هل تُقر المشاورات السياسية بشأن السلام الهش في اليمن مبدأ العدالة الانتقالية؟

تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن المفاوضات بين السعودية ومليشيا الحوثي تمثل فرصة لدمج آليات المساءلة والمراقبة الضرورية لحماية حقوق اليمنيين، وتدعو إلى إضافة بنود متعلقة بمشاركة المجتمع المدني في الحوار بالقضايا التي تؤثر على حقوقهم، والإفراج عن جميع المحتجزين تعسفا، ووضع خطة لإزالة جميع الألغام والمتفجِّرات من مخلفات الحرب.

باحثة في المنظمة قالت إنه ينبغي أن يكون المدنيون هم المستفيدين الحقيقيين من الهدنة لا قادة أطراف النزاع الذين لا يرغبون بتحمل مسؤولية انتهاكاتهم الجسيمة.

 

 - غياب الإرادة الدولية

يقول الناشط الحقوقي، محمد الأحمدي: "إن المجتمع الدولي، منذ سنوات، يسعى بشكل حثيث باتجاه تسوية سياسية في اليمن، لكن المشكلة في غياب الإرادة الدولية في وضع حد لمسألة الإفلات من العقاب إزاء انتهاكات حقوق الإنسان طوال السنوات الماضية، وتحت وطأة الرغبة في الوصول إلى تقدم في الصعيد السياسي والتسوية، وإيقاف الحرب".

وأوضح أن "المجتمع الدولي يتجاهل مسألة جبر الضرر، وتحقيق العدالة، ومحاسبة الجناة الذين تورطوا في جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان؛ سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي".

 ويرى أن "المجتمع لا أنه نجح في إحراز تسوية سياسية طوال هذه السنوات، ولا أنه نجح في وقف مسلسل الانتهاكات لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني، كما يقول المثل العربي: لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".

ولفت إلى أن "في كل فترة من فترات الهدنة، التي يؤمل بها المجتمع الدولي على أن تكون مسلكا للوصول إلى تسوية سياسية، تستغل مليشيا الحوثي هذه الهدنة لزيادة وتيرة القمع والجرائم والانتهاكات بحق اليمنيين، دون أي موقف جاد وحازم لوقفها، أو لمحاسبة هذه المليشيا، أو فرض إجراءات عقابية صارمة بحقها".

وأضاف: "المشكلة مع إطالة أمد الحرب وظهور أجندات مختلفة ومتضاربة في الشأن اليمني زاد الملف اليمني تعقيدا، فالتحالف الذي جاء لاستعادة الدولة والشرعية اليمنية ذهب نحو أجندات مختلفة قوَّضت قدرة اليمنيين على استعادة الدولة واستمرار النضال الوطني".

واعتبر أن "الأمور، في بداية الحرب التي شهدتها اليمن، كانت أكثر وضوحا، وكان خيار استعادة الدولة اليمنية وإنهاء الانقسام والانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، ودعم شرعية، أكثر سهولة مما هو الواقع اليوم، لكن إطالة أمد الصراع، وتدخل أطراف إقليمية بأجندتها وحساباتها، تعقدت المسألة وأصبح الحل أبعد ما يكون عن متناول حتى المحيط الإقليمي".

 

 - عهود تهم الجميع

يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: "من المفترض أن يكون مبدأ العدالة الانتقالية أحد بنود أي تسوية سياسية".

وأضاف: "من يتابع مسارات انتقال الدول من حالة الحروب الأهلية في المجمل إلى حالة السلم يرى أنه يجب أن تمر بمرحلة انتقالية، وعندما نتحدث اليوم عن عدالة انتقالية فنحن نتحدث عن شقين؛ الشق الأول يتعلق ببناء المؤسسات، فيما الشق الآخر يتعلق بالمحاسبة بكافة تجلياتها (جبر الضرر، الذاكرة الجمعية، العدالة الجنائية أو التصالحية على حد سواء)".

وتابع: "ما لم تكن هناك عدالة انتقالية يجب أن يكون هناك تشبيك بين منظمات المجتمع المدني، خصوصا الحقوقية، ويعاد تنظيم الضحايا وفقا للانتهاك، أي رابطة المخفيين قسرا ورابطة المعذبين، ورابطة المنازل المفجرة، إلى غير ذلك، وهذا التنظيم والتشبيك مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية سيجعل صوتهم أقوى، وسيجبر الأطراف على أن تكون العدالة الانتقالية أحد البنود".

وأردف: "ونحن اليوم نناقش صورة المساءلة الجنائية والتصالحية، نجد الأطراف ذاهبة إلى مسار سياسي وتسعى إلى إيجاد مجال تصالحي، أي إعفاء مرتكبي جرائم حقوق الإنسان في اليمن من أي مساءلة أمام القضاء".

وأشار إلى أن "الأطراف، التي ستوقع على الاتفاق اليوم، لا يمكن لها أن تعبر إلى المستقبل بدون العدالة الانتقالية"، مضيفا: "لنفترض بأن عملية السلام تم توقيعها بين طرفي الصراع في اليمن، كيف ستبني المؤسسات بدون عدالة انتقالية، وكيف سيذهبون إلى المسار الديمقراطي دون خريطة واضحة، وكيف ممكن أن يأمِّنون عملية الانتقال والاستقرار بدون عدالة انتقالية؟".

 وأوضح أن "العدالة الانتقالية هي عبارة عن حزمة عهود تهم الجميع، ولا يمكن لطرف أن يتنصل منها أو يتخلى عنها، لأنها تعد اليوم إحدى الضمانات لكل الأطراف؛ بمن فيهم منتهكو حقوق الإنسان".

 وقال: "إن الهروب من مسار العدالة الانتقالية سيوقعنا في إشكالية الانتقام، وإعادة دورة العنف من جديد داخل اليمن".

 وأضاف: "حتى المنتهكون اليوم إذا أرادوا أن يعيشوا بدون الخوف والرعب لا بد أن يذهبوا إلى عدالة انتقالية يتجلى فيها الاعتراف، وجبر الضرر، وتعويض الضحايا".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية