الحرب الاقتصادية في اليمن تعمّق الأزمة السياسية
جاءت القرارات الصادرة مؤخراً للبنك المركزي اليمني في عدن بإيقاف عمل خمسة من كبار البنوك اليمنية في عدن بالإضافة إلى إيقاف عمل عدد كبير من شبكات التحويل المالي، التي مقراتها الرئيسية صنعاء، لتمثل فصلا جديدًا من حرب اقتصادية تفاقم من أزمة البلد بوجوهها المختلفة في مقدمتها الأزمة السياسية.
واتخذ النبك المركزي بعدن قرارًا بإيقاف التعامل مع بنك التضامن وبنك الأمل وبنك اليمن والكويت وبنك الكريمي وبنك اليمن والبحرين الشامل وهي بنوك لها شبكات تحويل. كما علق عمل جميع شبكات التحويل التي مراكزها بصنعاء، ولم تتعامل مع الشبكة الموحدة الخاصة به، فيما لم يسمح البنك المركزي بصنعاء لشبكات التحويل التي مركزها عدن بالعمل في صنعاء، وأوقف عمل شبكتي القطيبي والبسيري.
الخبير الاقتصادي علي أحمد التويتي قال عن سبب اجراءات البنك المركزي الأخيرة: “بنك عدن أنشأ شبكة موحده، وأقفل كل الشبكات وأرغمها على التحويل عبر هذه الشبكة، وبنك صنعاء وجه البنوك والشركات بعدم التعامل مع هذه الشبكة. بنك عدن أوقف البنوك والشركات التي لم تتعامل مع الشبكة، مستنكرًا تدخل بنك صنعاء في مناطق نفوذه. طبعًا كل بنك يقول أنا المركز الرئيسي وكلمتي هي التي تمشي. هنا المتضرر أولا البنوك والشركات والصرافون الذين لديهم فروع هنا وهناك، وكذلك المواطن والتاجر الذي لهم مصالح بين مناطق نفوذ الحكومتين.”
وأضاف: “فاذا تم فعلا فصل العمل المصرفي بهذه الطريقة فأنها خطوه لقطع كل الروابط التي تربط الشعب الواحد لكي يصبح شعبين ودولتين ولم يتبق إلا ترسيم الحدود.”
خطوة خطيرة
فيما اعتبر الصحافي الاقتصادي، رضوان الهمداني، أن ما اتخذه البنك المركزي اليمني بعدن من قرارات تعزز من تشظي القطاع المصرفي في سياق ما يذهب اليه البلد في غمرة ما يعانيه من وضع كارثي على حد تعبيره.
وقال، لـ”القدس العربي”: “لم يوضح البنك المركزي في عدن طبيعة المخالفات التي ارتكبتها هذه البنوك حتى يقدم على هذه الخطوة. لكن أنا اعتبرها خطوة خطيرة، وتعزز من تشظي القطاع المصرفي المنهك أصلا”.
يرى الهمداني أن “هذه الخطوة ستؤدي إلى مفاقمة الأخطار الاقتصادية على البلد”.
واعتبر أن هذه “الخطوة الجديدة لن تقل مخاطرها عن قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، والذي كان واحدًا من أسوأ القرارات التي تم اتخاذها، وتسببت في كارثة انهيار العملة وفارق الصرف بين مناطق سيطرة الحوثي والشرعية”.
وقال: “واضح أن الجماعة في الحكومة الشرعية بعد أن عجزوا من الوصول إلى صنعاء يبحثون عن أي نصر شكلي دون حساب عواقبه الحقيقية”.
الطرفان مسؤولان
الصحافي الاقتصادي، عبد الحميد المساجدي، حمّل الطرفان مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية الانفصالية في البلد، متوقعًا أن تنتهي كل هذه الاجراءات ” بفصل كامل للنظام المصرفي بين ضفتي الصراع”.
وقال لـ”القدس العربي” إن “طرفي الصراع مسؤولان عن تعميق الإجراءات الانفصالية الاقتصادية بدءاً من الطباعة العبثية للعملة الوطنية وبشكل جديد، والذي مثل أولى خطوات الانفصال النقدي، وما تبعه من منع الحوثيين لتداول الطبعة الجديدة في مناطق سيطرتهم، وبالتالي أوجد سعرين مختلفين للعملة الوطنية، وضاعف من قيمة التحويلات ما بين مناطق سيطرة الحوثي والشرعية، ومن ثم الإجراءات الأحادية المتبادلة في إطار تنازع السياسة النقدية بين البنك الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية مع البنك الشرعي في عدن”.
ويرى المساجدي أن “جماعة الحوثي عبثت بالتحويلات المالية، وكانت هي المستفيد الأكبر من تحويلات المغتربين، والمساعدات الانسانية، ومستفيدة من شبكات التحويلات المالية التي تقع مراكزها الرئيسية في صنعاء، وأصدرت تعاميم لتوظيف شبكات الصرافة والتحويلات بما يؤثر على العرض من العملات الأجنبية سواء بمنع تداول الدولار الأزرق ومن ثم الأبيض، وبعدها منع تداولهما معا، بما يتناغم مع نسبة العرض المتوفر لديها من الدولار، في مقابل استمرار نزيف العملات الصعبة من مناطق الشرعية”.
وأشار إلى ما اعتبره “مشاركة بنوك تقع مراكزها الرئيسية في صنعاء في المزادات التي ينظمها البنك المركزي في عدن، وتحويل المبالغ التي تتحصل عليها لصالح توفير غطاء ائتماني لاستيراد شركات تقع مراكزها الرئيسية كذلك في صنعاء، وكان يمكن أن تتوجه هذه الشركات بطلب العملة الصعبة إلى الحوثيين فيما لو لم توفر لها هذه البنوك نافذة المشاركة في المزادات، ناهيك عن المضاربة التي تقوم بها بعض شركات الصرافة في مناطق الشرعية لصالح شركات حوثية، الأمر الذي أوصل الأمور إلى مرحلة طلاق نقدي ومالي بخطوات، ستنتهي بفصل كامل للنظام المصرفي بين ضفتي الصراع”.
قرارات غير مسؤولة
فيما اعتبر الصحافي رشيد الحداد “هذا التصعيد هدما لما تبقى من أركان القطاع المصرفي اليمني، وضرب ما تبقى له من حيوية”.
وقال لـ “القدس العربي”: “الاجراءات الأخيرة التي شملت وقف التعامل مع أهم البنوك الفاعلة في اليمن من قبل بنك مركزي عدن، وكذلك شبكات الصرافة المختلفة العاملة في كافة أرجاء اليمن منذ ثماني سنوات من عمر الحرب، قرارات غير مسؤولة تدفع نحو تعقيد المشهد الاقتصادي في اليمن، وتعمق الانقسام النقدي وتضيق الخناق على القطاع المصرفي والبنكي”.
وأضاف أن هذه القرارات “من حيث الأهداف تسعى لإغلاق كافة الشبكات العاملة في التحويلات المالية بين المحافظات اليمنية، تحت ذريعة رفض القطاع المصرفي توجيهات البنك بشأن حصر التحويلات المالية على الشبكة المالية الموحدة التي تم انشاؤها من قبل عدد من الصرافين في السوق، ولذلك الرفض جرى في عدن وكذلك في صنعاء، لأن هذه الإجراءات مخالفة لقانون البنك المركزي اليمني “.
واعتبر “أن توجيهات البنك المركزي بعدن بوقف التعامل مع بنوك تلعب دورًا محوريًا في الحركة الاقتصادية والمالية والتنموية في البلد، لأنها تمتلك شبكات مالية وفق القانون، عملاً ارتجاليًا واستفزازيًا للقطاع البنكي وانتهازيا في نفس الوقت، كون البنوك لها مكانتها ولها ثقلها الاقتصادي في البلد، والتضييق عليها ليس في صالح البلد الذي يعاني من أزمات اقتصادية ونقدية ومالية متراكمة جراء الحرب والحصار”.
كما اعتبر أن “هذه القرارات سيكون لها ما بعدها من أضرار اقتصادية على المواطن وعلى الحركة التجارية الراكدة في اليمن، وعلى ودائع البنوك، وكذلك على الوضع الاقتصادي برمته، وستدفع البنوك والصرافين المتضررين في مختلف المحافظات اليمنية إلى المواجهة لإفشال هذه التحركات التي تسعى إلى فصل التعامل المالي والنقدي ووقف حركة التحويلات المالية بين صنعاء وعدن”.
وقال إن “هذا القرار سيدفع المواطنين إلى اعتماد العملات الأجنبية في التحويلات بين عدن وصنعاء وسيفتح الباب واسعاً لتهريب الأموال، واتساع ظاهرة غسيل الأموال، يضاف إلى كونها سوف تؤدي إلى انهيار المزيد من سعر العملة المطبوعة في الجنوب”.
التعليقات