا تحدثنا بإنصاف، فإن ما يحدث في مأرب، خلال هذه الفترة، فنحن نعيش في فترة حرب، وقد تحدث فيها مثل هذه الأحداث، وهذا ليس تبريرا، لكن يجب أن نقارن بين النجاحات والإخفاقات للأجهزة الأمنية في مأرب خلال السنوات الماضية وحتى اليوم".

وأضاف: "هناك تحقيقات في هذه العمليات، والأجهزة الأمنية في مأرب تقوم بكافة الإجراءات، رغم ما تواجهه من ظروف وتعقيدات في ظل سيطرة مليشيا الحوثي على الاتصالات، ومع ذلك أعلن عن الكثير من التحقيقات، ووضحت الكثير من النقاط، فإذا ما تابعنا تقرير الأجهزة الأمنية للعام 2021م كان هناك رصد وتحليل وتحقيق، وتم القبض على الكثير من الخلايا، وأحيل البعض للجهات المعنية، ومنهم من صدر بحقهم أحكام بالإعدام".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية