ترقب في عدن لعودة قيادات الدولة بموجب التوجيهات الرئاسية الاخيرة
يترقب اليمنيون في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة وفي بقية المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة في الساعات المقبلة عودة جميع قيادات الدولة لمزاولة مهام أعمالهم من المقار الرسمية، تنفيذاً للتوجيهات الرئاسية التي جاءت عقب الدعم السعودي الجديد لليمن بمبلغ 1.2 مليار دولار.
ويأمل الشارع اليمني في أن تمثل عودة المسؤولين بالتزامن مع وصول أول دفعة من الدعم السعودي إلى حساب البنك المركزي اليمني في عدن، بداية للسيطرة على تدهور سعر العملة المحلية وتحسين الخدمات لا سيما الكهرباء، فضلاً عن الانتظام في صرف رواتب الموظفين في المناطق المحررة، وتمكين البنك المركزي من تغطية احتياجات التجار من العملة الصعبة من أجل استيراد السلع الرئيسية.
كما تتطلع الأوساط السياسية إلى أن تكون عودة مسؤولي الدولة والأجهزة التنفيذية إلى عدن نهائية لإنجاز مهام المؤسسات والوزارات والمصالح بما يخدم المواطنين.
وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي قد وجه جميع مسؤولي الدولة للعودة إلى العاصمة المؤقتة عدن في موعد أقصاه السادس من أغسطس (آب) الجاري، لاستئناف أعمالهم من مقارها في المدينة وفي بقية المحافظات، وذلك عقب الإعلان عن الدعم السعودي الجديد.
التعميم الرئاسي المذيل بتوقيع مدير مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية يحيى الشعيبي، تم توجيهه إلى رئيس الحكومة معين عبد الملك، واستثنى من العودة إلى الداخل المكلفين بمهام رسمية وبناء على موافقات كتابية من السلطة المختصة.
وشدد التعميم الرئاسي على إلغاء أي تفويضات بالصرف من موازنة الدولة أو موازنات الجهات، واقتصار الصرف على المخولين قانونياً، وهم الوزير أو نائبه، والمحافظ أو نائبه، ورئيس الجهاز أو نائبه، إلى جانب ممثلي وزارة المالية في الجهات.
وأوضح التعميم أنه في حال الاستثناء المبرر يجوز التفويض لأحد قيادات الجهة غير الاستشاريين لفترة مؤقتة، لا تتجاوز أسبوعين، ولسقف محدد، وللأغراض الضرورية كالمرتبات، وبموافقة رئيس الحكومة.
الحاجة إلى حضور حكومي فاعل
تعليقاً على القرار الرئاسي اليمني بعودة المسؤولين إلى عدن وبقية المحافظات المحررة، يؤكد المحلل السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل، على أهمية الحضور الفاعل للحكومة على الأرض.
ويشير البيل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مثل هذا القرار صدر فور تولي الرئيس رشاد العليمي مجلس القيادة، حيث ألزم مسؤولي الحكومة بالعمل من العاصمة المؤقتة عدن، وعدم السفر إلا لمهمات رسمية.
ويضيف: «ربما شهد الأمر حينها نوعاً من الالتزام، لكن كثيراً من المعينين بمناصب أقل من الوزير لم يلتزموا به، خصوصاً نواب ووكلاء الوزارات والمديرين، الذين هم بأعداد كبيرة، وينتشرون في عواصم الدول المختلفة».
وينتقد البيل ما يصفه بـ«التسيب الحكومي» الذي قوبل بالعتب والسخرية، كما ينتقد «ضعف الأداء، وتعطل كثير من المؤسسات والقطاعات، حيث يرى الناس أن مثل هذه المناصب كما لو كانت غنيمة للأفراد دون مقابل، في وقت يعيش اليمنيون أصعب مراحل حياتهم ويحتاجون من الحكومة لعمل جاد ومضاعف وفوق الاعتياد».
القرار الرئاسي الجديد، بحسب البيل، جاء ليؤكد أن الالتزام من الحكومة لم يكن كما هو المأمول، وبقدر ما عكس هذا التوجيه الرئاسي ارتياح عدد كبير من الناس، لكنه في الآن ذاته نقل قلقهم من عدم تطبيقه مجدداً.
ويشدد البيل على أن الناس «يريدون حضوراً فاعلاً للحكومة ومسؤوليها على الواقع، ويسيئهم عبثهم وتنقلهم ورفاهيتهم في الخارج بأموال الدولة، في هذا الوضع الأكثر سوءاً في تاريخ اليمن»، وفق تعبيره.
وإذا ما كان مجلس القيادة الرئاسي حازماً في تنفيذ هذه التوجيهات، والتزمت الحكومة، فإن كثيراً من الإصلاحات - كما يقول البيل «ستتم تباعاً، وسيشهد الناس تغيراً للأفضل ولو ببطء، فالعجلة تدور، لكن في حالة الفشل، فانعكاسه على فشل وفساد أكبر أمر مؤكد».
ويرى الأكاديمي البيل أنه يجب على الحكومة وهي تتلقى هذا الدعم الكبير من السعودية مجدداً، «أن تصلح أروقة عملها تماماً، وتترجم هذا الدعم بما يخدم الناس ومعيشتهم، عبر الانضباط والعمل الجاد، وتحسين معيشة الناس، وتقليل الفساد إلى حد كبير».
ويتابع أنه «لا بد من خلق أوعية اقتصادية شفافة وهادفة تستوعب هذا الدعم، وتركز على أولويات الناس في الجانب الاقتصادي، والمشاريع الملحة للغاية، حتى يشعر الناس بأثر هذا الدعم بشكل مباشر، إذ إن العمل الجاد والأوعية السليمة والملحة، وتوجيه الدعم لما ينبغي سينعكس على الناس والاقتصاد بشكل متسارع».
ويبدي البيل خشيته من أن تجد الحكومة اليمنية نفسها أمام سخط شعبي كبير إذا لم تقم بواجبها كما هو مطلوب منها، كما يحذر من دخول البلاد في أعطال تاريخية يصعب ترميمها، وفق قوله.
منطلق جديد للإصلاحات
يعلق المحلل والباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي على أهمية استثمار الدعم السعودي الجديد من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لجهة تحقيق الإصلاحات الاقتصادية.
ويشير المساجدي إلى أن هذا الدعم السعودي الجديد جاء في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها الشرعية اليمنية مع احتدام الصراع على الشق الاقتصادي، حيث كانت الميليشيات الحوثية تتعمد الضغط على الحكومة بتجفيف مصادرها المالية والاقتصادية، بعد توقيف تصدير النفط، ومنع دخول الغاز المنزلي من مأرب إلى مناطق سيطرتها، وإجبار التجار على الاستيراد عبر ميناء الحديدة لحرمان الحكومة من موارد كبيرة.
ويضيف أن الميليشيات تسعى في ظل هذه الظروف للحصول على مزيد من التنازلات من الشرعية، والضغط عليها لإيصالها لمرحلة العجز عن الوفاء بالتزاماتها.
الدعم السعودي الجديد مخصص لمساندة الموازنة اليمنية والاحتياجات الملحة (واس)
ويرى المساجدي أنه من الضرورة أن يتخذ مجلس القيادة الرئاسي والحكومة من هذا الدعم الجديد منطلقاً نحو تحقيق واقع جديد، في مجالات عدة، وعلى رأسها إنهاء أي انقسامات سياسية تؤثر على النواحي المالية والاقتصادية للبلد في المناطق المحررة، وترسيخ وجود الدولة بكل مؤسساتها، واستكمال تطبيق برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي الموقع مع صندوق النقد العربي، وإصلاح السياسة المالية، من خلال غرفة عمليات مشتركة بين السلطة المركزية والسلطات المحلية، لفرض إجراءات إدارية استثنائية تتجاوز أي بيروقراطية أو تأخير في وصول الإيرادات أو توريدها للحسابات الخاصة بها في البنك المركزي اليمني في عدن.
ولا يخفي المساجدي مخاوفه من أنه لن يكون لهذا الدعم السعودي أي أثر إذا استمرت الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي في التعامل مع الأوضاع بالآلية نفسها التي كانت عليها قبل توقف تصدير النفط، وفق تعبيره.
ويعنى ذلك - والحديث للمساجدي - ضرورة تطوير آلية لحشد الإيرادات لتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يغطي نفقات البابين الأول والثاني من الموازنة العامة للدولة، مع تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والإعلان عن البيانات المالية بشكل دوري والعمل وفق موازنة عامة، تتم مراقبتها من قبل البرلمان.
كما يرى ضرورة إصلاح مجال الخدمات، خاصة الكهرباء واستخدام جزء من الدعم السعودي في تسديد التزامات هذا القطاع سواء فيما يتعلق بشراء الوقود أو صيانة المحطات أو دفع أقساط عقود الطاقة.
(الشرق الاوسط)
التعليقات