ما وراء اغتيال موظف أممي في تعز؟

غضب شعبي وتنديد محلي ودولي إزاء اغتيال رئيس فريق برنامج الأغذية العالمي في تعز، مؤيد حميدي، وبعد ساعات من الجريمة أعلنت الاجهزة الأمنية في تعز القبض على الجاني و10 آخرين على ذمة التحقيق والاشتباه.

وقال مدير الإعلام الأمني في شرطة تعز، المقدم أسامة الشرعبي، إن الحملة الأمنية داهمت وكر المطلوبين في ضواحي مدينة التربة، وضبطت عبوات ناسفة ومواد متفجرة، وأن الحملة الأمنية ما تزال تواصل عملية التتبع وتمشيط المنطقة لملاحقة بقية العصابة الإجرامية.

تؤثر مثل هذه الجرائم على عملية وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية في مدينة تحاصرها مليشيا الحوثي، مكتظة بالسكان والنازحين، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال، في اتصال له مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، إن هذه الجريمة المروعة لن تؤثر على المشاريع الأمم المتحدة الإغاثية في اليمن.

 

- قتل مأجور

يقول المحلل السياسي، ياسين التميمي: "إن اغتيال رئيس فريق برنامج الأغذية العالمي في تعز، مؤيد حميدي، عملية بالغة الخطورة، لأنها وضعت حدا لتطور جوهري في مسيرة تعز نحو الاستقرار، رغم أن هذه المحافظة واجهت تحديات كبيرة واستهدافات عديدة، ومحاولات لشيطنتها، وتحويلها إلى مسرح للجماعات الإرهابية، إلا أن كل هذه المحاولات فشلت".

وأوضح: "تعز تتناقض مع أي نشاط إرهابي، وهي محافظة خلاقة ومبدعة، وتتميّز بالتعايش، وتتطلّع للأمن والاستقرار، ولها دور تاريخي فيما يتعلق بالدفاع عن القضايا الوطنية، والتضحية من أجلها، وهي مستمرة بهذا الدور حتى اليوم".

وأضاف: "الأمم المتحدة كانت قد اتخذت خطوة جوهرية باتجاه تبنِّي برنامج للتنمية المستدامة، واختارت تعز كي تكون نموذجا، ووصول الموظفين الدوليين، بحجم ووزن مؤيد وغيره، إلى محافظة تعز، والاستقرار فيها أغاظ أطرافا عديدة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي، وهناك طرف لمصلحته بقاء الفشل الأمني في تعز لفرض سيطرته الأمنية والعسكرية، وطرف يستهدف تعز بشكل عبثي، وهي الجماعة الانفصالية في الجنوب".

وأشار إلى أن "هناك مخططا للأمم المتحدة لبناء نموذج لأنشطتها في تعز، وهذا يغيظ مليشيا الحوثي، وغيرها من المليشيا المسلحة، التي تتقاسم النفوذ الميداني على حساب السلطة الشرعية، ولا يرضي هذه الأطراف أن تتكرس تعز كساحة لاختبار دولة القانون، ونجاح السلطة الشرعية، التي جُردت من نفوذها وإمكانياتها في بقية المناطق".

واعتبر أن "مليشيا الحوثي، التي تحتفظ بميزة أن لديها مكاتب الأمم المتحدة، تريد فرض الوصاية على محافظة تعز، وخنقها من خلال البرامج الإغاثية والمساعدات الإنسانية التي تقدمها برامج الأمم المتحدة، والاستمرار بالتحكم بها بشكل مهم جدا".

وقال: "مليشيا الحوثي ترى أن عندما تفلت من يدها ورقة خنق تعز، من خلال تحكمها ببرامج الأمم المتحدة، فإن تعز ستنعتق وهي الطرف الذي يمارس حصارا خانقا عليها".

وأكد أن "مليشيا الحوثي تمارس حصارا عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، مكثفا على تعز، فيما بقية الأطراف تمارس حصار نفوذ وحصار سياسي، وتستهدف تعز كمشروع وطني تريد كسره بأي شكل من الأشكال، وإعادة توظيف الجغرافية السياسية لتعز لصالح مشاريعها المختلفة".

وأضاف: "نحن أمام مشاريع انفصالية، ومشاريع للهيمنة الطائفية، كالمشاريع الحوثية، التي تحاول إعادة إنتاج النظام الأمامي، ومشاريع لإعادة إنتاج السلطة الجهوية التي يمارسها البعض، خصوصا في الساحل الغربي لمحافظة تعز".

وأشار إلى أن "هذه الجريمة خططت لها أجهزة استخبارات، ولن أتنازل عن توصيفها بأنها قتل مأجور، وتعيد إنتاج نفس وصفات القتل السياسي، الذي شهدناه خلال السنوات الماضية".

ولفت إلى أن "هذه العمليات تنفذ ليس على هامش الفوضى والاضطرابات في محافظة تعز، بل إنها يمكن أن تنفذ في أكثر البلدان والمناطق أمانا واستقرارا".

وقال: "هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن تجعلنا نتوقع من يقف خلف هذه العملية، التي ليست عملية منفلتة، وإنما نفذت ببصمات استخباراتية".

وأضاف: "هذه العملية تتكرر بمحافظات أخرى، لكن في المحافظات الأخرى نفذ القتلة بجلودهم، أو أنها لم تكن هناك أطراف تريد أن تضع يدها عليهم، لكن في محافظة تعز لم  يكن أمام القتلة إلا أن يقعوا بيد الأجهزة الأمنية".

وتابع: "الأجهزة الأمنية بشرطة تعز في هذه العملية أثبتت كفاءتها، لكن ما يحزن أن الجريمة حدثت في مدينة التربة، وهي واحدة من البؤر السكانية الكثيفة على مستوى اليمن، وهي مدينة اكتظت بالسكان، في السنوات الأخيرة، بعد عودة الكثير ممن كانوا مشتتين في جميع أنحاء الجمهورية".

ويرى أنه "كان ينبغي ألا يسمح لهؤلاء أن يتجولوا بأسلحتهم على متن الدراجات النارية على الأقل".

وأوضح: "أراد المجرمون أن يقتلوا الصلة الحميمية التي أقامها المسؤول الأممي، رغم أنه وصل حديثا، فوجوده في مطعم واحتكاكه بالناس، يعني ذلك أنه كان متحمسا، ولديه من الإخلاص ما يكفي لتنفيذ برنامج الأغذية العالمي، وضرب هذه الحالة الحميمية، هي عملية سياسية استخباراتية قذرة بامتياز، تأتي ضمن أجندة استهداف تعز من خلال استهداف هذا المسؤول، للأسف الشديد".

وشدد على أن "تعز اليوم يجب أن تغادر بشكل نهائي مربع الخلافات السياسية والحزبية، لكي يبقى هذا التضامن حالة مستدامة، وليس فقط التضامن الذي تحقق على خلفية مقتل المسؤول الأممي، رحمة الله عليه".

واقترح "على محافظ تعز أن يبذل جهدا مضاعفا، فهو من يمتلك موارد المحافظة، سواء كانت قليلة أو كثيرة، فهو من يتحكم بها، وعليه أن يتصرف بشكل مختلف، لا سيما وأنه هو اول من اختط مدينة التربة كعاصمة للمحافظة، وعليه أن يحافظ عن السمعة الأمنية لهذه المحافظة، وأن يدعم الأجهزة الأمنية، ويحافظ على وحدة النسيج الاجتماعي لكل الذين يسكنون تعز من كل أنحاء الجمهورية".

 

- تعز ملاذ آمن

يقول المحامي والناشط الحقوقي، عمر الحميري: "إن جريمة اغتيال الموظف الأممي كانت صادمة وفاجعة، ولها سياق معين، فمحافظة تعز على المسار الأمني تشهد تحسنا بشكل كبير جدا، ومن يعيش فيها يدرك أن هناك اختلافا وتحسنا وجودة وانضباطا في السلطة الأمنية، مقارنة بالفترات الماضية".

وأوضح: "حالة التحسن الأمني في محافظة تعز ربما يزعج الكثير ممن يريدون شيطنة الصورة المنقولة عن تعز، ويسوق لها على أنها مدينة إرهاب، ويحاصرها ويعتدي عليها، كمليشيا الحوثي، التي دائما تأتي جرائمها الإرهابية بنفس سياقها الإعلامي، الذي يصنف تعز بأنها محافظة إرهابية وداعشية".

وأضاف: "محافظة تعز تعتبر الملاذ الآمن للجمهورية فيها العقول، وفيها المساحة الآمنة، ومدينة بعيدة عن الصراعات المناطقية، وفيها حراك سياسي وحزبي وحقوقي ومطلبي، وهو الحراك الذي يعكس وجود حرية وأمن وسلطة دولة".

وتابع: "نعلم جيدا أن موظفي الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي، وبقية الهيئات التابعة للأمم المتحدة، لديها بروتكولات أمنية وتصنيفات وخطط وإجراءات أمنية مشددة لانتقال وخروج الموظفين الأجانب في المناطق التي يعملون فيها، خصوصا عندما يكون الخروج من مقر الإقامة أو مقر العمل".

وأشار إلى أن "عند خروج الموظف أو المسؤول الأممي يجب أن يكون هناك تمشيط أمني وسيارات تابعة للأمم المتحدة، وحراسة تتبع سلطة الأمن المحلية، وهذا لم يكن متوفرا، وذلك ربما لأن الموظف الأممي -رحمة الله تغشاه- شعر بأنه في مدينة آمنة وهي كذلك، إلا أن الجريمة كانت مرتبة من قبل من يريدون المساس بأمن المدينة، ولديهم دوافع".

وقال: "ننتظر الكشف عن دوافع الجريمة المدانة، وستأخذ حقها من العقاب، وسنكون جنبا إلى جنب مع كل من يعمل على مثل هذه القضايا، وكما نعزي أسرة شهيد الإنسانية مؤيد حميدي، نتوجّه أيضا بالشكر الجزيل لشرطة تعز على الجهود الأمنية، التي بذلت وحققت إنجازا أمنيا كبيرا خلال 24 ساعة فقط".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية