بدعم إيراني مُعلن.. ثمة ما هو أشد فتكا باليمنيين من البارود

تشهد العملية التعليمية في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية، المدعومة من إيران شمالي اليمن، تحولا جذريا خطيرا مشحونا بالصبغة الطائفية، ويطمس التاريخ الحقيقي للبلاد، ويعجل بإغراق شمالها في الصبغة الطائفية، والتسليم للمشروع الإيراني.

وخلال السنوات الماضية، انحرفت العملية التعليمية عن مسارها، وأصبحت غير نظامية، خصوصاً في ظل التغيرات التي أجرتها المليشيات على المناهج الدراسية، والقيام بتغيير أسماء المدارس الحكومية، لاسيما المدارس ذات الأسماء الوطنية المتعلقة بالثورة والجمهورية، ثم إدراج بعض الدروس، وتغيير بعض العناوين والأرقام والمصطلحات، وإدراج بعض الكُتب، لكن الأمر اختلف جذرياً بالنسبة لهذا العام.

هذا العام تغيّر الأمر من النقيض إلى النقيض، فقد بات طلاب الصفوف الأساسية، من الأول وحتى السادس الابتدائي في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، خاضعين لمناهج ذات بُعد طائفي صارخ، إذ كثَّفت المليشيا من حشر مفردات ودروس "الجهاد" في المناهج الدراسية، وإضافة دروس تصف معارك الحوثيين ضد الشعب اليمني بالبطولة والفروسية، والدفاع عمّا تعتبره حقها في الولاية وحكم البلاد، وأنها وريثة لآل البيت؛ بما يعني أن كل حاكم من خارجهم هو من الخوارج الذين يحل قتالهم، ولو من أبناء الوطن.

على مستوى المناهج وإذاعات المدارس، كرّست المليشيا الصبغة الطائفية، واستبدلت الأناشيد الوطنية بالزوامل التي تروّج لثقافة العنف، وتحرّض على الحشد للجبهات وقتال اليمنيين، بما في ذلك أنظمة الكشافة في المدارس اختارت لهم زيا عسكريا، غير الزي المدرسي المعتاد، الأمر الذي يؤثّر على عقول الأطفال.

ويشرف يحيى بدر الدين الحوثي شقيق زعيم المليشيا -المعين وزيرا للتربية والتعليم في حكومة الجماعة (غير المعترف بها دوليا)- على فريق من يمنيين وإيرانيين على تبديل المناهج الدراسية لتكريس ثقافة الولاء لإيران، ونشر مذهب الجماعة، وأن ينشأ كل يمني منذ طفولته على عقيدة أنه مقاتل مسلح وظيفته الثأر من المخالفين لإيران ومذهب الجماعة، بحجة أن في هذا تقرب لآل البيت النبوي، حد زعمهم.

ومنتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أبدى ما يسمّى "سفير إيران" لدى الحوثيين في العاصمة صنعاء، خلال لقائه يحيى الحوثي، استعداد بلاده للتعاون مع المليشيا في كافة المجالات، ومنها قطاع التعليم للمساهمة فيما سماها تجاوز صعوبات الحرب -حد قوله-، كما بحث الجانبان ما وصفاها بالآليات الكفيلة بتعزيز وتطوير العلاقات في قطاع التعليم، وفقا لوكالة "سبأ" التابعة للحوثيين.

 

- تجريف للجمهورية والهوية اليمنية

"م .ق"، موجّه تربوي في مكتب التربية بمحافظة إب، امتنع عن ذِكر اسمه خوفا من بطش الحوثيين، يقول إن "مليشيا الحوثي قامت بتحريف المناهج الدراسية، وإعادة طباعتها بما يتلاءم مع فكرها الطائفي إحياءً للإمامة، ومحاولة القضاء على كل ما يمتّ للجمهورية اليمنية بصلة".

