"الجرّاحي" بعد سيطرة الحوثي .. تهجير قسري وجدار عازل واستيطان

ألقى الانسحاب المفاجئ الذي نفذته القوات المُشتركة في منتصف نوفمبر من العام الماضي، من أطراف مدينة الحديدة (غرب اليمن) إلى الحدود الجنوبية لمديرية الجراحي بظلاله على حياة المواطنين التي تحولت إلى جحيمٍ لايُطاق بعد أن استفردت مليشيا الحوثي الإرهابية بالمنطقة وحشدت لها قواتها من كل صوب سامت المدنيين سوء العذاب.

وتقع مديرية الجراحي على بُعد 100 كيلومتر جنوب محافظة الحديدة، ولها موقع استراتيجي يربطها بمحافظات إب وذمار من الشرق ويحدها من الشمال مديرية زبيد ومن الغرب سواحل مديرية الخوخة ومن الجنوب مديرية حيس المحاددة لمحافظة تعز.

قبل عملية الانسحاب أوما أُطلق عليها "إعادة التموضع" كان يقتصر تواجد الحوثيين في مديرية الجراحي على المتحوثين من أبناء المديرية وبعض القيادات المُمسكة بملفات الأمن والتحشيد وملاحقة الخصوم، وكانت بمثابة منطقة خلفية لإدارة المعارك في حيس المجاورة، غير أنه وبعد هذه العملية تحولت المديرية إلى منطقة عسكرية بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، حسب سكان من المديرية.

السكان أكدوا لـ "يمن شباب نت"، أنه ومع بدء العملية العسكرية للقوات المشتركة لاستكمال تحرير مديرية حيس وتأمينها من الشمال على الحدود مع الجراحى، أواخر نوفمبر الماضي، استقدمت المليشيا مئات المقاتلين ودفعت بقوات وعتاد عسكري إلى قرى المديرية ومزارعها وقامت بحفر الخنادق والمتارس على طول الخط العازل الممتد من ميناء الحيمة غرباً وحتى مفرق العدين جنوبا، واحتلت عدد كبير من المنازل والمزارع ووطنت فيها أفراد من عناصرها لتبدأ دورة جديدة من معاناة أبناء المديرية مع المليشيا.

 

حياة التشرد..

"ما قبل الانسحاب كوم وما بعده كوم آخر" يقول المواطن عبده علي الذي اضطر للنزوح إلى منطقة محررة داخل المحافظة، بعد أن تحولت قريته الواقعة جنوب الجراحي والمحاذية للخط الرئيسي، تحولت إلى منطقة عسكرية حفرت فيها المليشيا الخنادق وشيّدت المتارس ودفعت إليها بعشرات المسلحين من أبناء تهامة ومن خارجها.

يضيف: "تحولنا إلى غرباء في بلادنا .. استجواب وتفتيش عند الدخلة والخرجة.. محاصيلنا الزراعية أصبحت عُرضة للنهب من قبل المسلحين.. أطفالنا أوقفوا الدراسة ويصبحوا ويمسوا على أصوات الرصاص والزوامل".

وتابع: كل ذلك دفعنا للنزوح ومثلي عشرات الأسر التي نزح غالبيتهم إلى مناطق داخل المديرية بعد أن منعتهم نقاط المليشيا من الخروج عبر نقاطها إلى مناطق الشرعية، مؤكداً أنه إلى جانب قله كانوا من المحظوظين الذين وصلوا إلى مناطق الشرعية بعد رحلة مضنية من التعب والتنقل.

وأكد عبده لـ "يمن شباب نت"، أن المواطن الذي يعتمد بشكل أساسي في معيشته على الزراعة والرعي، تحولت حياته في مناطق التماس إلى جحيم بعد الوضع الحالي، حيث لجأ المواطنين إلى بيع حيواناتهم بأبخس الأسعار، خشية سرقتها أو نهبها بالقوة من قبل المسلحين الحوثيين، أو لانعدام المرعى بعد أن تحولت المزارع إلى ثكنات عسكرية.

وتشير إحصاءات محلية تحصلنا عليها إلى نزوح آلاف السكان من قرى (البغيل - الكبة الحمراء - بيت بلعيد – زويل – بيت الشاذلي - بيت الحشاش -الرون - بيت عكيش- دباس اليمانية -المرير ) داخليًا إلى مدينة الجراحي و قرى الفواهه - الجربة - محوى المشرع – العبادية وغيرها، وبعضاً منهم إلى مديرية زبيد المجاورة.

 

جدار عازل

بحكم الوضع العسكري القائم، انقطع الخط الرئيسي الرابط بين حيس والجراحي، وعلى امتداد عشرات الكيلوهات الممتدة من ميناء الحيمة البحري شمال الخوخة وحتى مفرق حيس ـ العدين إلى الجنوب الشرقي من مديرية الجراحى وضعت المليشيا الأسلاك الشائكة والخنادق والمتارس والحاويات كخطوط تماس متقدمة وحدود افتراضية بين مناطق نفوذ مليشيا الحوثي التي تتمركز في مديرية الجراحي وبين مديريتي الخوخة وحيس الخاضعتين لسيطرة القوات المشتركة المدعومة من التحالف العربي.

 

رسم توضيحي على الخارطة يوضح الجدار العازل بين حيس والجراحي

هذه الحدود الافتراضية دفعت بالمليشيا الحوثية إلى وضع الأهالي في تلك المناطق دروعاً بشرية واحتمائهم بمساكنهم ما جعلها عُرضة للقصف الجوي والمدفعي.

وتشير مصادر محلية تحدثت لموقعنا، إلى قيام المليشيا بارتكاب جرائم جسيمة ضد المدنيين في تلك المناطق حيث اتهمت العشرات بالعمل لصالح القوات المشتركة وجنّدت موالين لها للتخابر ضد أبناء المنطقة واستدراجهم واختطافهم كما جرى لعدد من شباب قرى البغيل والغشوة وبني شعيب الذين لايزال مصير بعضهم مجهولاً حتى الساعة.

من جانبه قال القيادي في مجلس تهامة الوطني بهاء الدين عيدروس، إن الانتهاكات التي تطال أبناء مديرية الجراحي وخاصة القرى الغربية والجنوبية منها ترقى لجرائم حرب تتحمل مسؤوليتها مليشيا الحوثي الإرهابية.

وأضاف في حديث خاص لـ "يمن شباب نت": "مايجري للمدنيين في تلك المناطق من جرائم يتحمل مسؤوليتها مليشيا الحوثي الإرهابية التي تنشر عربدتها من دون حسيب أو رقيب".

"عيدروس" لم يستثني القوات المشتركة ومن وراءها التحالف من تحمل جزء من هذه المسؤولية، مشيراً إلى أن ما سماه "الانسحاب الفاضح" والمفاجئ لتلك القوات جعلت المواطن وأملاكه عُرضة لهذه الانتهاكات.

انتهاكات المليشيا في القرى الغربية لمديرية الجراحي تواصلت ووصلت ذروتها منتصف الشهر الجاري حيث هجّرت المليشيا وتحت التهديد بالقوة عشرات الأسر من منازلها.

 

تهجير قسري بدافع انتقامي

منتصف الشهر الجاري، أكدت منظمة ميون لحقوق الانسان تلقيها بلاغات من سكان محليين في مديرية الجراحي تؤكد وقوع حالات تهجير قسري لأهالي قرى الغشوة وبني شعيب والعكدة وبني الخلوف والخبت بالمديرية الواقعة جنوبي الحديدة.

وأدانت المنظمة في بيان لها "هذه الانتهاكات والممارسات غير المسؤولة من قبل جماعة الحوثي"، وقالت إنها ستضيف معاناة جديدة للعائلات المهجرة من مساكنها ومضاعفة الأعباء على المجتمعات المضيفة والمنظمات الإنسانية العاملة في الحديدة والتي تعاني أصلاً من نقص التمويل.

وفي هذا الصدد أكدت مصادر محلية لـ "يمن شباب نت"، أن نحو 90 أسرة من قرى (بيت الحطيط - بيت اللحجي - بيت بني الدويش – خبت الطير قرى الغشوة - بني شعيب -العكدة - بني الخلوف) الواقعة غرب مديرية الجراحي، تم تهجيرهم بالقوة بعد أن تم إجبارهم على ترك منازلهم وأملاكهم بالقوة.

وأوضحت المصادر أن المليشيا أجبرت بعض السكان إلى الانتقال إلى مخيم الجبانة بالحديدة، فيما بات غالبيتهم بلا مأوى يجوبون القرى والطرقات.

ويصف "بهاء العيدروس"، الوضع الإنساني هناك بـ "الكارثي" حيث وأن "كل تلك الأعداد من المهجرين أصبحوا بلا مأوى يفترشون الطرقات ولا يجدون قوت يومهم".

وحذّر من تعرض حياة المسنين والأطفال خاصة منهم للخطر أو الموت في ظل افتقارهم لأبسط إمكانات العيش.

وأكد القيادي في مجلس تهامة الوطني في حديثه لـ "يمن شباب نت" أن المليشيا لم تكتفي بطرد السكان من مساكنهم بل دفعت بفرق الموت التابعة لها لزراعة الألغام والعبوات الناسفة في المنازل وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية ومخازن لتكديس الذخيرة في انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني.

وأشار إلى أنه ومنذ عملية انسحاب القوات المشتركة وحتى الآن جرى تهجير ونزوح نحو 250 أسرة من المديرية إلى مناطق مختلفة داخل المحافظة وخارجها.

وعن دوافع الانتهاكات المستمرة التي تطال سكان المديرية، لا يستبعد "بهاء" أن تكون ذات أبعاد مناطقية وطائفية، مستذكراً بطولات أبناء تهامة في معاركهم مع الأماميين وكيف تحولت تهامة إلى مقبرة لهم، مشيرًا إلى انتهاكات الحوثيين قد تأتي من باب الانتقام.

ويضيف: يسعى الحوثيون إلى تمزيق وتفتيت المجتمع التهامي بشكل عام من منطلق طائفي حيث وأن جميع السكان لا تربطهم أي صلة بمذهب الحوثي الطائفي.

 

معاناة إنسانية وغياب للمنظمات

"س. ق" أحد ضحايا التهجير القسري الذي طال قرى غرب الجراحي، التقيناه في أحد شوارع مدينة تعز، يبحث عن فرصة عمل بعد أن أُجبر على ترك منزله وما يملك وراء ظهره والفرار مع أسرته من بطش الحوثي.

يقول: "قبل نصف شهر، قدمت عشرات الأطقم الحوثية إلى مناطقنا وأجبرونا على ترك منازلنا بالقوة من دون سابق إنذار.. قالوا لنا: إذا لم تغادروا هذه المنازل الآن فإنهم سيفجّرونها".

ويضيف: بعض الأهالي رفضوا الخروج من المنازل فتعرضوا للضرب وأطلق مسلحون النار بين أقدامهم الأمر الذي دفعهم إلى ترك منازلهم مُكرهين في عز الظهيرة.

حين سألناه عن وضعه رد علينا بلغة يكسوها القهر: "يا ابني كيف بيكون حالنا أجبرنا الحوثي على ترك بيوتنا وأملاكنا وبتنا في بلاد الناس نبحث عن مأوى وعمل".

يضيف: "عمري 56 عاماً المفترض أكون الآن نايم في بيتي.. أنا اليوم في الشارع أبحث عن حياة جديدة .. حياة التشرد والبحث عن عمل أسد به جوعي وجوع أطفالي".

في السياق تحدثت مصادر محلية وأخرى حقوقية، أن غالبية الأسر المُهجرة تعيش أوضاعاً مأساوية صعبة في ظل غياب كلي للمنظمات الأممية والمبادرات الإنسانية.

وأشارت إلى أن بعض الأسر تتخذ من ظلال الأشجار مساكن لهم فيما بات غالبيتهم يجوبون القرى بحثاً عن المأوى والطعام.

وحذّر الناشطون من مأساة إنسانية لهذه الأسر خلال شهر رمضان المبارك وفصل الصيف الذي بات على الأبواب، داعين منظمات الأمم المتحدة التي لطالما استخدمت الملف الإنساني وسيلة للابتزاز وحالت دون استكمال تحرير المحافظة إلى التدخل العاجل وإغاثة عشرات الأسر بالمأوى والطعام وجميع احتياجاتهم.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية