ما وراء الاستهداف الحوثي للاقتصاد الوطني؟
على مدى سنوات الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، سعت المليشيا الحوثية إلى تدمير كل ما له صلة بالاقتصاد الوطني، وأشعلت فتيل الأزمات في مختلف نواحي الحياة، وأفرزت أزمات جعلت اليمن يعيش أسوأ حالة انسانية على مستوى العالم، بحسب منظمات الأمم المتحدة.
وطالت الممارسات غير القانونية والتعسفات المتكررة القطاع الخاص بشكل مجحف من قبل جماعة الحوثي الإرهابية المدعومة من ايران، مما شكل عبئًا كبيرًا على المواطنين والعاملين في شركات القطاع الخاص في مناطق سيطرة الجماعة.
حيث بيّنت دراسة أعدّها "مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية" نُشرت في أغسطس من العام 2018م بأنّ "القطاع الخاص اليمني يتألف بغالبيته العظمى من شركات صغيرة أو صغيرة جدًا".
وأضافت الدراسة، "أنّ شركات القطاع الخاص توفّر لما يقرب من 70% من اليمنيين العاملين مصادر أرزاقهم"، في إشارة إلى أهميّة ما يغطّيه القطاع الخاص من احتياجات المواطنين، وخاصة خلال سنوات الحرب الأخيرة.
اجتثاث القطاع الخاص
خلال سنوات الحرب استمرت المليشيا الحوثية بتدمير القطاع الخاص، وألحقت أضرارًا فادحة بالاقتصاد الوطني، محاولةً في مسيرتها التدميرية إلى اجتثاث القطاع الخاص، من أجل تحقيق نقاط لصالح متنفذي الجماعة، الذين باتوا يسيطرون على مؤسسات الدولة، ويطوّعون كل مواردها بما يخدم قيادات جماعتهم والسلالة التابعين لها.
في بيان صادر عن فريق الإصلاحات الاقتصادية في اليمن "القطاع الخاص اليمني" في منتصف نوفمبر أكد "مطالبه بتحييد القطاع الخاص وعدم الزج به في أي نوع من أنواع الصراعات لاسيما وأنه يسعى جاهدا للاستمرار في تقديم السلع والخدمات لكافة المواطنين في أصعب الظروف ويتواجد في كافة المناطق ويتعامل مع كافة الشرائح المجتمعية.
ودعا، "فريق الإصلاحات الاقتصادية في اليمن"، إلى "وقف كل الممارسات غير القانونية تجاه أفراد القطاع الخاص والعاملين في مؤسساته باعتبارهم يقومون بدور وطني وانساني في ظل ظروف الحرب، وضرورة مساعدتهم في مهامهم الرئيسية والمتمثلة في الاستمرار بتقديم السلع والخدمات للتخفيف من الآثار السلبية للحرب على الوضع الإنسان".
ناقوس خطر
وفي الآونة الأخيرة، وبعد إمعان المليشيا الحوثية في ممارساتها التعسفية تجاه القطاع الخاص دقّ الاتحاد العام للغرف التجارية والغرف التجارية الصناعية بأمانة العاصمة ناقوس الخطر التي قد تسببه هذه الممارسات والإجراءات إلى التصفية من قبل وزارة الصناعة والتجارة التابعة للمليشيات.
وأصدر "الاتحاد العام" و"الغرفة التجارية" بأمانة العاصمة بيانا مشتركا استنكرا فيه تعسفات الوزير الحوثي المعين حديثا لوزارة الصناعة والتجارة، وقال: بأنها (الوزارة) أصبحت سيفًا مسلطًا على شركات القطاع الخاص وتستهدف خرابها وإفلاسها.
وفرض الحوثيون منذ عدّة أشهر قوائم سعرية جديدة، قبل رمضان وأثنائه وبعده، وصفها "البيان" بأنّها مخالفة للقانون والدستور ونظام السوق الحر والتنافسي، ومناقضة لما هو معمول به لدى كل حكومات العالم.
البيان أوضح أن المليشيات تفرض غرامات (عقوبات) بدون أي مسوغ قانوني، مخالفة للمبدأ الدستوري القائل بأن لا غرامة ولا رسوم إلا بنص قانوني صريح، وتعمل على الإيقاف التعسفي بالمخالفة للقانون لقواطر التجار في المنافذ الجمركيّة لأيام وأسابيع، وتكبدّهم خسائر فادحة، ورفع الإيجارات على الحاويات جرّاء تأخير تفريغها. وكذا توقيف معاملات مئات التجار والشركات في تجديد سجلاتهم التجارية لأشهر وتوقيف مصالحهم دون أيّ وجه حق أو مسوّغ قانوني.
ممارسات كارثية
وأشار بيان "الاتحاد العام" و "الغرفة التجارية" إلى أنّ هذه الممارسات التي تنتهجها مليشيات الحوثي "تسبب خسائر وتدمير للشركات الوطنية، وتعتبر كارثة اقتصادية ستمس القطاع الاقتصادي، وتؤثر على توازن السوق، وتؤدي إلى توقف استيراد البضائع والإخلال بالمخزون الاستراتيجي للبلد، وسيؤدي استمرارها إلى نزوح وهجرة رأس المال الوطني بحثًا عن الأمن التجاري والاقتصادي".
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي بأن "تدمير القطاع التجاري الخاص في صنعاء على يد جماعة الحوثي يعكس عزمهم على تقويض النشاط الاقتصادي، ومن خلال المؤشرات يسعى الحوثيون للاستيلاء على هذا القطاع، وتحويل جميع الأنشطة لكيانات تابعة لهم".
وأضاف "العوبلي" لـ "العاصمة أونلاين"، "الممارسات والإجراءات التعسفية التي يقوم بها الحوثيون ضد القطاع الخاص تتسبب في تعقيد الوضع الاقتصادي، وكذا تسبب خسائر للتجار والشركات، وتهدد سيادة القانون وتقوّض الثقة في النظام القضائي".
مشيرًا إلى "أنّ هذه الممارسات تعيق النشاط الاقتصادي وتثبّط الاستثمار، بحيث يتم نقل رؤوس الأموال خارج اليمن وتفقد الاقتصاد الوطني قوته. وهذا يؤثر أيضًا على إمكانية خلق فرص عمل جديدة ويؤثر على مستوى الإنفاق العام".
أما الإعلامي بشير الحارثي في تغريدة على تويتر، تعقيبًا على البيان أكد أنه يعكس عمق المأساة التي يواجهها رأس المال في مناطق سيطرة الحوثيين، والذي ظل لسنوات يتحمّل عبء السلوك الهمجي للجماعة في استنزاف القطاع الخاص ومحاربته، وتدمير مقومات استمراره في تغطية احتياجات السوق، وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية وإنسانية وشيكة".
وكانت الغرفة التجارية في أمانة العاصمة قد عبّرت في وقت سابق عن أسفها من استمرار الاعتداء على مستثمرين يمنيين، نتيجة تعرّض رجال أعمال لاعتداءات متكررة من قبل جماعة الحوثي. موضحةً أنّ هذا الأمر ينعكس سلباً وبشكل كبير على الأوضاع الاقتصاديةويؤثر على الاستثمارات كون المستثمر بحاجة إلى بيئة آمنة.
التعليقات