هل تمهد صراعات "الانتقالي" في عدن لمواجهة عسكرية شاملة؟ (تقرير)

ألقت أحداث عدن الأخيرة، بين تيارات متصارعة موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، بظلالها على مستوى التفاؤل لدى سكان العاصمة اليمنية المؤقتة، الباحثين عن العيش بسلام واطمئنان.

يأتي ذلك في ظل اختلالات أمنية كبيرة بالمدينة وحالة فوضى عارمة استوطنتها، جراء تردي الخدمات وغلاء المعيشة، فضلا عن صراعات داخلية تغذيها أطراف خارجية.

وأبقى ذلك عدن التي عُرفت سابقًا بسلميتها ومدنيتها، أسيرة للفوضى والتجاذبات ومساحة تركض على جنباتها المشاكل والنكبات، تمهيدا على ما يبدو لجولة مواجهات عسكرية شاملة فيها، وفق مراقبين.

وفي 23 يونيو/ حزيران المنصرم، سقط أكثر من 20 شخصا بين قتيل وجريحٍ في اشتباكات بين فصيلين يتبعان المجلس الانتقالي (قوات الإسناد والدعم وقوات الحزام الأمني).

وأحدثت الاشتباكات شرخا كبيرا في جدار العلاقة بين تلك القوات التي تدين بالولاء للانتقالي، وكشفت عن كرة لهب كبيرة تحت الرماد، قابلة للانفجار في أي لحظة، بمدينة لا تنقصها المشاكل والآلام.

** "الإمارات السبب"

"ما حصل وقد يحصل لاحقا في عدن، يندرج في خانة الصراع المناطقي، التي حرصت الإمارات على تكريسه وتغذيته لتبقى المدينة مسلوبة الإرادة وخاضعة للتشكيلات الموالية لها".

بهذه الكلمات استهل الكاتب السياسي صالح الحنشي، حديثه مع الأناضول، مردفا: "منذ وقت مبكر بدأ الصراع على النفوذ في عدن، فـالتشكيلات العسكرية والأمنية التي أنشأتها الإمارات بالمدينة، والخارجة عن إطار الدولة، تم تأسيسها على أساس مناطقي فئوي".

وأضاف أن "جميع تلك القوات تم تشكيلها خارج إطار الدولة، والغرض منها فقط بقاء عدن أسيرة للفوضى ليتسنى للداعمين الخارجيين الاستئثار بخيراتها ومقدراتها".

وتابع: "قوات الإسناد والدعم وقوات الحزام الأمني تنتمي بنسبة 90 بالمئة لقبائل ومناطق مديريات يافع في محافظتي لحج وأبين (جنوب)".

وأكمل"بينما قوات أمن عدن وقوات العاصفة، جميع عناصرها من محافظة الضالع (جنوب)، التي ينتمي إليها رئيس المجلس (الانتقالي) عيدروس الزُبيدي".

وأوضح: "تسيطر قوات الإسناد والدعم والحزام الأمني على شمال عدن، بينما قوات الأمن (الشرطة)، وقوات العاصفة على جنوب المدينة".

وتعد قوات الإسناد وقوات الحزام (عددها يفوق 30 لواء)، قوة عسكرية واحدة، قبل أن يتم الفصل بينهما مؤخرا، عقب قرارات أصدرها الزبيدي، وتعيينه قيادات جديدة لتلك القوات، في مسعى كما يبدو لإخماد نار الخلاف بينها، وفق مراقبين.

وتابع الحنشي: "هذا التقاسم ليس للسيطرة العسكرية فقط، ولكنه أيضا للسيطرة على موارد المدينة التي تبلغ ملايين الدولارات شهريا، بفضل موقعها المتميز على خط الملاحة الدولية (البحر الأحمر)".

وأشار أن الصدامات التي شهدتها عدن، تندرج ضمن الصراع على تقاسم السيطرة، مردفا: "منطقة الشيخ عثمان التي كانت ساحة المواجهات الأخيرة، هي الوحيدة (شمال عدن) التي ما زالت خارج سيطرة قوات الدعم والإسناد".

واعتبر أن "من شأن هذه الانقسامات إشعال صدامات شاملة في عدن كواقع لا يمكن الهروب منه، فضلا عن إحيائها لصراعات قديمة بالمحافظة منذ قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990".

** غياب الدولة

وزير الدولة السابق عبد الرب السلامي، أرجع أسباب الاشتباكات الأخيرة في عدن، إلى غياب المؤسسات، وتعدد الرؤوس والتكوينات الحاملة للسلاح.

وقال السلامي للأناضول: "غياب الدولة ومؤسساتها ساهم في حالة الفوضى الأمنية بالمدينة التي من المفترض أن تكون أكثر أمانا واستقرارا باعتبارها عاصمة مؤقتة للبلاد".

وزاد: "المخرج من كل هذه الإشكاليات هو استعادة الدولة وتنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض (الموقع بين الحكومة والانتقالي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)، ودمج التشكيلات المسلحة تحت وزارتي الدفاع والداخلية، وإبعاد جميع المسلحين من غير منتسبي المؤسسة الأمنية إلى خارج عدن".

الصحفي والكاتب السياسي صلاح السقلدي، المحسوب على المجلس الانتقالي، كان أكثر حدة في التعليق على أحداث عدن، من خلال سلسلة تغريدات عبر تويتر.

يقول السقلدي: "ما حصل هي أعمال بلطجة ليس لها علاقة بالأمن ولا بشرف الجندية ولو ادعوا ذلك ولبسوا عشرات البدلات العسكرية، وعصبوا مئة خرقة إماراتية على رؤوسهم الفارغة، وتمنطقوا بألف بندقية".

وتابع: "لا يدافع عن هكذا سلوك إلا متكسب مرتزق، أو غبي ساذج يُـساق وراء الأخطاء معصوب العينين وهو يصفق ببلاهة".

وتساءل: "هل هذا هو الأمن الذي يستحقه الناس بعد طول عناء وانتظار وتضحيات، وهل هذا الأمن الذي ننشده لنا ولأجيالنا القادمة؟".

** صراع المصالح

الكاتب السياسي والناشط الحقوقي علي النقي، وصف ما حدث من مواجهات بين تشكيلات عسكرية موالية للانتقالي بـ"صراع المصالح والمنافع".

وأضاف في حديث للأناضول: "ما حدث انعكاس حقيقي لما يدار في كواليس مراكز القوى الجنوبية التي تشكلت بعد حرب 2015، إذ لا يجمع بينها إلا رابط المصلحة والمنفعة".

وأردف: "لا توجد قوانين تنظم عمل تلك القوات وليس لديها عقيدة قتالية وطنية، ولا تمتلك غير العصب الفئوي والانتماء المناطقي".

وتابع: "إعادة هيكلة تلك القوى وضمها إلى وزارتي الدفاع والداخلية (الحكومية)، وتطبيق الشق العسكري من اتفاق الرياض هو المخرج الوحيد من دائرة صراع المصالح بين تلك القوى".

وأوضح أنه "في حال عجزت دول التحالف العربي بقيادة السعودية عن فرض اتفاق الرياض ولو بالقوة، فإن جولة جديدة من المعارك في عدن، ستغدو واقعا لا مفر منه".

بالمقابل، يرى رئيس تحرير موقع "عدن الغد" الإخباري، فتحي بن لزرق، أنه "باستطاعة التحالف بشقيه (السعودي والإماراتي) جعل عدن مدينة منضبطة أمنيا".

وذكر في تغريدة عبر تويتر، أن "التحالف لا يريد ذلك بكل أسف لأنه يدرك أن أي انضباط للمدينة يعني نجاحا للمشروع الانفصالي الذي يتعارض مع أهدافه".

ومنذ أغسطس/ آب 2019، يتحكم المجلس الانتقالي الجنوبي بزمام الأمور في عدن بعد مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية.

ومنذ نحو 7 سنوات، يشهد اليمن حربا أودت بحياة 233 ألفا، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

ويزيد من تعقيدات النزاع أن له امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية