صنعاء.. جولة جديدة من صراع الأجنحة الحوثية
شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء جولة جديدة من الصراع بين فصائل مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانياً، في مؤشر واضح على ازدياد حجم الانقسام والتصدع في صفوفها.
وتصاعدت، مؤخراً، موجة الصراعات بين فصائل المليشيا لأسباب تتعلق بالمناصب والنفوذ والإتاوات المالية في المؤسسات الإيرادية بما فيها القطاع المنظماتي، بيد أنها تفاقمت بشكل أكبر داخل أروقة أجهزة المليشيا الاستخباراتية والأمنية في صنعاء مما دفع بعض قياداتها لاتخاذ خطوة انتقامية ضد خصومها في الجناح المناهض لها.
صراع بيني
وأصدر القيادي الحوثي يحيى عبدالله المؤيدي، الذي ينتحل رتبة "عميد" وصفة مدير أمن محافظة صنعاء، وينحدر من شمال الشمال، قراراً -حصلت وكالة خبر على نسخة منه- قضى بتوقيف قيادي آخر لدى الجماعة نفسها، ينتحل رتبة "عقيد" وصفة قائد فرع ما تسمى قوات النجدة بصنعاء، ويدعى نعمان المطري، وكنيته "أبو رداد الجاهلي"، بعد نحو أسبوعين من قيام مشرفين حوثيين بمعية مجاميع حوثية مسلحة بتهريبه من سجن المفتش العام التابع لوزارة الداخلية بصنعاء.
وأرجع المؤيدي، قرار إيقاف "أبو رداد الجاهلي"، إلى تحريكه أطقماً تابعة لفرع قوات النجدة بمحافظة صنعاء، في الـ15 من يوليو الجاري، إلى محافظة الجوف (شرقي صنعاء)، دون علمه، أو أخذ الإذن منه أو الإدارة العامة للقيادة والسيطرة وتصرفه بمزاجية وعشوائية، حد وصف الوثيقة.
وكان القيادي الموقوف "أبو رداد الجاهلي" قد حرك عشرات الأطقم العسكرية مع جموع كبيرة من المقاتلين القبليين الموالين للمليشيا من أبناء مديرية بني مطر غربي محافظة صنعاء، ضمن حملة عسكرية كبيرة أرسلتها المليشيا الحوثية ضد قبائل الجوف وخاصة قبائل بني نوف تضم نحو 300 آلية عسكرية، بهدف محاصرتها والقبض على متهمين بقتل قيادي عسكري ميداني تابع لها ينحدر من بني مطر نفسها، ويدعى "محمد أحمد النصرة"، وكنيته أبو عقيل المطري.
والقيادي "المطري"، وهو الرجل الثاني في قيادة ما تسمى المنطقة العسكرية السادسة، قتل السبت 15 يوليو/ تموز، برصاص مسلحين قبليين شرقي الجوف.
واستغل القيادي "المؤيدي"، تحريك القيادي "أبو رداد الجاهلي" لتلك القوة العسكرية دون توجيهاته، كمبرر لتوقيفه عن عمله تمهيدا لاستبداله بآخر موال له، خصوصا أن إعادته إلى عمله في قيادة فرع النجدة بعد تهريبه من السجن، جاءت نتيجة وساطة قيادات وتقديم ضمانة، مشيراً في إحدى لقاءته مع مشايخ ووجهاء قبائل بني مطر أن الحوثيين الذين لم يخشوا دول التحالف كاملة، لن يبالوا بقبائل بحجم بني مطر، وهو ما اعتبره رجال القبائل تحقيراً لهم.
وعلى صلة، هاجم زعيم قبلي بارز، أحد القيادات الحوثية، رداً على تحقيره والتقليل من شأن قبائل بني مطر، مرجعاً الفضل فيما حققته مليشيا الحوثي من تواجد الى إسناد قبائل اليمن لها، وإلا لكانت تغيرت الكثير من الموازين.
واستنكر الشيخ القبلي عبدالكريم القرعي أحد مشايخ قبائل بني مطر، في كلمة نارية أثناء تجمع حاشد لأبناء القبائل أقيم في صنعاء عقب عودتهم من الجوف، قرار مدير أمن صنعاء "المؤيدي"، بإيقاف قائد فرع قوات النجدة في بني مطر "أبو رداد الجاهلي" عن عمله، على خلفية فزعته وغارته مع قبائل بني مطر عقب مقتل أحد أبنائها القيادي أبو عقيل المطري على أيدي من وصفهم ب"قطاع الطرق بالجوف".
وسرد الشيخ القرعي، في فيديو متداول، أربعة مواقف قام بها القيادي الحوثي يحيى المؤيدي أساء بها إلى قبائل بني مطر، وقلل من شأنها، قائلاً: "الموقف الأول في محافظة صنعاء بحضور اغلبية المشايخ، بيتحاكوا من الموقف قال المؤيدي (مخاطباً مشايخ بني مطر) يا بني مطر ما حنا خايفين منكم ما خفنا من 17 دولة (في إشارة لدول التحالف العربي) وقاتلنا أمريكا".
وتساءل الشيخ القرعي ساخراً: "لا أدري هل (المؤيدي) قاتل أمريكا لحاله، أو هم اليمن"، مشيراً إلى أن "بني مطر ضحت بـ 4000 (..) وأكثر من 10 آلاف جريح من دون الأسرى والمفقودين".
وأوضح أن "الموقف الثاني واجه أبو حيدر المطاع (مشرف الحوثيين في بني مطر) قال أنتو يابني مطر سرق تمام".
وتابع، "الموقف الثالث جرى بينه مع أبو يونس طامش (مشرف حوثي من ابناء بني مطر) بدون وجه حق قال له هكذاك ليش ما تطيعني"، معقباً الشيخ المطري: "لا طاعة الا لله ما هي ليحيى المؤيدي وغيره من صعدة أو من بني مطر"، مشددا على أن "الطاعة لله الواحد القهار".
وزاد، "الموقف الثالث، توقيف عمليات المحافظة أبو جلال هادي (أحد ابناء قرية مذرح في بني مطر)، دخل أبوه يزوره ومنع عليه الزيارة وحبس أبوه ومات أبوه في السجن".
وأضاف: "الموقف الرابع هو موقف (أبو رداد)، ان والله الفزعة مع الأخ والصاحب وهذا الذي قتل في الجوف فزعنا معه وهو ابن دولة ومسؤول دولة ومسؤول كبير ونفزع معه وأخ".
واختتم القرعي، حديثه لمشايخ بني مطر بتخيير جماعة الحوثي: "يا اختارت يحيى المؤيدي يا اختارت بني مطر.. أحنا ضحينا برجالنا. ودماؤنا سالت في كل جبهة وفي كل شعب وفي كل سهل وفي كل وادي".
ومطلع شهر يوليو، قال مصدر أمني بصنعاء لوكالة خبر، إن مشرفين حوثيين يحملون كنيات "أبو نجاد" و"أبو زكريا" و"أبو حيدر الخاوي" تمكنوا من تهريب القيادي الحوثي نعمان المطري المكنى "أبو رداد الجاهلي" والمعين قائدا لما تسمى قوات النجدة بمحافظة صنعاء والذي اتُهم من قبل فصيل حوثي يضم القيادي يحيى عبدالله المؤيدي بـالخيانة والعمل لصالح ما أسماه بـ"العدوان"، وفشل العمل الأمني بمحافظة صنعاء والذي تم إيداعه بعد نشر تقرير سري داخلي ضده في سجن يديره القياديان عبدالكريم الحوثي وعبدالله محمد الهادي، الأمر الذي فجر خلافات داخلية بين أجنحة المليشيا.
انقسام حوثي
وفي سياق حملة الاعتقالات والاطاحات التي تشنها الأجنحة الحوثية بحق قيادات بعضها، اختطفت المليشيا، أول من أمس، احد قيادييها، بعد أن وجّه انتقادات لاذعة لبعض كبار قيادات الجماعة، على خلفية نزاع حول المناصب والأموال، وذلك في ظل تزايد صراع هذه الاجنحة.
وقالت مصادر محلية، إن مليشيا الحوثي اختطفت القيادي "محمد عباس الشهاري"، صباح اول من أمس في صنعاء، بعد أن استدرجته باتصال من قبل أحد عناصرها -غير معروف هويته- بمزاعم طلب وزير داخلية حكومة صنعاء غير المعترف بها المدعو عبدالكريم الحوثي، مقابلته لتكريمه والاشادة به في مجابهته الفساد والمفسدين.
وعين الشهاري سابقا مديرا عاما في الهيئة الحوثية المستحدثة المتخصصة بالرقابة على المنظمات الدولية "اسكمشا"، والتي تهيمن على عمل المنظمات الدولية وتديرها وتحتكرها، لكن المدير السابق للمجلس الاعلى للتنسيق وادارة الشؤون الانسانية والتعاون الدولي عبدالمحسن الطاووس، ورئيس مجلس إدارته أحمد حامد، والذي يعمل أيضا مدير مكتب مهدي المشاط ويعد أحد أقوى القيادات الحوثية، فصلاه تعسفا، ورفضا أوامر محكمة خاضعة لسيطرة الحوثيين بإعادته.
وأحدثت الواقعة حالة انقسام بين قيادات المليشيا نفسها، ما بين مؤيد ومعارض، في دلالات على حالة التخبط التي تعيشها الجماعة، بعد أن أصبحت تنظر إلى "الدولة والشعب" ملكية خاصة بها.
ومنذ أشهر يخوض الشهاري من على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي سلسلة حملات هجوم لاذع ضد القياديين "الطاووس وحامد"، كشفت خلالها وثيقة، عن فضيحة توظيف وتعيين الأخير لنجله في منصب بالمجلس الأعلى للتنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية، وبمرتب كبير من العملة الصعبة، ما دفع القياديين "الطاووس وحامد" إلى رفع دعاوى ضده في محكمة الصحافة بصنعاء، بتهمة التشهير، اعتقل على إثرها قسراً بحيلة ماكرة وتم اقتياده وايداعه زنازين سجن البحث الجنائي بصنعاء.
وخلال العامين الماضيين، ارتفعت وتيرة الخلافات والصراعات الداخلية أكثر بين القيادات العليا لمليشيا الحوثي، أبرزها المشاط وأحمد حامد من جهة ومحمد علي الحوثي من جهة أخرى، على المناصب والمؤسسات الإيرادية في ظل محاولات مستميتة لكل جناح إزاحة الموالين للجناح المناهض له.
وتخضع صنعاء وعدة محافظات لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران منذ انقلابها المسلح في 21 سبتمبر 2014، وتشهد بين الحين والآخر عملية اختطافات وإخفاء قسري وايداع في السجون قيادات وعناصر متصارعة لفصائل وأجنحة حوثية لأسباب تتعلق بالمناصب والنفوذ والمصالح المادية والأراضي والعقارات وصراعات ذات طابع مناطقي عنصري في بعض الأحيان.
التعليقات