مجلة "ذي أتلانتك" تفضح قادة اليمن: مهتمون بالسلطة ونهب آخر دولار في الخزينة

نشرت مجلة “ذي أتلانتك” تقريرا أعده ديفيد كينر بعنوان “القادة الذين يريدون التمسك فقط بالسلطة” قال فيه إنه لا يوجد أحد يريد إعادة اليمن لما كان عليه.

وبدأ الكاتب تقريره بالحديث عن محافظ عدن، أحمد الأملس، الذي كان يصف بسعادة التقدم الذي أحدثه في إعادة بناء عدن العاصمة الانتقالية، وبرنامج للتأكد أن يكون لكل السيارات لوحات مرخصة والإشراف على المشاريع التي تدعمها السعودية مثل إعادة بناء مستشفى وحفر آبار مياه جديدة والتقدم للأمام. وعندما انقطع التيار الكهربائي وحل الظلام على غرفة المؤتمرات المتداعية تحدث يمني كان مع الفريق ساخرا “هذا هو واحد من الإنجازات”.

تُعرف عدن بـ”عين اليمن”، التي ظلت بوابته للعالم ودخلت منها الأفكار الأجنبية والغزاة. قضت هذه المدينة الساحلية الجنوبية أكثر من قرن تحت الحكم البريطاني، وربطت ممتلكات لندن الإمبراطورية في مصر والهند. وقعت في نطاق النفوذ السوفيتي بعد انهيار الإمبراطورية البريطانية، وأصبحت عاصمة الدولة الشيوعية الوحيدة في الشرق الأوسط. الآن هي تحت سيطرة السعودية والإمارات، وفي قلب جهودهما لصد الحوثيين، الميليشيات المدعومة من إيران، في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ فترة طويلة.

ورغم طرد الحوثيين منها قبل سبعة أعوام إلا أن عدن تبدو وكأن الحرب قد انتهت فيها قبل عدة أيام، فأنقاض البيوت في كل أنحاء المدينة، وليس لدى الأملس سوى تمويل لإزالة الأنقاض من حي واحد من ثمانية أحياء. وعلى الجانب الآخر، فندق عدن حيث أقام وكان مرة مركز حفلات الزواج الباذخة إلا أنه مدمر جزئيا بسبب القصف الذي أحدث أضرارا على الواجهة الأمامية. ويفكر الأملس بوضع يافطات لتقوية معنويات الناس المحبطين من التقدم البطيء في الإعمار، لكنه يعترف أن ميزانيته لا تكفي إلا لتغطية إعادة إصلاح فندق عدن. ووعد رئيس الوزراء اليمني في تشرين الثاني/نوفمبر بإصلاح محطة الكهرباء الوحيدة، لكنها لا تزال معطلة. ويعترف الأملس “نحن فقراء”.

ويعلق الكاتب أن تعليقات الأملس على واقع الحال لا تقدم صورة عن حالة الإحباط في عدن واليمن بشكل عام. فلا يوجد لدى أي شخص متورط في حرب اليمن، على أي مستوى كان، الطموح الواضح للبلد. فالآمال في البلد، إن وجدت، تقتصر على تحسين فرص البقاء على الحياة. ففي اليمن والسعودية والإمارات (القوتان الرئيسيتان في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون) وفي الولايات المتحدة لا يوجد أي نقاش حول كيفية إعادة إعمار البلاد، علاوة على جعله مزدهرا كما كان. ويقول الكاتب إن الطموحات الكبرى للاعبين الكبار في الحرب قد تلاشت منذ وقت طويل، مع أن الحرب لا تزال مستمرة مخلفة البلد حطاما. وخلقت الحرب منطقها الخاص وزخمها.

وبعد أسبوعين من وصوله إلى البيت الأبيض وصف الرئيس جو بايدن الحرب في اليمن على أنها “كارثة استراتيجية وإنسانية”. فالحرب الجوية التي قادتها السعودية قتلت 9 آلاف مدني على الأقل، كما وقادت لأكبر وأسوأ كارثة إنسانية في العالم ولم تنجح في إخراج الحوثيين من العاصمة صنعاء. وشهد ميناء عدن تدهورا أمنيا وانهيارا اقتصاديا في ظل القيادات التي تحظى بدعم من السعودية والإمارات. وكان فقر الحكومة اليمنية مدعاة لاعتمادها على معونات الرياض وأبوظبي. ومقابل ذلك قدمت تنازلات غير قليلة عن السيادة، فالسفن التي ترسو في ميناء عدن يجب أن يفتشها أولا، التحالف الذي تقوده السعودية، وتمر قبل ذلك من ميناء جدة السعودي. كما أن قرار منح التأشيرات للصحافيين الأجانب، مثل الكاتب، يتخذ في الرياض وأبوظبي. وقام مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية الذي يركز على اليمن وتموله منح من الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بتنظيم الرحلة وتولى المفاوضات. ولم يعد المجال الجوي اليمني ملكا لليمنيين، فقد انتظرت الرحلة إلى عدن عدة ساعات في المدرج بانتظار موافقة التحالف الذي تقوده السعودية. وعبر اليمنيون المرافقون للفريق الصحافي عن سخطهم من الوضع وقالوا إنه مهزلة. ولم يكن أفق البلاد مقيدا بهذه الطريقة، فهناك الكثير من العدنيين الذين لا يزالون يتذكرون ميناءهم بأنه كان “دبي وقته” حيث ازدهر بسبب التجارة الدولية في السنين الأخيرة من الإمبراطورية البريطانية. وزارت الملكة إليزابيث عدن عام 1954 وبعد أقل من عام على تتويجها ووصفت المدينة بأنها “المثال الأكبر على التنمية الاستعمارية”. وبعد عقود على زيارتها ظل الفندق اليمني الذي أقامت فيه يعيش على أمجاد الزيارة بجناح ملكي وصورة لها في عدن.

وقال عدني مسن للكاتب إنه لو زار عدن في الخمسينيات والستينيات، فلم يكن ليرى أن فندق عدن هو المعلم الرئيسي في الحي الذي أقام فيه، بل ولشاهد سينما “شيناز” التي كانت تعرض أفلام الوقت من بن هور وكليوباترا. وإلى جانبها كان هناك ناد ليلي اسمه “شاليمار” والذي كان يستقبل الفرق الموسيقية الدولية ويقدم البيرة الألمانية. ودمرت سينما شيناز بداية الألفية بسبب خلاف عقاري ولم يبق منها إلا أنقاض. وقال دادي موتيوالا، نجل مالك كل من شيناز وشاليمار، “كانت فترة يعتبر فيها الخروج أمرا تفعله بثقة” و” لو لم يكن لديك ربطة عنق لما سمحوا لك بالدخول”.

وهذه هي المدينة الحيوية التي كان العدنيون يريدون الكاتب معرفتها، عدن المرتبطة بالتجارة والثقافة، والمكان الذي يمكن فيه توسيع طموحات الشخص أبعد من تنظيف الشوارع من الأنقاض. ويتذكر موتيولا حفلات عيد ميلاده في نادي شاليمار، حفلات كبيرة ومئة طفل في ساحة الرقص وطهاة يصنعون الكعك والبحار السكرية التي تطوف فيها القوارب الصغيرة. وكان شعار السينما هو “سافر نحو القمر الفضي” و”تعيد الكثير من الذكريات”. ويقول الكاتب “لا أحد يريد إعادة عدن لما كانت عليه، فطموح قادة اليمن هو التمسك بالقوة حتى يتمكنوا من انتزاع آخر دولار في خزينة الدولة. أما الدول الخليجية الثرية فتريد على ما يبدو بقاء الحكومة عرجاء وغير فعالة حتى تستطيع إخراج نفسها من النزاع. أما هم الولايات المتحدة فمقتصر على مكافحة الإرهاب وتحسين علاقاتها الأمنية مع السعودية والإمارات”.

وكان التدخل السعودي ردا على المكاسب التي حققها الحوثيون. واعتقد السعوديون أنهم سيكونون منقذين لليمن، وجاءت الحملة عام 2015 بعد تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، واتهم سلفه ولي العهد السابق محمد بن نايف بعدم التصرف بجرأة ووقف توسع الحوثيين. وجاء الدور عليه لاتخاذ القرار الجديد ومنعهم وبالضرورة وقف التوسع الإيراني. وزرع محمد صورة القائد الحازم الذي نشرت صوره وهو قرب الحدود السعودية- اليمنية ومع القادة العسكريين يراقب عملية شن الحملات. وقال السعوديون إنهم يستطيعون القضاء على الحوثيين بأيام لو أرادوا. وبحلول عام 2019، واجه السعوديون ما وصفه محلل لحظة “العودة للمسيح” فقد تجمدت حملتهم العسكرية وأضعف حلفاؤهم وباتت مدنهم تحت رحمة الصواريخ الحوثية. وتراجع محمد بن سلمان عن صورة الوجه للحرب وكلف شقيقه الأصغر، نائبه في وزارة الدفاع للتفاوض على نهاية للحرب.

وجاءت الهدنة في نيسان/إبريل التي تم فيها وقف الحرب لشهرين، ورغم تراجع العنف إلا أن الدبلوماسيين الأمريكيين يعتقدون أن الهدنة لا تعالج جذور الأزمة. وتظل الأسئلة حول كيفية التشارك بالسلطة وإعادة بناء المؤسسات بدون حل. وتقوم الجهود الدبلوماسية الحالية على تجميد النزاع وبأمل أن تقود إلى مفاوضات سياسية واسعة. وبالنسبة للعديد من الأشخاص الذين تحدث معهم الكاتب في اليمن، فإن هذا يخاطر ببساطة بتجميد حياتهم في وضع مستحيل.

في معسكر في منطقة مهجورة قرب الشاطئ يعيش فيه لاجئون إثيوبيون عانوا التشرد والعذاب أكثر من مرة. فقد شردهم النزاع الإثني ببلادهم أول مرة ثم أجبرهم الحوثيون على الفرار من صنعاء ووجدوا أنفسهم في عدن حيث بنوا أكواخهم من الأنقاض التي جمعوها من الشارع.

ولا تعرف بايزا (24 عاما) إلا حياتها في اليمن حيث فرت مع والدتها عام 2004 وعملت في الخدمة المنزلية حتى بدأ الحوثيون يطردون الأجانب نظرا لأنهم عبء إنساني ولنشرهم فيروس كورونا. وفي عام 2020 بدأوا بطرد الإثيوبيون بشكل جماعي للحدود السعودية وسجن البقية. وعندما احتج اللاجئون على الأوضاع الصارخة، قام المقاتلون الحوثيون بإغلاق أبواب المعتقل وأطلقوا مقذوفات أشعلته. وسجلت المنظمات الدولية عددا من الحالات التي ماتت حرقا، لكن اللاجئين في عدن أكدوا أن القتلى كانوا بالمئات. وعندما احتج اللاجئون أمام مقر الأمم المتحدة في صنعاء لم يتسامح الحوثيون مع هذا ولاحقوا المحتجين. وتقول بايزا “لقد اعتقلوا الجميع” و”من دفعوا ألفي ريال سعودي أخذوا إلى مكاتب الجوازات ومن لم يدفع نقلوا إلى خطوط القتال”. وقدمت بايزا وأمها القليل من المال الذي تملكانه ونقلتا بالحافلات إلى خارج حدود الحوثيين ومنها إلى عدن و”التقطوا صورنا وقالوا لو عدتم إلى صنعاء فسنقتلكم”، مشيرة إلى ان بعض العائلات تركت أبناءها في صنعاء ولم تستطع العودة لأخذهم.

ويواجه الإثيوبيون في عدن الإهمال والانتهاك، ويقولون إن الحكومة لا تدعمهم ولا المجتمع الدولي ويتسولون للطعام من المطاعم القريبة ويجمعون المياه من المواسير المحطمة في الفندق المتداعي. والهجران، له ثمنه، فقد مرض ابن جوار (33 عاما) والبالغ من العمر شهرين ومات بسبب عدم توفر العناية الطبية الأساسية. ولم يعثر على مكان لدفنه وناشد حارسا في فندق قريب كي يدفنه في حديقة الفندق. و”هذا هو الحال هنا، أطفال يولدون وأطفال يموتون”.

ومرت ثمانية أعوام على هذه الحرب بدون أي أمل لنصر حاسم. وعبر الكثير من العدنيين عن سخريتهم من هذه الحرب العبثية، فهي مستمرة كما يقولون لتبرير سيطرة النخبة على السلطة واستمرار نهب خزينة البلاد.

ويقول الكاتب إنه غطى الحرب منذ بدايتها، من بيروت ومن ثم الرياض والآن من واشنطن وهذا التفسير جيد، فلم تعد دول الخليج تتظاهر بأنها ستوجه ضربة قاسمة للتوسع الإيراني. وأمّن محمد بن سلمان موقعه في السلطة وثبت خطأ زعم الحوثيين أنهم قادرين على توجيه ضربة لأعدائهم، فما هو التفسير الذي يمكن تقديمه أكثر من ذلك الذي عبر عنه أهل عدن. في العام الماضي، وجد الجنرال المتقاعد أحمد العربي نفسه قائدا لمجموعة احتجاج خارج القصر الرئاسي. وكانت هناك مجموعة من الجنود السابقين الغاضبين الذين حاول الحرس منعهم، وعندما لم يستطيعوا تنحوا جانبا ليكتشفوا أن الحكومة كانت في جلسة طارئة و”سمعنا تحليق المروحيات” حيث هربت الحكومة اليمنية بعد خرق بوابات القصر. وبعد ذلك تراجع الجنود السابقون إلى مسجد قريب لقراءة سلسلة من المطالب، فلم يكن هناك أي داع لأن شعورا بالانهيار الحتمي كان حاضرا. والعربي ضابط انضم إلى الجيش عام 1978 وأجبر على التقاعد في التسعينيات بعد المحاولة الانفصالية وهو يعيش اليوم مثل زملائه على تقاعد لا يتجاوز 30 دولارا. وهذا المبلغ لا يأتي بشكل منتظم. وفي عام 2016 حاول هو وزملاؤه الجنود السابقون إجبار الحكومة على دفع ديون المحاربين السابقين لكن لم يحدث، ومنذ اقتحامه القصر لم يحصل على فلس واحد. ويبحث العربي مثل غيره من الجنود السابقين عن فرص للحصول على ما يفي بمتطلبات الحياة اليومية “تجد طيارا عسكريا يرعى الغنم أو يبيع الجرائد والسجائر”. ويرى أن التظاهرات هي محاولة للسيطرة على آلاف الجنود الذين تخلت عنهم الدولة اليمنية. ويخشى من انضمام بعضهم للتشدد الإسلامي أو عصابات الجريمة لتأمين المعيشة. ولو كان قادة اليمن يحاولون قمع التظاهرات من خلال تجويع الجنود السابقين فلن يحصلوا إلا على انتصار فارغ. والعربي لن يكون الوحيد مع مجموعته ممن حرموا من مصادر الحياة.

إقض وقتا في اليمن فستعثر على جيل غاضب محروم من الفرص، فهناك طلاب طب بدون كتب أو إنترنت، وطبيب نفسي متخصص بكدمات الحرب أخذت الجامعة مكتبه منه والموظف الحكومي الذي يعمل من البيت لأن المسلحين احتلوا مكتبه. ولو استمعت للدبلوماسيين فالهدنة التي جددت في نهاية حزيران/يونيو تعتبر فرصة لتحقيق سلام دائم، ونجحت بسبب التنسيق بين الدبلوماسيين الأمريكيين والسعوديين. وبالنسبة لسكان عدن، فالدبلوماسية الدولية منفصل عن الكفاح اليومي للناس. وفي حديث مع طالب طب بجامعة عدن قال إنه لو لم يعثر على وظيفة بعد تخرجه من الجامعة فـ”هناك الحرب” التي يمكن الحصول على المال كمقاتل.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية