الإعاقات الدائمة…إحدى تداعيات الحرب المؤلمة على اليمنيين!

يشهد اليمن ارتفاعًا مخيفًا في أعداد الإعاقات الدائمة بين أوساط المدنيين والعسكريين منذ بدء الحرب التي دخلت عامها التاسع.

وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن إصابة آلاف اليمنيين بالإعاقة منذ بدء الحرب.

وأفادت في بيان مقتضب لها عبر منصة إكس أنه” أصيب آلاف الأشخاص بالإعاقة نتيجة انفجارٍ  أو لغم، أو إصابتهم بطلق ناري، منذ بدء الصراع في اليمن قبل 8 سنوات.

وتمثل الألغام الأرضية والمتفجرات خطرًا مباشرًا على حياة المدنيين، وهي السبب الأكبر في سقوط الآلاف من الضحايا.

ووفقًا لمشروع رصد الأثر المدني التابع للأمم المتحدة فإن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التي زرعها الحوثيون تسببت في سقوط أكثر من 9 آلاف ضحية بين المدنيين منذ بداية النزاع.

ولا تزال أعداد الضحايا مرتفعة بسبب الألغام الأرضية والفردية والألغام المخادعة التي زرعتها الميليشيات الحوثية بأشكال قريبة للطبيعة مثل الأحجار والمجسمات النباتية، ووزعتها على جنبات الطرقات وفي الحقول والمزارع والمناطق المأهولة بالسكان.

وتشير آخر إحصاءات مشروع “مسام” السعودي لنزع الألغام الحوثية في اليمن إلى أن المركز قام منذ تأسيسه عام 2018م وحتى أبريل 2023م بنزع وإتلاف (368351 ) لغمًا وعبوة ناسفة وقذيفة غير متفجرة.

قصصٌ من المعاناة

ماهر هادي (أمين عام مساعد في رابطة جرحى تعز ورئيس الدائرة الإعلامية فيها)، من أهالي منطقة ثعبات محافظة تعز هذه المنطقة التي دمرتها الحرب التي شنتها المليشيات الحوثية على تعز، والتي سقط من أبنائها 120 شهيدًا  وعشرات من الجرحى في جرائم متعددة قامت بها هذه المليشيات الإرهابية و لا  تزال المنطقة  تعاني من الألغام المزروعة من قبل الجماعة  الانقلابية فيها إلى الآن وما يزال الضحايا يتساقطون فيها باستمرار.

ماهر هادي، قبل الحرب كان قد أكمل الثانوية العامة وعندما بدأت الجماعة الحوثية الانقلابية بحربها على تعز كان من السباقين إلى الدفاع عن المدينة والذود عنها.

وفي تاريخ 18/ 11/ 2016 كان ذاهبًا لتعزيز أحد المواقع في منطقة صالة، حينها داس ماهر لغمًا في حي العميري في منطقة صالة الأكثر تضررًا من الحرب والتي ما تزال حتى اليوم تتعرض لقناصة الحوثي وتودع الشهداء والجرحى.

كان ذلك اليوم بالنسبة لماهر يومًا مؤلمًا جسديًا ونفسيًا، يشرح حاله بأسفٍ قائلًا” وقتما دست على اللغم وحصل الانفجار،  لا أريد أن أتذكر تلك اللحظة، فقد كانت لحظةً مرعبةً،  كنت لا أعلم ماذا يحدث لي، أصيح بأعلى صوتي، ألمٌ  لا يطاق، أحسست أن جسدي كله يفارق الحياة رويدًا رويدا”.

وأضاف ماهر” جاء بعض الشباب واسعفوني، دخلت العمليات وأنا لا أعلم ماذا بي حتى تفاجأت وقتما صحيت من التخدير- بعد العملية-  أن رجلي اليسرى لم تعد موجودة،   كانت لحظة مؤلمة، أحسست بانهيار تام وقتها،  لم أعد أرغب بالعيش،  كنت في أوقات كثيرة أخبر نفسي:  كيف لي بعد هذه الإعاقة أن أعيش المستقبل كيف سأخدم وطني الذي لطالما تمنيت أن أكون فعالًا  في خدمته وخدمة مدينتي تعز ومجتمعها”.

وتابع” بعد 18 يومًا خرجت من المستشفى وفي اليوم الذي خرجت فيه من المشفى لا أكاد أستقيم سويًا،  تلقيت الصدمة  الأكبر التي  كسرتني للحظةٍ  أحسست أني انتهيت فعلًا،  جاء خبر استشهاد حلمي- أخي الذي هو أصغر مني-  والذي كنتُ متعلقًا به  كثيرًا، استشهد في إحدى المعارك ضد الحوثي،  تذكرت أبي وأمي وإخواني وأخواتي كيف سيتقبلون هذه الصدمة بعد صدمتهم  الأولى بإصابتي”.

وواصل” الإعاقة تبقى إعاقة، لكن العبرة فيمن يتحداها، والحمد لله، فقد عملت جاهدًا على تحدي الإعاقة فأكملت  تعليمي الجامعي وهأنا أعمل وأجتهد وأحاول أن أكون سندًا لإخواني الجرحى من أبناء مدينتي”.

واختتم” نطالب الجهات المعنية والمنظمات بالعمل على نزع الألغام التي قامت بزراعتها المليشيات الحوثية الإرهابية،  والتي ما يزال  يسقط الكثير  من الضحايا بسببها، لكي لا تزيد نسبة الموت ونسبة الإعاقات، يكفي تعز وأبناءها ويكفي اليمنيين جميعهم ما مروا به خلال سنوات الحرب التي مضت”.

 إعاقةُ البصر موجعةٌ أكثر

الجريح/ أحمد عبد المغني، في تأريخ 2021/8/31 كان ذاهبًا إلى مزرعته في منطقة الشقب محافظة تعز، المزرعة التي يعتمد عليها في الحصول على قوت يومه، وأثناء دخوله إلى المزرعة   داس على مكان اللغم برجله اليسرى  وهو لا يدري  ثم  رفع رجله  فانفجر اللغم به وبقي – وقتها-  محاصرًا لا يستطيع الخروج بسبب إصابته،  وبسبب  قناص  الحوثي المتمركز في تبة الصالحين.

يقول أحمد لـ” يمن مونيتور” حاصرني القناص في المزرعة أثناء إصابتي كان يضرب عليَّ بشكل عشوائي، وكنت أصيح باحثًا عن منقذ  وأعاني من بترقدمي وعمى في عينيَّ الاثنتين،  لم أعرف أين  طريق الخروج فقمت بالزحف وسط المزرعة كي أجد مكانًا  أحمي به  ما تبقى من جسدى  من خطر القناص”.

وأضاف” استخدمتُ حاسة اللمس فزحفت مصابًا إلى جنب صخرة صغيرة، حمتني من القنص وقمت بشق قميصي  وربط رجلي المصابة ، وكنت  حينها، أعاني  من فقد العينين نتيجة الشظايا، وألم لا يطاق  منهما ومن رجلي، ناديت المواطنين فبلغوا  قيادة  الموقع للتغطية من أجل أن يساعدونني في سحبي”.

وأردف” بعد ثلاث ساعات من الحصار الخانق الذي تعرضت له من قبل قناصة الحوثي نزفت خلالها الكثير من الدم  قمت بكسر عصا من إحدى الأشجار التى كانت حولي  وحاولت القيام على الرجل الأخرى، ثم أتى أحد  الموطنين ورمى لي بالحبل فوصل فوق يدي وقال لي اربط نفسك بالحبل ففعلت ذلك ثم تم سحبي عبر الحبل بسرعة؛  خشية من القناص الذي ما زال محاصرًا لي”.

وتابع”  ثلاث ساعات أخرى قضيناها  في السفر إلى المستشفى داخل المدينة كانت كفيلة بنزف الكثير من الدم حتى دخلت في غيبوبة، أفقت منها بعدما تم عمل العملية والتي بتر فيها ما تبقى من قدمي،  وعمليتين للعينين، عينٌ  واحدة الآن  أرى  بها الضوء فقط دون تميز، وأما الأخرى فلم  أعد أرى بها شيئا”

وواصل” حاليًا أنا  رهن إعاقتين إعاقة حركية وأخرى بصرية لكن إعاقة البصر موجعة أكثر، وقد قيل لي إن هناك نوع من الأمل في عودة النظر لي من خلال عين واحدة لكني  أحتاج إلى عمليةٍ  تكلف ألف وثلاثمائة دولار، لم أقدر على الحصول على هذا المبلغ حتى الآن، فوكلت أمري لرب السماء”.

رهن الإعاقة إلى أجل غير مسمى

برهان عبد الرحمن (29 عامًا) أحد أبناء محافظة تعز،  أب لثلاث بنات، تعرض للغم أرضي زرعته مليشيا الحوثي في منطقة الفرضة محافظة مأرب،  أدى إلى بتر رجله اليسرى في عام2017م،  هذه الإصابة جعلته رهين الإعاقة الدائمة.

يقول برهان” منذ إصابتي حصلت على فرصة للسفر إلى عمان لتلقى العلاج و عمل طرف صناعي مناسب لي وذلك مع  مجموعة من الجرحى والمصابين، من الذين حالفهم الحظ في السفر وقتذاك على نفقة الشيخ حمود المخلافي”.

وأضاف لـ” يمن مونيتور” اضطررنا للسفر إلى الخارج لأن حال الطب في اليمن لا يخفى على أحد ما يعانيه الجانب الطبي من قصور وشحة في الإمكانات الطبية، وهذا ما انعكس سلبًا على حياة الكثير من الجرحى ممن لم يحالفهم الحظ في السفر “.

وتابع” هذه الإعاقة جعلتني غير قادر على الحصول على فرصة عمل، فالمعاق عادة ما يبقى ملازما فراشه، وإن حاول جاهدا أن يصارع الواقع ويتحدى الإعاقة يجد الوضع المعيشي والاقتصادي الذي تعاني منه البلاد عائقًا أمامه، يثنيه عن مواصلة التحديات أو تحقيق الحلم”.

وواصل”  مؤلم أن تكون مصابًا في الوقت الذي تكون فيه عاجزًا عن بناء بيت صغير لأطفالك يأويهم ويحفظم، أو ألا تحصل على فرصة عمل مناسبة لوضعك المرضي”.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية