ذاكرة هشة أم بساط الريح؟.. كيف سقطت دعوة المبعوث الأممي لفتح الطريق الرئيس بين تعز وعدن من إحاطة فبراير؟

من الكوارث التي أفرزتها الحرب، انقطاع الطرق الرئيسية والتي تعد شرايين الحياة بين المحافظات، فمنذ بدء الحرب ومعاناة المسافرين من وإلى تعز مستمرة، فقد ألجأتهم الضرورة والحاجة للسفر إلى استخدام طرق جبلية وعرة وضيقة بديلة عن تلك الخطوط الرئيسية ما تسبب بحوادث مرورية متكررة وشبه يومية وصار الموت رفيق كل مسافر صباحا ومساء.

المبعوث الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرج كان قد تناول في إحاطته المقدمة لمجلس الأمن في يناير الماضي فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز، ومطار صنعاء، بعد أن زار مدينة تعز واطلع على معاناة المسافرين وأهلي المنطقة بسبب تلك الطرقات، لكنه أغفل ذكر القضية ذاتها ولم يعد التطرق إليها في إحاطته الأخيرة المقدمة في فبراير الحالي، رغم استمرار الموت وتفاقم المعاناة.

الكاتبة تسنيم المروني طرحت بعض التساؤلات عن الطريق التي دخل منها المبعوث الى تعز قائلة: «هل جرّب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ قضاء ساعات مقبضة على الطريق الحلزوني الشاهق المسمى (هيجة العبد)؟

وأضافت: «هل عاش لحظات انقطاع الأنفاس ذعراً أثناء اجتياز الزوايا الحادة فيه؟ ألم يحدث أن ارتجت معدته  كـ (قِربة حقين) وربما تقيء كل ما في جوفة؟..

بالتأكيد عاش المبعوث الأممي تجربته الخاصة في ذلك الطريق أثناء زيارته إلى تعز في الثامن من نوفمبر ٢٠٢١م ، لكن يبدو أن التجربة لم تعلق في ذاكرته لأكثر من شهرين فقط، ويبدوا أن وسيلة النقل الفاخرة التي سافر بها لم تتح له فرصة عيش التجربة الصعبة التي يعيشها المواطنون البسطاء الذين يستقلون وسائل النقل الجماعية غير المرفهة، أو حتى الذين يسافرون بسيارتهم الخاصة"

وتواصل الكاتبة المروني حديثها «نحن من علقنا في التجارب المروعة المتكررة، نحن من ذقنا هلع الموت مرات ومرات وبكل الصور والأبعاد، أما هو فبالتأكيد أنه وبعد تجربة سفر سهل نسبة إلى باقي المسافرين على ذات الطريق، نسي الأمر برمته وأغفل ذكره بعد بضعة أسابيع، وإلا كيف حدث أن استكثر علينا هذا الأخ في الإنسانية! بصمته غير المفهومة في إحاطة فبراير إزالة أحد احتمالات الموت التي نزدحم بها وتشتبك بنا في كل خطوة نخطوها محاولين الخروج من دائرة الحصار الذي نعيشه للسنة الثامنة على التوالي، ولم يكرر التطرق أو الإشارة إلى موضوع فتح طريق تعز بعد أن كان قد ذكرها في إحاطة يناير».

أما الإعلامي والناشط الشبابي في تعز طارق البناء فيرى أن التجاهل الأممي لقضية فك الحصار عن تعز وفتح المنافذ والطرقات فضيحة أممية متكررة لم تعد تنفع معها الأعذار ولا التبريرات.

ويشير البناء إلى أن حصار تعز المفروض على ملايين المواطنين الساكنين فيها منذ أكثر من سبع سنوات هي الجريمة الأكثر بشاعة في تاريخ هذه الحرب وهي الأكثر تجاهلاً في الوقت ذاته من قبل كافة المبعوثين إلى اليمن.

ويضيف قائلاً: إن المتابع لمعاناة المواطنين في السفر والتنقل وكذا نقل البضائع ومواد الحياة الأساسية خصوصا في طريقي القبيطة وهيجة العبد يشعر بحجم الكارثة التي يعانيها الناس، ولا تستقطب أنظار المبعوث الأممي والمجتمع الدولي ولا الحكومة والتحالف والعالم أجمع».

ويتابع البناء في تعليقه على الموضوع بالقول: استمرار هذه المعاناة يعد وصمة عار في جبين الأمم المتحدة ومن خلفها كل أطراف الحرب وعلى رأسها المتسبب الرئيسي فيها الحوثي المنقلب على الدولة".

الناشط في المجال الإنساني علي القباطي، وهو أحد أبناء مديرية القبيطة يأسف وبشدة لعدم تناول المبعوث الأممي لقضية فتح الطرقات وتلمس الجوانب الإنسانية فيها .

ويروي القباطي قصة المعاناة في طريق القبيطة التي لم تكن مجهزة كطريق رئيسي بل كانت طريقا ثانوياً للتنقل داخل المدينة ولكن شاءت الأقدار والحروب أن تتحول هذه الطريق إلى شريان حياة رئيسي لتنقل  الناس من الشمال إلى الجنوب كونها الطريق الأكثر أمانا من ابتزاز مليشيات الحوثي على الرغم من إزهاق الأرواح فيها بشكل يومي والخسائر الكبيرة  بسبب تلف المركبات وبعض العتاد حتى أصبح روتينا يوميا لكل المارة في هذا الطريق .

من جهته الإعلامي أحمد ماهر يرى هو الآخر أن عدم ذكر حصار تعز في إحاطة المبعوث الأممي للمرة الثانية دليل على عدم اهتمامه بما يعانيه أبناء تعز من أضرار جسيمة جراء الحرب وآثارها الكارثية على المواطن وخاصة مع انقطاع الخدمات العامة وارتفاع الأسعار والخدمات التي يحتاجها المواطن بشكل يومي وهو بحاجة إلى طريق آمن إلى العاصمة عدن أو المحافظات الشمالية.

ويؤكد ماهر أن أكبر مآسي الحرب باليمن هي حصار محافظة تعز المستمر منذ بداية الحرب إلى الآن، مضيفا «من المؤسف أن المجتمع الدولي غير مهتم لما يحدث في محافظة تعز من حصار مطبق على أكثر من خمسه مليون يمني لا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية ولا يجدون منفذاً آمنا لهم للعبور إلى العاصمة المؤقتة عدن أو صنعاء»..

هذه تصورات منطقية لصمت المبعوث الأممي والمجتمع الدولي عن الوضع اللا إنساني الذي يعيشه أبناء محافظة تعز أثناء تنقلهم منها وإليها، ومعاناة المواطن اليمني البسيط _ البسيط جداً الذي لا ناقة له في هذه الحرب ولا جمل_، وبمثال شعبي سنعرف أن الحل بأيدينا نحن فـ(من ركنه على جارته برده عصيدة) وإذا ما انتظرنا تحرك المجتمع الدولي وتوصيات المبعوث الأممي لانتشالنا من وضعنا المأساوي هذا ربما سننتظر سبع سنين أخر أو أكثر.
*المصدر:عدن الغد

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية