تعرف على جهاز الموساد الإسرائيلي وما أبرز عملياته؟
نفّذت إسرائيل منذ قيامها عام 1948، عبر أجهزة مخابراتها التي تُعرف بالموساد، ما لا يقل عن 2700 عملية اغتيال بمعدل 38 عملية سنوياً، لعديد من القادة والنشطاء والمفكرين الفلسطينيين والعرب في العديد من الدول حول العالم، منها دول عربية على غرار تونس وسوريا ولبنان، وفق ما ذكره المحلل الاستخباري الإسرائيلي رونين بيرغمان، في كتابه "قم واقتل أولاً".
ويعمل الموساد خارج إسرائيل، فيما يعمل جهاز استخباراتي آخر، في الداخل (بالإضافة للضفة الغربية وغزة)، ويحمل اسم "الشاباك" الذي يتولى مسؤولية عمليات الاغتيال داخل الأراضي الفلسطينية.
وتمثل اغتيالات الموساد الإسرائيلي تجاوزاً صارخاً للأعراف الدبلوماسية، وخرقاً معلناً للقانون الإنساني الدولي، خصوصاً أنها لا تزال ماضية في انتهاج هذه السياسة لتصفية خصومها إلى اليوم؛ حيث كان أحدثها ليلة الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024؛ باغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واثنين من قادة كتائب القسام، في هجوم بالضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت.
ما هو جهاز الموساد الإسرائيلي؟
الموساد هو جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، وهي كلمة عبرية تعني "هيئة تنسيق" باللغة العربية.
تأسس الموساد في ديسمبر/كانون الأول عام 1949 من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، بهدف "إقامة هيئة مركزية لتنسيق نشاطات أجهزة الأمن والاستخبارات".
ويقوم هذا الجهاز على تجميع المعلومات وتنفيذ المهمات السريّة والعمليّات الخاصة خارج إسرائيل بتوجيه من القيادات الإسرائيلية، كما تقوم إسرائيل من خلاله بإحباط النشاطات التي لا تتناسب مع سياساتها.
ويخضع الموساد لمسؤولية رئيس الحكومة الإسرائيلية مباشرة، ويقع مقره الرئيسي في تل أبيب، وتحديداً في مفترق جليلوت.
تاريخ الموساد ودوره السياسي في إسرائيل
بدأ الموساد عمله عام 1937 كمنظمة للهجرة غير الشرعية، وذلك قبل تأسيسه بشكل قانوني. وعملت على تحقيق هذا الهدف مجموعة من الضباط والإداريين في قسم التحقيقات في مجموعات الهاغاناه.
وكان هدفهم جمع المعلومات وإقامة علاقات خارجية مع الجاليات اليهودية والحكومات ووكالات المخابرات الأجنبية، وتنظيم هجرة اليهود إلى فلسطين، وهي عملية استمرت إلى إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو/أيار 1948.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 1949 أقر رئيس حكومة الاحتلال ديفيد بن غوريون تشكيل مؤسسة لتجميع وتنسيق خدمات الاستخبارات والأمن، خلال هذه الفترة، كانت المسؤولية الأساسية للجهاز هي التعاون مع مؤسسات المخابرات والأمن الأخرى، وهي مديرية مخابرات الجيش (أمان) وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وفق موقع FRANCK.
في مارس/آذار 1951 أعيد تنظيم جهاز الموساد ليصبح الذراع الخارجية لاستخبارات إسرائيل، ويشرف عليه بشكل رسمي مكتب رئيس الوزراء.
كيف يشكّل الموساد سياسة إسرائيل؟
يرتكز نشاط الموساد على ثلاث نقاط رئيسية:
- جمع المعلومات في مختلف المجالات كالسياسة والعسكرة والأمن في مختلف أنحاء العالم.
- تنفيذ عمليات خاصة خارج إسرائيل، وقد نفَّذ الموساد كثيراً من عمليات الاغتيال في هذا السياق.
- تقديم توصيات وتقارير إلى الجهات الرسمية السياسية والأمنية في إسرائيل انطلاقاً من البحوث والتعليمات التي جمعها.
هيكلة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد":
يضم الموساد ستة أقسام رئيسية، على الرغم من أن بعض تفاصيل التنظيم الداخلي للجهاز لا تزال غامضة.
- إدارة تحصيل المعلومات: هي الإدارة الأكبر في جهاز الموساد، والمسؤولة عن عمليات التجسس، ولها مكاتب في الخارج تحت غطاء دبلوماسي وغير رسمي.
يتكون القسم من عدد من المكاتب المسؤولة عن مناطق جغرافية محددة، كما من مشمولاته توجيه الضباط حول العالم.
- الإدارة السياسية: يختصّ هذا القسم بإجراء اتصالات مع أجهزة المخابرات الأجنبية الصديقة ومع الدول التي لا تقيم معها إسرائيل علاقات دبلوماسية طبيعية.
في محطات الموساد الكبرى، مثل باريس، يكون للموساد تحت غطاء السفارة مراقبان إقليميان: أحدهما لخدمة قسم تجميع المعلومات، والآخر لإدارة العمل السياسي والاتصال.
- قسم العمليات: يقوم قسم العمليات الخاصة، بتنفيذ مشاريع الخطف والاغتيالات والعمليات شبه العسكرية ضمن إطار استراتيجي لإسرائيل.
- قسم الحرب النفسية: وهو القسم المسؤول عن عمليات الحرب النفسية والدعاية والمغالطات الإعلامية لترويج الرواية الإسرائيلية.
- قسم الأبحاث المسؤول عن إنتاج المعلومات الاستخبارية، وضمن ذلك تقارير الحالة اليومية للمستهدفين والملخصات الأسبوعية والتقارير الشهرية التفصيلية.
يتوزع القسم على 15 مكتباً متخصصاً جغرافياً، وضمن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية والصين وأفريقيا والمغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس) وليبيا والعراق..
– قسم التكنولوجيا المسؤول عن تطوير التقنيات لدعم عمليات الموساد.
إضافة إلى ذلك، يدير الموساد مدرسة لتدريب المندوبين والعملاء في مدينة حيفا، حيث يتعلمون قواعد العمل السري والأمور المتعلقة بالأنشطة التجسسية.
كما يمتلك جهاز الموساد العديد من الشركات التجارية الوهمية حول العالم، وهي شركات جوفاء بعناوين وأرقام تسجيل تجارية، وكشوف ضريبية سليمة، ولكن الغاية الحقيقية من إنشائها هي استخدامها كغطاء أمني لأنشطة الموساد.
رؤساء الموساد الإسرائيلي:
منذ تأسيس الموساد، كان اسم رئيسه سراً ولم يسمح القانون بالكشف عنه..
وفي عام 1996، أُعلن للمرة الأولى عن اسم رئيس الموساد بشكل رسمي، وكان اسمه داني يتوم.
في شهر سبتمبر/أيلول 2015، أعلن رئيس الموساد أن نسبة النساء في الموساد تبلغ 40%، وأن 24% منهن يشغلن مناصب رفيعة، وأوضح أيضاً أن 23% من موظفي الموساد تتراوح أعمارهم بين 22 و32 سنة.
وقد عُيّنت عديد من الشخصيات لرئاسة الموساد منذ تأسيسه، نستعرض بعضهم:
1. رؤوبين شيلواح (1949-1952): أول من تولى رئاسة الموساد.
2. إيسار هرئيل (1953-1963): حقّق تقدماً كبيراً في تطوير الموساد.
3. مئير عميت (1963-1968).
4. تسفي زامير (1968-1974).
5. يتسحاق حوفي (1974-1982).
6. ناحوم أدموني (1982-1989).
7. شبتاي شافيت (1989-1996).
8. داني ياتوم (1996-1998).
9. أفرايم هليفي (1998-2002).
10. مئير داغان (2002-2010).
11. تمير باردو (2010-2016).
12. ديفيد برنياع (2016-2021).
13. ديفيد بارنيع (2021-حتى الآن).
ويشار إلى أنّ هويّة هؤلاء الرؤساء لم تكشف إلا بعد انتهاء فترة خدمتهم.
رواتب عملاء الاستخبارات الإسرائيلية:
يتراوح راتب عميل المخابرات الإسرائيلية شهرياً بين 30 و60 شيكلاً شهرياً، وذلك بمتوسط 1.5 شيكل يومياً، أي ما يقلّ عن نصف دولار، بحسب دراسة أعدها موقع "المجد" الأمني التابع لحركة حماس. هذه المبالغ التي لا تتجاوز تكلفة وجبة فطور، تصنفها إسرائيل على أنها مكافآت وحوافز من المخابرات.
ورغم التقدم التكنولوجي الذي تتبجح به إسرائيل، فإنها ما تزال تعتمد بشكل كبير على العملاء لدى أجهزة استخباراتها لتأكيد أو نفي المعلومات الواردة عنها.
اغتيالات نفّذها الموساد الإسرائيلي في الدول العربية
إغتيال عباس الموسوي في لبنان
وُلد عباس الموسوي سنة 1952 في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية لبيروت.
شارك في تأسيس "تجمع علماء المسلمين" في البقاع عام 1979، واشتهر بنشاطه الدعوي وسط الشيعة في الجنوب، لا يترك خطاباً إلا ويذكّر فيه بضرورة القضاء على الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، الذي كان يُطلق عليه "الغدة السرطانية الإسرائيلية في خاصرة الوطن الكبير".
عام 1991 تقلّد عباس الموسوي منصب الأمين العام لحزب الله اللبناني، غير أنه لم يستمرّ في منصبه لأكثر من 9 أشهر، فقد اغتالته إسرائيل يوم 16 فبراير/شباط 1992 بقصف مروحيات إسرائيلية بعد ساعات من خطاب مؤثر ألقاه في بلدة "جبشيت" بجنوب لبنان في ذكرى استشهاد أحد أفراد الحزب.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، بدأ الموساد الإسرائيلي مرحلة جديدة من تصاعد العمل المسلح، الذي قادته الفصائل الفلسطينية.
وبقيادة أرئيل شارون اغتالت إسرائيل العشرات من قادة الفصائل ونشطاء الانتفاضة أبرزهم: زعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وخليفته في غزة عبد العزيز الرنتيسي، والأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، والقياديان في حماس: إسماعيل أبو شنب وإبراهيم المقادمة، وجمال منصور، وجمال سليم.
كما اغتالت عشرات القادة العسكريين، وأبرزهم قادة كتائب القسام والأقصى: صلاح شحادة، وعدنان الغول، ومحمود أبو الهنود، ورائد الكرمي، وجهاد العمارين.
اغتيال محمد الزواري مهندس طائرات حماس المسيّرة
قام جهاز المخابرات الإسرائيلي باغتيال المهندس التونسي محمد الزواري 15 في ديسمبر/كانون الأول 2016.
والزواري هو أحد عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأحد قادتها الذين أشرفوا على مشروع "طائرات الأبابيل"، وهي طائرة صغيرة من دون طيار أعلنت عنها "القسام"، خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف عام 2014.
وبحسب وزارة الداخلية التونسية، تم اغتيال الزواري على يد مسلحين مجهولين، بمدينة صفاقس.
محمود المبحوح قائد كتائب عز الدين القسام
أعلنت شرطة دبي في دولة الإمارات عن اغتيال محمود المبحوح أحد قادة كتائب عز الدين القسام، في 19 يناير/كانون الثاني من عام 2010 في غرفته بأحد الفنادق بالمدينة، في عملية يشتبه بأنها من تدبير إسرائيل، ما أثار حينها غضباً دبلوماسياً كبيراً.
وقد كانت إسرائيل تتهم المبحوح بالوقوف وراء خطف وقتل جنديين إسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والمسؤولية عن تهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة.
وبعد 5 سنوات من تنفيذ العملية نشرت القناة الثانية الإسرائيلية فيلماً قصيراً يوضح تفاصيل عملية اغتيال المبحوح، أشارت خلاله إلى وقوف "الموساد" وراءها.
وبحسب الفيلم، فإن الموساد استخدم في العملية شبكة اتصالات عالية التقنية بين المنفذين، كان مقرها العاصمة النمساوية فيينا، واستغرقت 22 دقيقة بحقن المبحوح بمادة أصابته بالشلل، توفي بعدها على الفور.
وحسب الرواية الإسرائيلية، كان المبحوح "المطلوب الأول للجيش الإسرائيلي"، وبيّنت أن الموساد حاول في أكثر من مرة اغتياله.
يد الموساد الإسرائيلي تطال خليل الوزير في منزله
قام جهاز الموساد الإسرائيلي باغتيال خليل الوزير في 16 أبريل/نيسان 1988، الرجل الثاني في حركة التحرير "فتح" في منزله في العاصمة التونسية.
وقد تم في ليلة الاغتيال إنزال "24" عنصراً مدرباً من الموساد الإسرائيلي، قرابة الشواطئ التونسية، وتسللوا إلى منزله، في ضاحية سيدي بوسعيد، وقاموا بتفجير أبوابه بحسب الرواية الإسرائيلية.
كما ذكرت بعض التقارير أنه تم إنزال العناصر بواسطة أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية، ووجدت في الأجواء طائرتان عموديتان للمساندة.
وتقول الرواية نفسها إن الجنود الـ"24″ قاموا باستئجار سيارات أجرة تابعة للموساد، بعد إنزالهم على الشاطئ، وتوجهوا إلى منزل الوزير الذي يبعد عن نقطة الإنزال 500 كيلومتر.
دُفن "الوزير" في مدينة دمشق بسوريا، وتم تشييعه في جنازة حاشدة.
وغالباً، تتملص إسرائيل من مسؤوليتها في عمليات الاغتيال التي قامت بها في حق القادة الفلسطينيين والعرب، ويأتي عادة الاعتراف عبر صحفيين وكُتاب ووسائل إعلام إسرائيلية، بعد سنوات من التصفية.
عمليات الموساد الإسرائيلي الفاشلة
تسميم خالد مشعل
تورط الموساد الإسرائيلي في محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس الدائرة السياسية لحركة (حماس) في عمان في 25 سبتمبر/أيلول من العام 1997.
ووفق مركز مدار للدراسات الإسرائيلية قام عميلان من الموساد الإسرائيلي يحملان جوازي سفر كنديين مزورين بحقن مشعل بِسُم قاتل وأُلقي القبض على الاثنين، ولما عرفت هويتهما أعلن الملك حسين أن الاثنين سيعدمان في حال وفاة مشعل، عندها اضطر نتنياهو إلى إرسال رئيس الموساد داني يتوم إلى عمان ليقدم المعادلة الشافية لمشعل في المستشفى ويحاول حلّ القضية مع الملك حسين نفسه.
محمد الضيف رأس الهرم الذي لم تقدر إسرائيل على الإطاحة به
حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي الثلاثاء 18 مايو/أيار 2021، اغتيال محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لكتائب "القسام"، مرتين على الأقل خلال 10 أيام من العدوان على قطاع غزة، محاولة أكدت صحف إسرائيلية أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية تعتقد أنه نجا منها بنجاح.
وحسب صحيفة The Times of Israel، فإن آخر الضربات التي استهدفت الضيف، كانت يوم الإثنين 17 مايو/أيار، مشددة على أن هذه المعلومات تم السماح لنشرها الآن فقط.
كما يعتقد الاحتلال، وفق المصدر نفسه، أن الضيف أصيب في عدة محاولات اغتيال إسرائيلية سابقة، فيما قُتلت إحدى زوجاته واثنان من أطفاله في محاولة إسرائيلية لاغتياله خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في عام 2014.
فشل اغتيال علي حسن سلامة
كان علي حسن سلامة ضابطاً تؤرق قدراته الأمنية والعسكرية إسرائيل، وقد رافق ياسر عرفات، وكان مسؤولاً عن أمنه منذ يوليو/تموز 1968، كما قاد جهاز الرصد الثوري لحركة فتح، وهو فرع المخابرات التابع للحركة في الأردن.
وقاد حسن سلامة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم انطلاقاً من لبنان عام 1970، وقاد "الفرقة 17" التي ضمت عدة وحدات أمنية وعسكرية تابعة لحركة فتح، وربطته علاقات ثقة مع مختلف الفصائل والأطراف السياسية والعسكرية في لبنان، وأسندت له مهمة التفاوض مع الأطراف المسيحية ببيروت الشرقية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) لعلاقته الجيدة بهم.
كان علي حسن سلامة في بيروت، حين اعتقدت جاسوسة إسرائيلية تسمى "أمينة المفتي" أو "آني موشيه بيراد"، أنها استطاعت تحديد مكانه، حتى إنها بدت شديدة الاستغراب والارتباك حين علمت بفضيحة محاولة الاغتيال الفاشلة في النرويج لرجل كانت تعرف أنه في بيروت؛ حيث لم يكن المغدور به سوى نادل مغربي، يقيم ويعمل في بلدة نرويجية صغيرة، ذنبه الوحيد أنه علي حسن سلامة المطلوب الأول للموساد، والمسجل على رأس لائحة فرقة "كيدون" للاغتيالات في ذلك الوقت.
(عربي بوست)
التعليقات