يعود تاريخه إلى القرن الـ16.. رئيس الوزراء الهندي يدشن معبداً هندوسياً على أنقاض مسجد بابر التاريخي
عندما اقتحم المتطرفون الهندوس مسجداً يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر في مدينة واقعة على نهر الهند ودمروه تماماً في عام 1992، أرعبت عملية الهدم زعماء الهند، وأشعلت أعمال شغب بدافع ديني أسفرت عن مقتل 2000 شخص في جميع أنحاء البلاد، ودفعت زعماء حزب بهاراتيا جاناتا، المتهمين بتحريض الغوغاء للاعتذار والتعبير عن أسفهم.
لكن يوم الإثنين 22 يناير/كانون الثاني 2024، عندما افتتح رئيس الوزراء ناريندرا مودي معبداً هندوسياً كبيراً على أنقاض المسجد التاريخي، لم يتحدث عن الندم، بل عن "العدالة المُحقَّقة واستعادة الفخر، وعن حقبة جديدة مجيدة تنتظر أتباع اللورد رام مثله".
تدشين مودي معبداً هندوسياً على أنقاض مسجد يتوِّج سنوات من اضطهاد المسلمين
بعد مرور 32 عاماً على هدم مسجد بابر في حدث كارثي في التاريخ الهندي، لم يكن تدشين معبد هندوسي بقيمة 300 مليون دولار على الموقع المتنازع عليه، الذي يعتقد الكثير من الهندوس أنه مسقط رأس اللورد رام، مجرد انتصار سياسي شخصي لمودي، بل شكَّل أيضاً انتصاراً لأيديولوجيته القومية الهندوسية على الرؤية العلمانية المتعددة الثقافات التي تبناها مؤسِّسو الهند٬ كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقال مودي في كلمة ألقاها بعد خروجه من الحرم الداخلي المزخرف للضريح، حيث صلى بجانب الكهنة لبث الروح في المعبد المبنيّ على أنقاض المسجد التاريخي: "يجب ألا ننحني بعد الآن".
ومع قبة شاهقة يبلغ ارتفاعها 160 قدماً (48.7 متر) وأراضٍ تمتد على مساحة 71 فداناً، يمثل مشروع المعبد لحظة مهمة في الهند. وسبق تدشينه أسابيع من التغطية الشاملة على القنوات التلفزيونية الموالية للحكومة وخطب حماسية ألقاها ساسة حزب بهاراتيا جاناتا، الذين وصفوا المعبد بأنه رمز للهند الجديدة الفخورة بأنَّ الهندوسية تغمرها؛ حيث 80% من السكان يعتنقونها.
وقال راجافان جاغاناثان، وهو مذيع من تيار اليمين الهندي، إنَّ التغطية المكثفة وصلاة رئيس الوزراء بالمعبد يظهران أهمية افتتاحه للمشاعر الهندوسية بعد قرون من الحكمين الإسلامي والبريطاني وعقود من "كراهية الذات" في ظل حكم زعماء الهند المستقلة الأوائل الذين شددوا على العلمانية.
وقال جاغاناثان، مؤلف كتاب "Dharmic Nation -أمة الدارمية"، وهو كتاب يشدد على الطابع القومي الديني للهند: "هذا المعبد هو حفل خروج للهندوس الذين يقولون: أخيراً نستطيع أن نصير هندوس دون خوف".
عهد جديد يدشنه مودي في الهند الهندوسية
لكن المنتقدين يخشون من أنَّ الاحتفالات الدينية التي تشجعها الدولة -والحديث عن التفوق الهندوسي والانتقام التاريخي- أظهرت كيف انحرفت الهند في عهد مودي عن رؤية أولئك الذين ناضلوا من أجل الحرية مثل غاندي، المدافع عن حقوق الأقليات، الذي كثيراً ما دافع عن سلامة حقوق المواطنين المسلمين عندما اندلعت أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين٬ كما تقول "واشنطن بوست".
وقال نيلانجان موخوبادهياي، كاتب سيرة مودي، إنَّ حدث يوم الإثنين، 18 يناير/كانون الثاني، يمثل "عصراً يكون فيه رئيس الوزراء هو الكاهن الأكبر للهندوسية؛ مما يطمس جميع الخطوط بين الدين والسياسة من ناحية، وبين الدين والدولة الهندية من ناحية أخرى".
وأضاف موخوبادهياي: "نحن في طريقنا لنكون دولة ثيوقراطية بحكم الأمر الواقع، حيث الهندوسية هي الديانة الرسمية. وسيكون من الصعب جداً على البلاد وأقلياتها الدينية العودة إلى ما كانت تعيشه قبل عام 2014".
منذ انتخاب مودي في ذلك العام، ضغطت الجماعات القومية الهندوسية، التي صارت أكثر جرأة، لإصدار تشريعات تحبط الزواج بين الأديان وتقمع الممارسات الثقافية الإسلامية. وتزايدت التقارير عن جرائم الكراهية ضد المسلمين. وفي الوقت نفسه، صار مودي الزعيم الأقوى والأكثر شعبية منذ عقود من الزمن، ويرجع ذلك تطرفه نحو الهندوسية واضطهاد المسلمين.
سعار انتخابي هندوسي.. والمسلمون في الهند ضحيته
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يمنح تدشين المعبد مودي دفعة قبل الانتخابات الوطنية المتوقعة في أبريل/نيسان، التي من المرجح بشدة أن يفوز فيها بولاية ثالثة. وقاطعت العديد من أحزاب المعارضة حدث يوم الإثنين 18 يناير/كانون الثاني، ووبَّخ بعض اللاهوتيين الهندوس رفيعي المستوى، المعروفين باسم شانكاراتشارياس، رئيس الوزراء لتدشينه معبداً غير مكتمل في انتهاك للكتاب المقدس الهندوسي وإقامة حدث ديني في الفترة التي تسبق الانتخابات.
وفي بعض النواحي، تسير قصة معبد رام المثير للجدل على خطى صعود الحركة القومية الهندوسية، وجناحها السياسي الأبرز، حزب بهاراتيا جاناتا، وجهودهم لتحويل الهند إلى دولة دينية.
في الثمانينيات، اكتسب حزب بهاراتيا جاناتا -الذي كان وقتها حزباً سياسياً هامشياً- زخماً وطنياً من خلال جعل ترميم المعبد قضية رئيسية؛ ما حفز الناخبين الهندوس للتصويت له. وادَّعى العديد من القوميين الهندوس أنَّ معبداً هندوسياً كان موجوداً في الموقع قبل أن يهدمه "الغزاة المسلمون" في القرن السادس عشر لإفساح المجال لبناء مسجد باسم بابر، مؤسس إمبراطورية المغول.
وبعدما تحدث قادة حزب بهاراتيا جاناتا عن ترميم المعبد خلال تجمع حاشد عبر البلاد عام 1990، الذي شارك مودي في تنظيمه -وكان وقتها عاملاً شاباً في الحزب- هدم حشد من الغوغاء مسجد بابر في 6 ديسمبر/كانون الأول 1992؛ ما أثار إدانات دولية واعتذارات من قادة حزب بهاراتيا جاناتا، الذين أعربوا عن ندمهم حينها.
لكن اليوم، يتصوَّر قادة حزب بهاراتيا جاناتا أنَّ مدينة أيوديا ستنمو إلى مركز أساسي للسياحة الدينية، ويقول المسؤولون إنَّ الحكومة ضخت بالفعل 3.5 مليار دولار في مشروعات تنموية تشمل طرقاً جديدة ومحطة للسكك الحديدية ومطاراً دولياً، تخدم المدينة التي يبلغ عدد سكانها 55000 نسمة فقط.
دعوات لهدم مساجد أخرى في الهند وإقامة معابد هندوسية على أنقاضها
وجدَّد نجاح مشروع معبد رام اليوم الزخم للقوميين الهندوس، الذين يقولون إنه يجب هدم المساجد الأخرى في جميع أنحاء البلاد وبناء معابد محلها لتصفية الحسابات التاريخية. وبالفعل، دعا الناشطون الهندوس إلى إجراء دراسات لفحص ما إذا كان المسجدان الرئيسيان في مدينتي فاراناسي وماثورا الشماليتين قد بُنيا فوق معابد سابقة دمرها "الغزاة المسلمون" – لمحاولة الوصول لحُجة تؤيد هدمهما.
وفي الأسبوع الماضي، دعا النائب عن حزب بهاراتيا جاناتا أنانتكومار هيغدي، إلى تدمير المساجد في جنوب الهند أيضاً بدافع "الانتقام". وقال هيغدي: "إذا لم ننتقم للأعوام الألف التي مضت، فيمكن للمجتمع الهندوسي القول بوضوح إنَّ دماءنا ليست دماء هندوسية".
وفي زقاق ضيق في مدينة أيوديا، وقف رجل مسن يدعى هيمانشو كومار ميهتا، الذي قطع مسافة 400 ميل (643.7 كيلومتر) على دراجة هوائية في سبعة أيام لزيارة المعبد لحظة افتتاحه، يفكر في الأهمية الكبيرة للنصب التذكاري الذي أقامه مودي في مكان قريب.
وقال ميهتا: "إنَّ راشترا الهندوسية صارت حتمية الآن"، في إشارة إلى قيام دولة هندوسية. وأضاف: "انتهى بناء المعبد. ومعبد ماثورا هو التالي. نحن نقاتل على كل الجبهات، ونفوز".
التعليقات