ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

المواطنون في مناطق سيطرة المليشيات.. غضب مكبوت تحت سطوة العنف

يزداد السخط الشعبي في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين بسبب التدهور الاقتصادي والأزمة المعيشية غير المسبوقة، خصوصا بعد أزمة المشتقات النفطية والغاز المنزلي التي تشهدها مناطق سيطرة المليشيا خلال الأسابيع الأخيرة، وتواجه مليشيا الحوثيين ذلك الغضب المكبوت بمزيد من العنف والقمع والقبضة الأمنية الحديدية، حيث شهدت العاصمة صنعاء ومدن أخرى تسيطر عليها المليشيا انتشار مسلحين في الشوارع والأحياء السكنية واعتقال عدد من المواطنين والزج بهم في سجون سرية بذريعة كتابة عبارات على الجدران تطالب برحيل الحوثيين.

 

- جحيم لا يُطاق

أصبحت حياة المواطنين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية جحيما لا يطاق، فمنذ انقلابها على الدولة، وسيطرتها على محافظات عدة، لم تقدم المليشيا في مناطق سيطرتها أي خدمة عامة للمواطنين باعتبارها سلطة أمر واقع، وصار المواطن يتمنى أن يسلم من شر تلك المليشيا، ولم يعد يأمل منها أي منفعة أو نيل حق من حقوقه، فهي تقدم تجربة غريبة في الحكم لا تنتمي إلى زمن الدولة ولا علاقة لها بالسياسة، بل لم يسبقها بها حتى أبشع الديكتاتوريات القديمة والحديثة في العالم أجمع، وتبدو طريقة حكمها أبشع من حكم الإمامة السلالية العنصرية التي من رحمها خرجت تلك المليشيا السلالية.

لم تكتفِ مليشيا الحوثيين بنهب رواتب الموظفين ولا نهب القطاع الخاص وصغار التجار والمزارعين، وإثقال كاهل المواطنين من خلال الضرائب الباهظة التي يضيفها التجار فوق الأسعار للمستهلك، واحتكار المشتقات النفطية والغاز المنزلي وبيعها بأسعار مضاعفة في السوق السوداء، وإنما عمدت مؤخرا إلى نهب المواطنين البسطاء مباشرة من خلال فرض إتاوات بذريعة دعم المجهود الحربي، كما أنها في مواسم حصاد الذرة ترسل السعاة إلى الأرياف لجمع الذرة من المواطنين، كما كان يفعل الأئمة قديما، ولم تستثنِ حتى الموظفين العاطلين عن العمل الذين نهبت رواتبهم طوال السنوات الماضية، بل فقد شملهم دفع الإتاوات والذرة في مواسم الحصاد.

وتتعدد المظالم في مناطق سيطرة المليشيا بشكل مفزع، خصوصا في الأرياف التي لا يتوفر فيها الإنترنت، ولا يوجد فيها ناشطون أو إعلاميون ينقلون معاناة المواطنين جراء تلك المظالم، ولا يستطيع المواطنون فيها إيصال أصواتهم إلى وسائل الإعلام، بسبب الجهل وعدم القدرة على التواصل مع وسائل الإعلام، وأيضا التعتيم الإعلامي الذي يفرضه الحوثيون، وتهديدهم المستمر لذوي الضحايا باتخاذ إجراءات عقابية صارمة في حال وصلت مظالمهم إلى وسائل الإعلام أو إلى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.

وأحيانا يبتز الحوثيون ذوي الضحايا بقولهم إن تسرب قضايا ذويهم إلى وسائل الإعلام سيؤثر على إجراءات الإفراج عنهم، وبعض مظالم يعدها المواطنون من العيب ولا يستطيعون الإفصاح عنها، مثل اختطاف الفتيات وابتزاز ذويهن بمبالغ مالية طائلة للإفراج عنهن بعد تلفيق تهم لهن تمس سمعتهن وأخلاقهن، وأيضا الزواج بالإكراه، وغير ذلك.

كما أوصلت المليشيا الحوثية فكرة ما تسميها "المربعات الأمنية" إلى الأرياف، بعد أن كانت حصرية بالمدن التي تسيطر عليها، والهدف منها تشكيل تنظيم هرمي لعناصرها الذين يتولون مهمة نهب ممتلكات المواطنين، بمن فيهم المزارعون وأصحاب المواشي، وبما أن بعض من حاولت المليشيا تعيينهم كـ"مشرفين" في المربعات الأمنية رفضوا تلك المهمات، فقد أوكلتها إلى آخرين من البلاطجة الذين اندفعوا لممارسة البلطجة والنهب الذي يحدث نهارا جهارا.

