المناطق المحررة وغياب العمل الحزبي - المشكلة والحل
كتبت في مقالة سابقة "أزمة المناطق المحررة" عن المسببات الداخلية والخارجية التي أفضت إلى غياب الدور الحكومي الفاعل في المناطق المحررة للتطبيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وعن أهمية تواجد مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، فالظروف الاستثنائية التي تمر بها الحكومة الشرعية ليست مبرراً لتجاوزها واغفالها. ولأن غياب العمل الحزبي ومحاولة العبث بالخارطة الحزبية لا يقل خطورة عن غياب دور المؤسسات الحكومية في المناطق المحررة بشكل خاص والمحافظات الجنوبية بشكل عام، فقد ارتأيت أن أكتب عن العمل الحزبي السياسي ودوره في استعادة شكل الخارطة السياسية الذي يمثل المدخل الحقيقي لاستعادة الدولة و عودة الحكومة الشرعية إلى المناطق المحررة بداية وإلى جميع الأرضي اليمنية. فإعلان قيام التعددية الحزبية في اليمن كان متزامناً مع إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وعزز ذلك بصدور القانون المنظم للأحزاب بتاريخ 16 أكتوبر 1991، إيماناً أن الأحزاب تشكل البناء الأساسي في الحياة الديمقراطية، وكون الأحزاب تمنح العمل السياسي القدرة على التعبير عن مطالب المواطنين. فالأحزاب بتشكيلها الحداثي وجدت كي تحل محل التشكيلات التقليدية القديمة القائمة على الاستقواء بالعشيرة أو القبيلة للتعبير عن مطالب المواطنين، وكي تساهم في تأطير النخب السياسية من أجل التعبير عن تصوراتهم وتحويلها إلى برامج قابلة للتنفيذ من خلال التنافس الديمقراطي. وعلى هذا الأساس تم تشكيل العديد من الأحزاب والمكونات السياسية في اليمن ذات ايديولوجيات مختلفة وإن كان غالبها متقاربة من حيث البرامج والشعارات وحتى الأسماء. وعلى النقيض من ذلك، وفي ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة واليمن بشكل عام تراجع دور الأحزاب السياسية وتراجعت قيمة العمل الحزبي ومكانته المرجوة في تأطير المواطنين وخلق قنوات للفاعلين السياسيين للعمل والتأثير، وتأهيل الشخصيات الحزبية القادرة على إدارة الشأن العام، هذا التراجع في العمل الحزبي ترك الباب موارباً لاستقطاب الشباب وتأطيرهم في التشكيلات المسلحة والجهوية، ودفع بشخصيات انتهازية لتصدر المشهد العام، وأصبحت المناطق المحررة مشاعاً للقوى الخارجية. وفي ظل إقصاء وتقاعس الأحزاب عن صدارة المشهد السياسي والاهتمام بالقضايا السياسية يخسر اليمنيون الخارطة السياسية، وتهدد أهم المنجزات التاريخية بما فيها؛ الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية والتعددية السياسية التي هي أساس استعادة الدولة. كما أن غياب العمل الحزبي في هذه المناطق كان السبب في دعم نمو التشكيلات المسلحة التي تسعى لممارسة دور سياسي خارج الأطر التنظيمية المتعارف عليها وبعيداً عن الإجماع الوطني الذي تجسدت في مخرجات الحوار الوطني. غياب الاحزاب ساهم أيضاً في دعم نمو الجماعات الفئوية والمصلحية ذات المصالح الضيقة والتي استطاعت بناء علاقات وصلات أمتن بالقاعدة الشعبية في محيطها اليمني لتعميق واقع الفوضى السياسية والأمنية . لذلك يتحتم على الأحزاب السياسية وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام لما له من مكانة شعبية، في استخدام الأدوات الحزبية لتأطير الموطنين وتثقيفهم والحفاظ على الهوية الوطنية في المناطق المحررة. توحيد الأحزاب المتقاربة برامجها في تنظيمات كبرى أصبح ضروري كي تصبح قادرة على العمل الحزبي وإعادة تشكيل الخارطة السياسية والبناء الحزبي. يستطيع المؤتمر الشعبي العام باعتباره قناة للتواصل والعبور بين عموم المجتمع اليمني والسلطات السياسية في كلا من المحافظات الجنوبية وخصوصاً محافظة حضرموت التي لها خصوصيتها الثقافية، الاقتصادية والاجتماعية أن يكون الرافعة الحقيقية للعمل السياسي . وفي هذا الظرف الاستثنائي يفترض بحزب المؤتمر الشعبي العام أن يتحول من مرحلة الحزب الشعبوي إلى مرحلة الحزب ذو الكفاءات المتخصصة كي يتسنى ترتيب ملامح الحياة السياسية. كما أن العمل الحزبي في ظل غياب الدولة والتمرد عليها أدى لزيادة مشاعر عدم الثقة والنقد المستمر للأحزاب السياسية والنخب السياسية لذلك وجب أخذ العقبات النفسية والاجتماعية الناتجة عن فقدان الثقة بالأحزاب السياسية، و النخب السياسية بعين الاعتبار عند التخطيط لتفعيل الدور الحزبي، وبالتالي فإن الأحزاب اليمنية، بدايةً، عليها العمل جاهدة لخلق جسور من الثقة مع المجموعات الفاعلة والشرائح الشعبية. وفي جميع الأحوال، الجميع ما عدى المليشيات والتشكيلات المسلحة والجهوية تؤمن أنه لا يمكن الاستغناء عن الأحزاب السياسية كأحد الأركان الرئيسية للنظام السياسي الديمقراطي.

التعليقات