ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

التصعيد الأميركي الإيراني والأزمة اليمنية

فرض الموقع الجيوسياسي لليمن مركزيته في معادلة تأمين التجارة العالمية، الأمر الذي جعله ساحة نشطة لتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية وتنافساتها. ومع اتفاق المجتمع الدولي، على استمرار تطويق الحرب، فإن تصاعد حدّة التوترات في المنطقة، وكذلك التنافس الدولي والإقليمي على السيطرة على الممرّات المائية قد ينتقل الى الممرّات التي يشرف عليها اليمن، بما في ذلك استثماره منصّات محتملة للتهديد.

أفضى تدويل الموقع البحري لليمن، جرّاء حالة الحرب، إلى تقويض استعادة اليمن على المدى البعيد سيادته ومن ثم إشرافه على مياهه الإقليمية، وكذلك الممرّات التي يطلّ عليها، مقابل تثبيت وضع دائم، يتمثّل بتكريس هيمنة قوى دولية وإقليمية مختلفة، إلى جانب اجتزاء المعادلة البحرية لليمن، وترتيبها وفق نطاقات جغرافية تعزّز من سيطرته ومراكز نفوذه. فمن جهة، تهيمن الولايات المتحدة على المياه الإقليمية والممرّات التي يطلّ عليها اليمن، ويتّسع مسرح عملياتها غرباً بتأمين مضيق باب المندب، من خلال قواعدها العسكرية في بعض دول القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر، وكذلك الهيئات الأممية في مدينة الحديدة، إلى تأمين السواحل الجنوبية والشرقية لليمن الذي يدخل في نطاق عمليات أسطولها الخامس، وتركّزت مهمتها، بوصفها قوة عظمى، بتأمين حركة التجارة العالمية وحماية مصالحها، إلى جانب مراقبة سريان حظر تدفّق الأسلحة الإيرانية الى جماعة الحوثي في اليمن، وفقاً للقرارات الأممية ذات الصلة. إلى جانب أميركا، تنشط القوات البحرية البريطانية، وكذلك المنظمات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي. إقليمياً، تتوزّع القوى المتدخلة في اليمن في الموانئ اليمنية، بشكلٍ مباشر أو من خلال وكلائها. فإلى جانب السعودية، التي تحضر في الموانئ الشرقية، تمركز الإمارات وجودها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من جزيرة سقطرى على المحيط الهندي، إلى باب المندب غرباً. كرّس هذا الواقع تحوّل الممرّات والمياه الإقليمية إلى مجال حيوي لنشاط اللاعبين الدوليين، والمتدخّلين الإقليميين، إلى جانب نقل الصراع إلى البحر، من الوكلاء.

ومع أن تغيّر مسار الحرب في اليمن، وتحديداً إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قد حجّم المخاطر التي تنطلق من اليمن، وتستهدف الملاحة العالمية، من خلال توقّف هجمات جماعة الحوثي ضد السفن التجارية، وإن ركّزت نشاطها في استهداف موانئ تصدير النفط الخاضعة لسلطة خصومها المحليين، فإن هناك معطيات متغيّرة في الوقت الحالي تتجاوز الحالة اليمنية، وإن ألقت بظلالها عليها بشكل أو بآخر، من تنافس القوى الدولية والإقليمية على مصادر الطاقة وتأمينها، إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها تحدّيات ترسيم مناطق النفوذ في نظام دولي متق

 

شكّل تصاعد التوترات الاميركية – الإيرانية، أخيراً، متغيّراً سياسياً وعسكرياً في منطقة الخليج، ومن ثم تقويض لحالة التهدئة، إذ إن هذه المتغيّرات، وإن أتت في سياق الأولويات الحيوية للولايات المتحدة في هذه المرحلة من تثبيت موقعها شرطي العالم، إلى تأمين الممرّات العالمية، وتحديداً إمدادات النفط مقابل تطويق منافسيها، فإنها عكست تناقضات السياسة الخارجية لحكومة الديمقراطيين، من تبنّي الخيار الدبلوماسي مع إيران، إلى سياسة الردع، إذ إن تعزيز أميركا أسطولها الخامس بقوة بحرية من ثلاثة آلاف من المشاة، وإن أتى بغطاء وقف هجمات إيران على ناقلات النفط في مضيق هرمز، فإنه يصعّد من احتمالات المواجهة الذي يعني الإضرار بحركة التجارة العالمية، ومن ثم قد يعوق تدفقات السلع والوقود. بيد أن الولايات المتحدة التي فقدت ثقلها التاريخي على حلفائها في الخليج، لصالح منافسها الصيني، تسعى إلى استعادة نفوذها في منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة إليها، وذلك برفع مستويات التهديد في المنطقة، وتصدير إيران مصدراً لهذا التهديد.

ولأن إيران دولة متدخّلة في اليمن، بشكل غير مباشر، من خلال نفوذها على وكيلها جماعة الحوثي، فإن الإدارة الأميركية واكبت تحوّلات سياستها الجديدة حيال إيران في المنطقة بإجراءات تحقّق مستوى من العزل لتدخّلاتها في اليمن، من خلال مسارين: أمني، بالاستمرار في ترتيب وضع خاص للممرّات المائية جرّاء غياب سلطة مركزية ينقلها إلى سلطتها الفعلية، إشرافاً ورقابة، إلى جانب تعزيز الرقابة البحرية بالمضي في إنشاء المركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية في عدن، وإن موّلته السفارة البريطانية. ومسار سياسي دبلوماسي: الدفع باستقرار الحالة العسكرية، وذلك بإعادة ارسال مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندر كينغ إلى منطقة الخليج، وتضمّن تحريك القنوات السياسية من عقد لقاءات مع مسؤولين عُمانيين، إلى عقد لقاءات بين المبعوث الأممي وقيادات حوثية في عُمان، بهدف تحييد جماعة الحوثي في المعركة الأميركية الأوروبية لتطويق نشاط إيران في المنطقة. في المقابل، تكيّف إيران التي تواجه أزمات داخلية واقتصادية خانقة خياراتها في هذه المرحلة بمواجهة التصعيد الأميركي والتحايل على العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك حظر بيع النفط، مقابل الحفاظ على علاقتها بدول الخليج، وإنْ تصاعدت التوترات مع السعودية والكويت على حقوق ملكية حقل الدرّة، فيما تدير الملفّ اليمني بتثبيت التهدئة خياراً، وإن منحت وكيلها مساحة للمناورة، ومن ثم الضغط.

تحضُر جماعة الحوثي في خط التوترات الأميركية - الإيرانية في منطقة الخليج، وإنْ على مستوى ثانوي. فباعتبارها وكيلاً محلياً، تتشارك أيديولوجياً، ومن ثم سياسياً، مع خطاب إيران المعادي لأميركا، بيد أنها، على عكس إيران، لا تمتلك أدوات لمواجهة أميركا، تؤهلها للقيام بدور فاعل في حال تصاعُد المواجهة بين واشنطن وطهران. فعلى الصعيد العسكري، تفتقر جماعة الحوثي إلى قوة بحرية حقيقية، وكذلك بنية تحتية مواتية، إذ إن الزوارق البحرية المفخّخة والألغام البحرية المضادّة للسفن التي استخدمتها الجماعة في هجماتها على السفن في السنوات الأولى من الحرب، وإن حقّقت قدراً من الخسائر، إلا أن الجماعة اعتمدت على القوة الصاروخية في المقام الأول من المسيّرات إلى الصواريخ الباليستية لتنفيذ أهداف بعيدة المدى. وعلى الصعيد السيادي، وإن عوّلت الجماعة على سيطرتها على ميناء الحديدة والموانئ التابعة لها، منصة لتنفيذ هجماتٍ محتملة، فإن هذه النطاقات تخضع لسلطة الأمم المتحدة، حيث تتولّى البعثة الأممية "أونمها" مهمّة رقابية على الموانئ والجزر اليمنية من مراقبة خطوط جبهات المتقاتلين إلى التحرّكات العسكرية والاستحداثات، ما يعني تعطيل أي نشاط عسكري محتمل للجماعة. وفيما حاولت الجماعة تمتين علاقتها العسكرية، وأيضاً السياسية، ببعض الدول الأفريقية التي تطل على البحر الأحمر، وخصوصاً التي تمتلك إيران نفوذاً فيها، كأريتريا، بهدف تشكيل تكتل مناوئ لأميركا وحلفائها في المنطقة، إلى جانب توثيق شكل من التحالفات مع الجماعات المسلحة المتمرّدة، واستخدامها لتهريب الأسلحة وكذلك الوقود، واستقدام مقاتلين أفارقة إلى المناطق الخاضعة لها، فإن هذه الوسائل لم تعد مُجدية في ظل استقرار الحالة العسكرية في اليمن، والتفاهمات الدولية بخصوص الملفّ اليمني، إلى جانب إجراءات الرقابة على الممرّات المائية. لذلك، تعوّل الجماعة على توظيف التوترات بين أميركا وحليفها الإيراني لحلحلة ازماتها الداخلية، سياسياً، والأهم اقتصادياً.

استعارة معارك الآخرين، وفي هذه الحالة معركة حليفها، خيار ملائم لجماعة الحوثي في هذا التوقيت، للتهرّب من أزماتها الداخلية، وقبلها التحايل على مسؤوليتها أمام المواطنين، إذ إن تعطيل الخيار العسكري الشامل الذي كانت تعوّل عليه الجماعة لتحشيد المجتمع، ومن ثم إلهاؤه عن المطالبة بحقوقه، جعلها في مواجهة سخط شعبي جرّاء تردّي الأوضاع الاقتصادية. ومن جهة ثانية، نقل انسداد التفاهمات السياسية غير المباشرة مع السعودية مشكلة دفع رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لها إلى مسؤوليتها، بحيث تضاعفت الضغوط الشعبية للمطالبة بدفع رواتب موظفي الدولة. فعلى الرغم من لجوء الجماعة إلى إجراءاتها المعتادة في إدارة الازمات، من تحميل المواطنين أعباءها، بإضافة رسوم إلى فواتير الكهرباء والإنترنت والغاز لصندوق دعم المعلم، إلى حملات الاعتقالات وتقييد وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه الإجراءات القهرية لم تحِدّ من تنامي سخط الموظفين على استمرار وقف رواتبهم، وتحديداً المعلمين، إذ أضربت عدة مدارس حكومية في صنعاء أول مرة منذ سيطرة الجماعة على العاصمة، ومن ثم وجدت الجماعة في تصاعد التوترات الأميركية الإيرانية فرصة لتوجيه المجتمع نحو عدوّ متربّص، إلى جانب اختراق حالة التقييد التي تواجهها من حليفها، وذلك بالتزام الجماعة التهدئة السياسية، بحيث أعادت تصدير نفسها قوة مناوئة لأميركا، ولهيمنتها على الموانئ والممرّات التي تشرف عليها اليمن، ومع أن تطبيع حليفها الإيراني علاقته بالسعودية حرم الجماعة الضغط على السعودية عسكرياً، فإنها ضاعفت من مستويات التعبئة السياسية والدينية ضد السعودية والإمارات وتحميلهما مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية في مناطقها، إلى تلويحها بالقوة العسكرية بدءاً باستعراض قواتها البحرية، والتهديد باستئناف هجماتها على الموانئ الخاضعة لخصومها، ومضاعفة إجراءاتها الجمركية لتقييد حركة التجارة الداخلية، ومن ثم تأكيد هدفها الاستراتيجي في الشراكة في معادلة الثروات النفطية سلماً أو حرباً، في مقابل، وهذا الأهم، إدارة المعركة مع أميركا في سياقٍ يخدم مصالحها، وذلك بالاعتماد على الدبلوماسية العُمانية لفتح قنوات مباشرة مع أميركا، لتذليل اشتراطات الجماعة على السعودية، وتحديداً اقتسام الثروات النفطية، وتأمين دفع رواتب موظفي الدولة. ومع أن نتائج هذا المسار السياسي يبدو طويلاً وتعوقه تضاربات مصالح الشركاء قبل الخصوم أنفسهم، تراهن الجماعة على المدى الذي ستذهب فيه أميركا لمواجهة إيران في منطقة الخليج، والخيارات التي قد تلجأ لها لاستمرار تجميد الحرب في اليمن.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.