ومن نماذج ذلك، أنه انتشرت مؤخرا عصابات في بعض أرياف غربي محافظة إب تعتدي على المواطنين وتنهب مواشيهم، خصوصا في منطقة وادي عنة، التي يمتلك أبناؤها كثيرا من البقر والغنم، فتأتي عصابات حوثية وتنهب الأغنام جهارا نهارا، ويحمل أفراد تلك العصابات أسلحة الكلاشينكوف الملصق عليها شعارات حوثية، ويرددون شعار الصرخة الخمينية، ولم تتجاوب سلطات الحوثيين في المحافظة مع شكاوى المواطنين الذين تعرضت مواشيهم وبعض ممتلكاتهم للنهب، وربما هناك حالات مماثلة في أرياف محافظات أخرى تسيطر عليها المليشيا، لكنها معزولة عن وسائل الإعلام والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان.

 

- دوافع السلوك العدواني ودلالاته

تعتمد مليشيا الحوثي على العنف والقمع والقبضة الأمنية الحديدية لحماية سلطتها والحفاظ على وجودها، فهي تدرك مدى السخط الشعبي ضدها، وتدرك جيدا أنه لم يستقر لها المقام في السلطة، وأن الخطر ضدها قائم، فهناك الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وهناك تدخل عسكري أجنبي ضدها، وصارت البلاد مليئة بالتشكيلات المسلحة وجميعها مناهضة للمليشيا، كما تعلم المليشيا جيدا أن استمرار سيطرتها طوال السنوات السبع الماضية على مناطق الكثافة السكانية في البلاد ليس نتيجة لقوتها، وإنما بسبب الانقسامات بين الأطراف الأخرى المناهضة لها، وعدم جدية السعودية والإمارات في القضاء عليها، بسبب أن لهما أولويات أخرى، ومصادرتهما القرار العسكري للسلطة الشرعية.

ولذا، ترى المليشيا الحوثية أن العنف ضد المواطنين سيحمي سلطتها من أي انتفاضة شعبية، وتعمل على تجريف قيادات المجتمع ونخبه بشكل ممنهج، ليبقى المجتمع تحت سيطرتها ومجردا من القيادات التي قد تنسق فيما بينها وتقود انتفاضة شعبية ضد المليشيا، فهناك من فر من بطشها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية أو إلى خارج البلاد، وهناك من تمكنت المليشيا من تطويعهم للعمل معها، أو أجبرتهم على العمل لخدمتها، ومن يرفض أو يتقاعس مصيره السجن أو الاغتيال، كما حدث من اغتيالات طالت عددا من مشايخ القبائل طوال السنوات الماضية، واغتيال بعض الأكاديميين والضباط العسكريين، وطالت الاغتيالات حتى بعض الشخصيات السلالية المنخرطة في صفوف المليشيا، جراء صراع الأجنحة وسباق المكاسب والنفوذ فيما بينها.

يعد القمع والعنف بالنسبة للحوثيين سلوكا غريزيا من الصعب التخلي عنه، أي أنه سلوك بدائي غريزي تتسم به المليشيا البدائية التي لم ترتقِ إلى مستوى الدولة، ولا تدرك طبيعة وظيفة الحاكم، فهي مجرد قوة عارية تراكمت نتيجة أخطاء تاريخية وسياسية، وبما أنها مليشيا انقلابية بدائية ولا تكتسب صفة "سلطة شرعية"، فهي لا تستطيع البقاء إلا اعتمادا على العنف وبث الرعب والخوف والإكراه بالتهديد والعنف، وسلوكها الغريزي يعيقها عن تقديم أي خدمات عامة للمواطنين، حتى وإن امتلكت أموالا طائلة.

ويظل الدافع العدواني للحوثيين ضد المواطنين أسلوب قهر وإخضاع لطريقة حكم غير سوية وعديمة الأخلاق، كما أن الدافع العدواني لدى الجماعات البدائية له علاقة بالملكية الخاصة، فالمليشيا الحوثية ترى أن السلطة والثروة ملكية خاصة بها وفق توجيهات وأوامر إلهية، حسب اعتقادها، لذلك ترى أن السلوك العدواني العنيف ضد المجتمع مسألة تعبدية وجهاد دفاعا عن الملكية الخاصة بها.

كما أن السلوك العدواني لمليشيا الحوثيين نابع من غلبة طبيعتها البدائية بسبب نقص التربية وغياب تأثير التفكير العقلي، ذلك أن التربية والتعليم والخبرة تؤدي إلى حدوث نقلات اجتماعية وسياسية تدريجية تنقل صاحبها من سلوك المليشيا البدائي الغريزي والهمجي في السيطرة والحكم إلى مرحلة الدولة ومؤسساتها الدستورية، لكن ما يحصل في مناطق سيطرة الحوثيين عكس ذلك، فالدولة أصبحت مغيبة تماما بنظمها وهياكلها الإدارية، لصالح من يسمونهم "المشرفين" وغيرهم من أعضاء الهيكل التنظيمي للمليشيا العنصرية.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.