ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

منذ مئات السنين.. هكذا نجح اليمنيون في بناء مجتمع مزدهر وقوي في إثيوبيا!

تتكئ "سونيا خالد" (55 سنة) على شرفة الفيلا الخاصة بها في ليغيتافو، وفي يوم جيد، تستغرق المسافة 25 دقيقة بالسيارة عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لكن مشكلة المرور المتزايدة في المدينة تعني أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى ساعة ونصف.

تشرب سونيا قهوتها انها حلوة وهي أول رشفة لها في اليوم وتقول سونيا مبتسمة "الحبوب يمنية بالطبع"، إنها نقطة خلاف في أديس أبابا، حيث يقول الإثيوبيون إن بلادهم هي أصل البن، بينما يرى اليمنيون أن أصله موطنهم اليمن.

سونيا خالد هي أم لأربعة أطفال وتعيش عائلتها في إثيوبيا منذ عقود، بعد أن وصل جدها من مدينة عدن الساحلية اليمنية عام 1947. نشأت في أديس، كما يسميها السكان المحليون، وعادت إلى اليمن لبعض الوقت قبل أن تتزوج من زوجها عندما كانت تبلغ من العمر 28 عاماً، بعد قضاء فترة في الولايات المتحدة، يعيش الزوجان في العاصمة الإثيوبية منذ 27 عاماً. و"إنهم مجرد واحدة من العديد من العائلات اليمنية التي جعلت من أديس أبابا موطنًا لها، ويمكن الشعور بتأثير المطبخ والثقافة اليمنية في جميع أنحاء المدينة".

موقع «Middle East Eye» يسلط الضوء على العلاقة بين اليمنيين والاثيوبيين في سلسلة تقارير عن مجتمعات الشرق الأوسط.

 

وصول اليمنيين

مع التاريخ الغني المتشابك والتجارة والسفر المتدفق دائمًا بين البلدين، من الصعب تحديد وصول اليمنيين إلى أديس أبابا، خاصة عندما لم تكن الأعمال الورقية واللوائح صارمة.

يقع التجار اليمنيين في موقع استراتيجي عبر البحر الأحمر وخليج عدن من إفريقيا، وقد وصلوا عبر البحر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وعبروا البحر الأحمر ودخلوا عبر موانئ مصوع (إريتريا حاليًا) وزيلا (في أرض الصومال الحالية) على الساحل الشرقي.

وأول رواية موثقة عن الوافدين اليمنيين كانت للشيخ سعيد أحمد بازرعة من حضرموت (التي لم تكن في ذلك الوقت تحت الحكم البريطاني ولا تحت حكم السلطنة) مدعيًا أنه كان في أديس منذ عام 1903، وقبل وفاته بقليل في عام 1913، أصدر الإمبراطور مينليك الثاني مرسوما يأمر غير الإثيوبيين بتسجيل بلدهم الأصلي لدى وصولهم.

تم تقسيم اليمن في ذلك الوقت بين البريطانيين في الجنوب وسلطنة القعيطي والكثيري في الشمال، لذلك أعلن التجار من المنطقة عن أنهم إما بريطانيون أو قعيطيون  كما كتب عالم الأنثروبولوجيا والأكاديمي سامسون بيس بيه، وعلى الرغم من ندرة الأرقام وعدم دقتها، يقول بيس بيه إنه كان هناك حوالي 800 يمني بريطاني مسجل بحلول عام 1920.

سافر جد "سونيا خالد" عبد الله عبد الرحمن، من عدن بجواز سفره البريطاني واستقر في دير داوا، وهي مدينة في شرق إثيوبيا، حيث بدأ العديد من اليمنيين حياتهم الإثيوبية.

وكان عبد الرحمن تاجرًا في ذلك الوقت، حيث كان يستورد السجاد والبسط من بلجيكا والمجوهرات والخرز من ألمانيا. توضح سونيا ذلك بالقول: "اليوم نسمي هذا استيراد وتصدير".

كان هناك الآلاف الذين وصلوا في ذلك الوقت وكانت رحلة القارب سهلة، كما تقول سونيا خالد، وكان التجار يجلبون معهم بهارات وحرير من الهند، والتوابل من اليمن، وسرعان ما بدأ المجتمع اليمني في الازدهار، وأصبح بعضهم أصحاب متاجر وبائعين حلويات وأصحاب مغاسل وبائعي لحوم ايضاً.

أولئك الذين غامروا أكثر، في العاصمة، استقروا في حي آراده في أديس، وكانوا يصلون في منازل بعضهم البعض قبل بناء أول مسجد، وهو مسجد أنور، في عام 1922 في مركاتو المجاورة، يوجد الآن 140 مسجدًا منتشرة في جميع أنحاء المدينة.

 

ترابط

اليوم، اليمنيون في إثيوبيا اعتادوا جيدًا على مطبخ البلاد، في الأيام الأولى، كان من الشائع أن يقوم التجار بإعداد وجبات يمنية تقليدية باستخدام التوابل التي يتم إحضارها معهم.

كانوا يطبخون المندي - الأرز واللحم المشوي ببطء في حفرة مخلوطة بالكزبرة والفلفل الحلو والقرفة - "صانونا"'، وهي عبارة عن لحم غنمي ومرق البامية، و"المطفيّة"، وهي طبق سمك متبل من الطماطم يتم تحضيره على أفضل وجه مع التونة ولكنها استبدلت بسمك الفرخ النيلي المحلي.

كان الرجال أيضًا يسعدون بتناول الوجبات الإثيوبية التقليدية مثل خبز إنجيرا المميز قليل الحامض والإسفنجي، المصنوع من دقيق التيف، والذي يقدم مع مجموعة واسعة من الأطباق.

وقالت سونيا لموقع Middle East Eye: "منذ سنوات، قبل العصور التوراتية، كانت الأرض واحدة، مملكة أكسوم القوية حكمت ذات يوم ما يعرف الآن باليمن وإثيوبيا".

لذلك، يعود تاريخ التبادل التجاري والاجتماعي إلى ما قبل المسيحية.  ومثل ادعاءاتنا بشأن القهوة، والتي تتم دائمًا بطريقة مرحة، فإن الأمر نفسه مع سبأ [ملكة سبأ]، يقول كلانا إنها تنتمي إليه. تقول سونيا خالد: "نحن مترابطون، لقد كنا دائمًا كذلك".

واليوم يوجد في البلاد رئيس وزراء مسلم، آبي أحمد، وزوجته مسيحية، والإسلام هو ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية الأرثوذكسية، مع تواجد حوالي 36 مليون مسلم، معظمهم في العاصمة وفي هرار في الشرق.

 

الحي اليمني بالمدينة

عندما حاول الإيطاليون لفترة وجيزة إعادة احتلال البلاد في عام 1936 (مكثوا لمدة خمس سنوات)، قاموا بتقسيم أديس أبابا، مما أجبر الإثيوبيين واليمنيين وأي شخص اعتبروه "أصليًا" أو غير أبيض على العيش بمنطقة ميركاتو.

شجع الإيطاليون الهجرة اليمنية إلى إثيوبيا، من خلال توفير فرص عمل في مشاريعهم الإنشائية، وشق الطرق وخط سكة حديد من جيبوتي، والتي أصبحت فيما بعد نقطة الدخول الرئيسية للمسافرين اليمنيين.

أصبح اليمنيون الذين وصلوا في هذا الوقت أغنياء من خلال البناء، وأصبح الكثير منهم رجال أعمال ناجحين وحتى مسؤولين حكوميين. وعندما تم طرد الإيطاليين في عام 1941 بمساعدة القوات البريطانية، أصبحت ميركاتو الحي اليمني الرئيسي في المدينة، بمدرستها الخاصة ومسجدها، اللذين لا يزالان موجودين.

يقول سعيد الأجدل، وهو مهندس مدني، "كانت ميركاتو تُعرف تقليديًا بالمنطقة اليمنية، ولكن مع ازدياد ترسيخ المجتمع اليمني وتنقله امتد إلى مناطق مختلفة من المدينة".

بحلول نهاية الستينيات، طُرد يمنيون وعرب آخرون من البلاد بعد تورط الجبهة السورية لتحرير إريتريا بزرع قنبلة على رحلة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية. ترك اليمنيون مسؤولية محالهم التجارية وسبل عيشهم بشكل رئيسي على من ينتمون إلى مجتمع أرجوبا العرقيبة، وهي مزيج من أصول يمنية وإثيوبية، كما يقول الأجدل.

لكن بحلول السبعينيات من القرن الماضي، بدأ بعض ممن غادروا، العودة إلى متاجرهم وأعمالهم واستمروا في العمل، واليوم، يندمج اليمنيون في نسيج المجتمع الإثيوبي ذاته ولا يوجد حي يمني واحد.

 

العيش معاً

تقول سونيا خالد أنه لم يكن هناك أي توتر بين اليمنيين والإثيوبيين موضحة: "نشعر بأننا في وطننا هنا، ويشعر الإثيوبيون أننا جزءا منهم، هناك الآلاف من الإثيوبيين في اليمن أيضًا، ولدينا علاقات ودية أعتقد أنها تعود إلى تاريخنا المشترك".

المهاجرون اليمنيون الذين وصلوا مؤخرًا إلى إثيوبيا في أعقاب الحرب الأهلية في اليمن، لديهم بالفعل روابط عائلية وانساب مشتركة، وقد دعمت الحكومة الإثيوبية الهجرة اليمنية، كما فعلت في الماضي، من خلال منح وضع اللاجئ الأولي لطالبي اللجوء من اليمنيين.

بفضل الهجرة واندماج اليمنيين في وقت مبكر، لم تعد المتاجر والخدمات القائمة والممتدة المنتشرة في جميع أنحاء المدينة مقصورة على الحي. تقدم مطاعم مثل النخلة والجريف ومؤخرًا "سلسلة ملوك اليمن" المملوكة لعائلة يمنية إثيوبية اطباقا ساخنة من الفحسة، وجبة مكونة من "لحم البقر أو الضأن،" والسلطة الحارة (فلفل حار وثوم وكزبرة) إلى أحدث الوافدين إلى اليمن.

استمرت الجالية اليمنية في الازدهار في السنوات الأخيرة، حيث تعلم العديد من الشباب التحدث بلهجة هم اليمنية الأصلية من العربية وكذلك الأمهرية، اللغة الوطنية لإثيوبيا. ومع ذلك، بالنسبة لليمنيين في أديس أبابا، فإن التمسك بجذورهم لا يزال ضروريًا.

تضيف سونيا خالد: "أحرص على التحدث باللغة العربية في المنزل مع أطفالنا الأربعة، ومع زوجي وعائلتي، من المهم بالنسبة لهم، ألا ننسى ذلك".

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.