في حديثه لـ"بلقيس"، يشير الموجّه التربوي -الذي يعمل مديرا لإحدى المدارس الأهلية- إلى أن التغييرات التي أجرتها المليشيا على المناهج التعليمية خطيرة تهدف إلى تلغيم عقول الأطفال بثقافة العنف والقتل، وبما يتلاءم مع فكرها الطائفي، لافتا إلى أن المليشيا انتدبت فريقا من مشرفيها يراقبون مخرجات المدارس وينزلون بين الفينة والأخرى للاطلاع عن كثب على العملية التعليمية بما يتوافق مع أجنداتها.

ورغم التحريف في المناهج المدرسية، التي تخدم أجندات الجماعة، إلا أنها تبيع تلك المناهج للمدارس الحكومة والخاصة بأسعار باهظة تصل في المدارس الخاصة إلى 10 ملايين ريال يمني للعام الدراسي الواحد، وفقا لتصريحات الموجّه التربوي، كما أنها تفرض على طلاب المدارس الحكومية مبالغ باهظة الثمن كرسوم للمنهج تصل إلى 3000 ريال عن كل طالب.

وبشأن خطورة تفخيخ المليشيا للمناهج التعليمية، يرى المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين اليمنيين، يحيى اليناعي، أن التغييرات التي تجريها الجماعة جزء لا يتجزأ من استراتيجية تصدير الثورة الخمينية إلى اليمن على المدى الطويل.

في حديثه لـ"بلقيس"، يقول اليناعي إن هذا التحريف يأتي ضمن مساعي الحوثي ونظام طهران لخلق واقع فكري واجتماعي جديد، بما يضمن أهدافهم البعيدة، ويؤطر للوجود العقائدي للمشروع الإيراني في اليمن، مشيرا إلى أن خطورة ذلك في كونه يستهدف الهوية الوطنية الجامعة، ويعمّق الفجوات الفكرية والثقافية في المجتمع، ويجعل ملايين الطلبة محاصرين بثقافة العنف والتطرف المذهبي، بما يؤسس لصراع داخلي وحرب أهلية طويلة المدى.

وأكد أن الحوثي وإيران يكافحون من خلال تفخيخ المناهج والتعليم لتنشئة جيل جديد بهوية "مذهبية" عابرة للحدود الوطنية ومرتبطة بالسلطة الحاكمة في طهران، وتنشئة الطلاب كجنود للمستقبل يتم استخدامهم كوقود لحروب الحوثي الدموية وأطماع طهران التوسعية.

وبشأن تصريحات حسن إيرلو، وإعلانه دعم طهران للتعليم في مناطق سيطرة الحوثي، اعتبر اليناعي ذلك الإعلان بأنه بمثابة تأكيد إضافي يكشف أن وجود "إيرلو" في صنعاء يأتي ضمن مساعي سلطة إيران لتعميق نفوذها التربوي والثقافي، وليس العسكري فحسب، في مناطق سيطرة الحوثي، وتنشئة جيل يمني يؤمن بمبادئ الثورة الخمينية.

وأشار إلى أن إيران تعمل على تطوير مشروع متكامل لتعزيز نفوذها سياسيا وعسكريا وثقافيا في المنطقة، بدأ ذلك في لبنان وانتقل إلى العراق وسوريا، وهو ما يجري حاليا في اليمن، لافتا إلى أنهم في النقابة قد لاحظوا أن النشاط المتعلق بتجريف التعليم والهوية زاد بصورة أكبر خلال الفترة التي أعقبت وصول المدعو حسن إيرلو إلى صنعاء.

ووفقا لليناعي، فإن أحد أسباب وجود "حسن إيرلو" في صنعاء هو العمل على نقل نشاط الحوثي في قطاع التعليم إلى ما يشبه العمل المؤسسي والمنظّم بشكل أدق مما كان عليه في السابق، وجعل مناهج التعليم منسجمة مع شروط ثورة الخميني، بحيث تستنهض النزعة العدائية لدى المستهدفين، وتحويل الطلبة إلى جنود في المستقبل، لمواصلة شن الحرب على الدولة والمجتمع اليمني.
المصدر:بلقيس

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية