ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

في ضرورة مواجهة مساعي الحوثية لفرض هويتها على المجتمع


رغم استمرار صراع اليمنيين مع الإمامة ودويلاتها المتعددة نحو ألف عام، ورغم تمكنهم بين الفينة والأخرى من حكم أجزاء واسعة من البلاد لعشرات السنين خلال ألألف عام الماضية إلا أنهم لم يتجرأوا على محاولة فرض مذهبهم وهويتهم الطائفية خارج مناطق تمركزهم التاريخية.

بقيت تحاول الحفاظ على الرقعة التي بسطت نفوذها عليها وشيعتها خلال القرون الأولى بعد وصول الرسي وجحافله إلى صعدة، وتمددت قليلاً في الأطراف خلال القرون اللاحقة وحسب المؤرخين فإن آخر المناطق التي تمكنت دولة الإمامة من تغيير هويتها المذهبية كانت بلاد "الحدا" في ذمار (جنوب صنعاء).

اليوم ورغم قصر الفترة التي عادت فيها الإمامة بنسختها الجديدة القديمة انطلقت ببجاحة لفرض مفاهيمها ورؤيتها للدين والحياة على السكان في عمق المناطق السنية (شافعية المذهب)، بل إنها تتصرف بجرأة منقطعة النظير وتسابق الزمن في محاولة لتجنيد وتجييش أكبر قدر من الشباب الذين تعتقد أنهم فعلاً يمكن أن يكونوا هدفاً سهلاً لغسل أدمغة وترى أنها بهذه الطريقة يمكنها السيطرة على المستقبل.

ما تمارسه الجماعة في محافظة ريمة كواحدة من أكثر المحافظات اليمنية كثافة سكانية، من حيث مقارنة المساحة بعدد السكان، خطير للغاية، حيث تعمل جاهدة على تغيير الهوية الفكرية والمذهبية للسكان هناك عن طريق تكثيف الأنشطة التعبوية عبر الخطب والفعاليات والأنشطة المدرسية والشبابية على مدار العام.

فمنذ لحظتها الأولى صبت الجماعة تركيزها على المساجد والمدارس لتسخيرها للتعبئة الطائفية وتعميم الأفكار التي تتبناها الجماعة على السكان في مديريات المحافظة، فبعد إجبار خطباء المساجد والقيادات التربوية ومعظم المدرسين على الإلتحاق بدوراتها التعبوية حولت المدارس إلى منصات لأنشطتها وفعالياتها التي لا تكاد تنتهي.

فما إن تنتهي من فعاليات عاشوراء حتى تدخل في فعاليات إحياء مقتل الإمام زيد، وقبلها إحياء ذكرى مقتل بدر الدين الحوثي وقبلها وبعدها يوم الشهيد ويوم مقتل حسين الحوثي .... إلى آخره، ورغم تسخير الإذاعة المدرسية يومياً لنشر الأفكار المذهبية والطائفية فإنها لا تكتفي بذلك بل مع كل فعالية تعطل الدراسة تماماً وتجمع الطلبة في ساحات المدارس للإستماع لمحاضرات وخطب مشرفيها الثقافيين الذين ترسلهم بشكل دائم.

لا ميزانية لصرف رواتب المعلمين لكنها تجد الميزانية الكافية لتفعيل كل تلك الأنشطة ولتمويل المراكز الصيفية وإحياء الفعاليات الخاصة بمناسباتها.

مؤخراً أعلنت سلطات مليشيا الحوثي عن فتح مدرسة ضمن نمط خاص من التعليم الطائفي المكثف أسمته مدارس "شهيد القرآن" في إشارة إلى مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ولعل القارئ يفهم خطأً أنها بنت مدرسة، لا لا هي لم تفعل ذلك فليس من شيمها بناء مدارس، وإنما استولت على مبنى حكومي كان مخصصاً لمشروع كلية وبعدها استخدم كمقر للإدارة التربوية في المحافظة وحولته إلى مدرسة خاصة بها وأعلنت أنها توفر في هذه المدرسة سكن وتغذية للملتحقين بها، في محاولة لإغراء السكان لإرسال أبنائهم مستغلة ما وصل إليه الناس من الفقر والفاقة بسبب سياسة التجويع الممنهجة التي اتبعتها خلال السنوات الماضية.

محافظة ريمة تعد من أفقر المحافظات وأكثرها تعرضاً للحرمان من المشاريع التنموية لكن أبناءها مكافحون ويؤمنون بالدولة إيماناً مطلقاً، وحضروا في كل المحطات دفاعاً عن الدولة والجمهورية كان آخرها حضورهم الكثيف في مواجهة مليشيا الحوثي ولهذا رأت المليشيا أن تكثف استهدافها لهذه المحافظة في محاولة لتسخير هذه الكتلة البشرية لمشروعها الخبيث، ولهذا فتواصل فرض محافظ وكثير من المسؤولين من خارج المحافظة وفي مقدمتهم مدير التربية بما يضمن لها استغلال هذا القطاع بطاقته القصوى لأدلجة النشء.

تحقق المليشيا الكثير من أهدافها لأنها تتحرك باسم الدولة وتتحكم بأقوات وأرزاق وحياة الناس، فقد ربطت السلة الغذائية واسطوانة الغاز وفرص التشغيل، وقايضت حتى السلامة الشخصية للنشطاء والوجاهات المجتمعية بمدى التجاوب مع أنشطتها وفعالياتها أو حتى على الأقل عدم إعاقتها، وهذا أدى لانصياع كثير من الوجهاء والقيادات المجتمعية والتربويين لتوجيهاتها وقبل سنوات حملت العشرات من قيادات التربية والتعليم على متن حافلات من ريمة إلى محافظة الجوف ما عرضهم لقصف مقاتلات التحالف وسقط معظمهم بين قتيل وجريح.

خلال عامي 2015 – 2016 تمكنت مليشيا الحوثي من اختراق البنية الاجتماعية والسياسية في المحافظة عبر تحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو ما مكنها من استقطاب وتشغيل كوادر حزب المؤتمر الشعبي الذي يعد الأكثر انتشاراً في المحافظة، لكنها في النهاية وبعد أن انفض الحلف بمقتل صالح، بنت أدواتها الخاصة وصنعت مراكز نفوذ جديدة بعد أن تمكنت من أدلجة شخصيات انخرطت معها في البداية نكاية أو بحثاً عن مصالح.

ريمة ليست وحدها تواجه هذه الموجة لكن تركيز المليشيا على المحافظة السنية وتكثيفها لتحركاتها وأنشطتها رغم أنها لا تتمتع فيها بأي حاضنة مجتمعية ولا تدين بمذهبها وفكرها يجعلنا ندق ناقوس الخطر قبل أن تتمكن هذه المليشيا من تفخيخ عقول الشباب وتحويل المنطقة إلى معمل لتخريج إرهابيين ينشرون الموت تحت راية "الحسين".

اليوم تقع المسؤولية علي النخب في مواصلة تنبيه المجتمع في كل المحافظات إلى خطر تسليم أبنائهم لهذه الجماعة التي تحولهم إلى مسوخ وقنابل موقوتة تهدد بمزيد من العنف في المستقبل، ويقع على عاتق النخب في الداخل والخارج فتح قنوات لإيصال الرسائل للمجتمع الواقع في قبضة المليشيا ومساعدته على مواجهة هذه الموجة والخروج بأقل الخسائر.

 

(المصدر أونلاين)

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.