خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين
حروب بلا مكاسب.. الحوثيون والثمن الباهظ للتبعية لإيران
صعّدت دولة الاحتلال الإسرائيلي من هجماتها على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل تصاعد التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون متوعدين الحوثيين بدفع ثمن باهظ ردا على هجماتهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي المقابل، يستمر الحوثيون في شن هجماتهم، مدفوعين بعدم تأثرهم بشكل كبير بهجمات إسرائيل، كما أن تصريحات مسؤولين إسرائيليين حول صعوبة الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة عن الحوثيين وغياب شبكات مخابرات إسرائيلية في اليمن، عززت من ثقة الحوثيين ودفعهم لمواصلة استهداف إسرائيل.

غير أن المسار التصاعدي للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الحوثيين يبدو شبيها بعملياتها العسكرية ضد حزب الله اللبناني، كما أن تصريحات القيادات الإسرائيلية بخصوص صعوبة الحصول على معلومات استخباراتية عن الحوثيين ومحدودية تأثير الهجمات ضدهم قد تكون مجرد خدعة الهدف منها تشجيع الحوثيين على شن مزيد من الهجمات، والتي ستمكن إسرائيل من التمهل والمراقبة الدقيقة لمواقع تخزين الأسلحة وتحركات القيادات الحوثية، تمهيدا للتخطيط لعمليات عسكرية دقيقة ومتزامنة تستهدف القيادات ومخازن الأسلحة.

ومن هذا المنطلق، قد تسعى إسرائيل إلى تكرار السيناريو الذي اتبعته مع حزب الله في لبنان، حيث واجهته إسرائيل بهجمات محدودة وغير مؤثرة في البداية، قبل أن تتمكن من تنفيذ عمليات عسكرية مركزة وسريعة أضعفت قدراته خلال مدة زمنية قصيرة، ولم تترك له فرصة لالتقاط أنفاسه أو إعادة تنظيم صفوفه، مما جعل عملياتها العسكرية تحقق أهدافها الإستراتيجية بأقل تكلفة ممكنة.

- الحوثيون والحرب غير المتكافئة من أجل إيران

على الرغم من أن هجمات الحوثيين على الكيان الصهيوني تفتقر إلى التأثير العسكري الجوهري ولم تحقق أي هدف ملموس، ولا تساهم فعليا في تغيير مسار الصراع، وتأثيرها على الأرض يكاد يكون معدوما، فإن تلك الهجمات ليست سوى رسائل إيرانية تُرسل من خلال وكيلها الحوثي، آخر أذرعها النشطة في المنطقة، وفي الوقت نفسه يأمل الحوثيون أن تعزز تلك الهجمات موقفهم الداخلي أمام خصومهم في اليمن، مع أن ذلك مجرد وهم تروجه إيران للمليشيات الطائفية التابعة لها.

يخاطر الحوثيون بأنفسهم وبالشعب اليمني في صراع وحرب غير متكافئة، بينما تحركاتهم تجاه إسرائيل لا تحمل قيمة عسكرية حقيقية، بل فهي تخدم أهدافا إيرانية بحتة، وهم ليسوا أكثر من وكلاء لإيران في هذا الصراع، حتى وإن حاولوا استغلال ذلك لتعزيز جبهتهم الداخلية، لكنهم في الوقت نفسه يعرضون أنفسهم لخطر الرد الإسرائيلي الذي قد يؤدي إلى إضعافهم كثيرا، فهم ليسوا أقوى من حزب الله أو بشار الأسد، بل فهم يمثلون الحلقة الأضعف من بين مكونات المحور الإيراني الذي انهار خلال مدة زمنية قصيرة، والآن تحاول إيران نفخ الروح في محورها المنهار عبر مليشيا الحوثيين في اليمن.

في البداية، كان انخراط الحوثيين في الحرب ضمن ما يسمى "وحدة الساحات" للمحور الإيراني، بذريعة مساندة قطاع غزة، لكن الهدف الحقيقي كان جعل التصعيد الإقليمي بعيدا عن الأراضي الإيرانية، بعد أن استشعرت إيران الخطر، جراء قدوم تعزيزات عسكرية أمريكية كبيرة إلى المنطقة، واتهام إسرائيل لإيران بأنها هي من مولت حركة حماس ودفعتها لتنفيذ هجوم 7 أكتوبر 2023، وأدركت طهران أن تلك الاتهامات تتضمن تهديدا عسكريا مبطنا لها.

وعلى الرغم من القدرات العسكرية المتواضعة للحوثيين، مقارنة بحزب الله اللبناني الذي كان يتمتع بقدرات عسكرية متطورة وشبكة دعم إيرانية واسعة، فإن إيران دفعت بالحوثيين للانخراط في الحرب في محاولة منها لتوسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل واستنزاف قدراتها في عدة جبهات بعيدا عن الأراضي الإيرانية، وتوظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وليس بدافع التضامن الحقيقي أو الفعلي مع الشعب الفلسطيني.

لكن المناوشات والتصعيد المنضبط من جانب المحور الإيراني ضد إسرائيل جاء بنتائج عكسية لإيران وحلفائها، فبعد البحث عن مكاسب سياسية تعزز وضع إيران في الإقليم وأيضا تعزز وضع حلفائها في جبهاتهم الداخلية، تعرضت إيران وأتباعها لخسائر عسكرية فادحة، وانهارت جميع مكاسب إيران وحلفائها تقريبا بعد إنفاق أموال طائلة وعمل دؤوب استمر طوال عقود للحصول على تلك المكاسب، واليوم لم يبق لإيران من أذرعها في المنطقة سوى مليشيا الحوثيين في اليمن التي كانت تعد الحلقة الأضعف من بين أتباعها.

واليوم صارت إيران ذاتها ضعيفة ومنكسرة، وأما محاولتها استثمار مليشيا الحوثيين ضد إسرائيل في هذا التوقيت فهي ليست سوى محاولة يائسة لإنعاش محورها الذي دخل مرحلة الموت السريري، ولا يمكن نفخ الروح فيه إلا بعد مدة زمنية طويلة في حال لم يتم استغلال الظروف الراهنة لإنهاء دوره تماما، ولو أن إيران وأذرعها كانت صادقة في مساندة قطاع غزة ضد العدوان الصهيوني، وألقت بكل ثقلها في المعركة، لأحدثت فارقا كبيرا، وربما أجبرت إسرائيل على التراجع، بدلا من التصعيد المنضبط وتقسيط الهجمات غير الفعالة، حفاظا على مخزونها من الأسلحة التي دمرتها إسرائيل في نهاية المطاف، وسوف تواصل تدمير ما بقي منها، وكان الحفاظ على تلك الأسلحة بهدف استخدامها في الجبهات الداخلية.

- ثمن باهظ لتحالف هش

بعد عملية طوفان الأقصى، كان انخراط الحوثيين في التصعيد المنضبط ضد إسرائيل ضمن المحور الإيراني يمثل تحولا إستراتيجيا في مسارهم السياسي والعسكري، لكن ذلك الانخراط يتطلب ثمنا باهظا يتجاوز أي مكاسب سياسية وعسكرية ظاهرة. وعلى الرغم من الدعم الإيراني لمليشيا الحوثيين المتمثل في التمويل والتدريب العسكري، فإن المليشيا ستتكبد في نهاية المطاف خسائر كبيرة من حيث الأرواح والأسلحة أو الموارد، تتعارض مع العوائد التي ستحصل عليها، مما يجعلها في موقف هش للغاية، يزيد من حدته التحديات المعقدة المتعلقة بالصراع المحلي.

تعتقد مليشيا الحوثيين أن هجماتها على الاحتلال الإسرائيلي ستعزز نفوذها في الداخل وستمنحها شعبية واسعة تمكنها من توسيع نطاق سيطرتها، وأن مزاعم مساندة غزة ستلمعها وتمحو سجلها الإجرامي بحق اليمنيين طوال السنوات العشر الماضية، لكن السياق المحلي للصراع جعل اليمنيين يدركون أن هجمات الحوثيين المحدودة وغير الفعالة على إسرائيل تعكس ارتباطهم الوثيق بإيران وانخراطهم في محورها الطائفي، ولا يكشف ذلك فقط زيف مساندة الحوثيين للقضية الفلسطينية، بل يقلل أيضا من فرص تفاوض الحوثيين مع الأطراف المحلية، حيث تعد تبعيتهم لإيران عائقا أمام أي تسوية سياسية محتملة.

ولذلك يجدون الحوثيون أنفسهم في موقف صعب، فهم منبوذون محليا وإقليميا ودوليا، كما أن ابتهاج الشعوب العربية بانهيار حزب الله اللبناني وسقوط نظام بشار الأسد يزيح أوهام المحور الإيراني بأنه قد اكتسب شعبية واسعة بتسلقه على القضية الفلسطينية. وفي حال انهيار مليشيا الحوثيين، سيبتهج الشعب اليمني والشعوب العربية كما ابتهجت من قبل إثر انهيار حزب الله ونظام بشار الأسد، وبذلك تكون نتيجة توظيف المحور الإيراني للقضية الفلسطينية تكبد خسائر فادحة دون الحصول على الحد الأدنى من العوائد المرجوة.

- بين التبعية لإيران وضغوط الواقع

يدرك الحوثيون مأزق تبعيتهم لإيران وتأثيرها على وضعهم محليا وإقليميا، ولذلك فهم يحاولون الظهور بمظهر المتحرر من التبعية لها، غير أن الواقع يناقض ذلك تماما، فتبعية الحوثيين لإيران تبرز على حساب الأولويات المحلية لليمنيين، ومن مظاهر ذلك أن الحوثيين يعرضون اليمن وما بقي من بنى تحتية لخطر الهجمات الإسرائيلية وغيرها خدمة لإيران، وفي الوقت نفسه فإن استمرار الهجمات الإسرائيلية ستؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل القوة البشرية والعسكرية للحوثيين، وستزيد من معاناة الشعب اليمني، وهذا يعكس بوضوح الثمن الباهظ لاستمرار التبعية لإيران.

وفي ظل مساعي قوى إقليمية ودولية لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وتراجع قدرات إيران الاقتصادية والعسكرية، فإن إيران ستتخلى عن الحوثيين في حال تعرضوا لعمليات عسكرية حاسمة في إطار إعادة ترتيب أوراقها، بمعنى أنه في وقت الشدة ستنظر إيران للحوثيين كعبء عليها، حتى وإن حاولوا تقديم أنفسهم لها كبديل عن حزب الله اللبناني، لأن محاولاتهم تقليد حزب الله محكوم عليها بالفشل، بسبب الاختلافات الهيكلية والديمغرافية والجغرافية.

إذن لقد تحولت علاقة الحوثيين مع إيران من مصدر قوة في بداية الصراع في اليمن، إلى نقطة ضعف جوهرية ستؤدي إلى عزلتهم تماما على المستوى المحلي والإقليمي، خصوصا أن اعتمادهم على الدعم الإيراني سيؤدي أيضا إلى نتائج عكسية في ظل عجز طهران عن مساندة مليشياتها عسكريا عندما تواجه تحديات مصيرية، كما أنه لم يعد من المجدي لإيران والحوثيين استخدام القضية الفلسطينية كغطاء لتبرير استمرار الحرب والاضطهاد الداخلي.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.