من تعز إلى مأرب وسيئون..إنقاذ الجمهورية: دعم الدولة لا الوكلاء — قيادة موحّدة وتفكيك التشكيلات
اهتزّت ساحة المواجهة الوطنية بعد جريمة اغتيال الشهيدة أفتِهان المشهري، لكن ما أوجعه أنّ هذه الجريمة لا تُقرأ عند كثيرين كحادث جنائي منفصل، بل كبوابة تُطلّ على مشروع أوسع: ضرب قدرات الجيش والأمن والمقاومة المدنية، وتفريغ مؤسسات الدولة من أدوات سيادتها.
من تعز إلى مأرب ثم سيئون تُرسم اليوم خريطة واحدة: مؤشراتٌ متزامنة لحملات تستهدف شرعية الدولة عبر إضعاف جيشها، تشويه أجهزة الأمن، وتفتيت قدرات المقاومة المندمجة في إطار الدولة. الطابور الخامس الذي رافق سقوط صنعاء بالأمس قد لا يغيّر وجوهه، لكنّه يحسن مواضع تحركه؛ بدلاً من السعي المباشر لاحتلال المدن، يَعمل اليوم على خنق مؤسساتها من الداخل—بتمويلات، بصفقات محلية، وبسياسات تجزئة ترعاها مصالح إقليمية.
الغاية واضحة: تحويل الجمهورية من كيانٍ مؤسساتي يحكمه الدستور إلى فسيفساء مناطق نفوذ تُدار عبر قوى مسلّحة غير خاضعة للمساءلة. لذا، السؤال المحوري: لماذا يُستهدف الجيش والأمن؟ الجواب عملي وبسيط: لأنّ تحييد هذه المؤسسات يمهّد لانحسار حكم القانون، ويفتح الباب أمام بدائلٍ لا تلتزم بالدستور ولا تعمل لصالح المواطن.
رؤية واقتراحات للخروج من النفق
لمواجهة هذه المخططات لا يكفي الإدانات الكلامية؛ مطلوب استجابة سياسية وقانونية وأمنية متكاملة، تشمل على الأقل:
-
قيادة أمنية وعسكرية موحّدة واضحة الصلاحيات والمسؤوليات، لا مجال لتعدد أوامر التنفيذ.
-
شفافية ميزانيات الأمن والجيش، مع رقابة برلمانية وقضائية على الصرف والتمويل لضمان عدم استغلال الدعم لصالح كيانات موازية.
-
إطار مؤسسي لدمج أو تفكيك التشكيلات المسلحة خارج الدولة ضمن جدول زمني محدد وبآليات عادلة، شريطة أن تكون النتيجة قوة واحدة خاضعة للقيادة الوطنية.
-
محاكمة قضائية مهنية وشفافة لجرائم مثل اغتيال آفتهان، بإجراءات تحفظ الأدلة وتكشف المتورطين دون قفز إلى تسييس الملف أو توظيفه لأجندات ضيقة.
-
آليات رقابية لتمويل الدعم الخارجي، بحيث يمر عبر مؤسسات الشرعية وتخضع لقواعد وإجراءات محاسبية تمنع تحويل المال إلى أدوات تفتيت.
-
إستراتيجية إعلامية مضادة تكشف محاولات تشويه المؤسسات وتهيئة الرأي العام لرفض تجزئة الدولة.
رسالة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين
أي دعم لا يمر عبر مؤسسات الدولة ويخضع لقواعدها المالية والعملية، إنما يُعاد إنتاجه ضد الاستقرار نفسه. الدعم للدولة لا للوكيل. الدعم للمؤسسة لا للمليشيا. إنّ الرسالة إلى التحالف والشركاء يجب أن تكون حاسمة: استقرار اليمن لا يتحقّق عبر أدواتٍ تُضعف الدولة، بل عبر مؤسساتٍ قوية وقابلة للمساءلة.
خلاصة
القضية ليست مجرد صراع على من يملك السلاح؛ إنها صراع على الشرعية والقدرة على احتكار الدولة لحقّ استعمال القوة وفق القانون. حماية الجمهورية تبدأ بتحصين جيشها وأجهزتها الأمنية من التجزئة والابتزاز السياسيين. إن تمت وحدتُهاُ العقيدةُ الأمنيةُ ووُضعَتْ آلياتُ رقابة واضحة، يمكن تحويل دماء الضحايا إلى دافعٍ لإعادة بناء الدولة. أما إن ظلّ الجيش والأمن رهائنَ لميزانيات مبتورة وحملات تشويه، فسوف نفيق جميعًا على وطنٍ مجزّأٍ تُدار مناطقه بقواعد نفوذٍ بدل مؤسساتٍ دستورية.
التعليقات