جوازات السفر في اليمن.. غربة آخرى تسبق رحلة الإغتراب

رحلة طويلة و شاقة اضطر المواطن عبدالكريم شايف (71 عاما)  إلى خوض غمارها بين محافظتي حجة والعاصمة المؤقتة عدن ، متكبداً عناء السفر على مدى يومين ، ومحتملاً أوجاعه الناجمة عن مرض الكلى وأعراض السكري الذي يعاني منه منذ 15 عاماً والتي زادت معاناته وضافت عناء الرحلة التي قطع خلالها ما يقارب 570 كيلو متراً، لم يجِد أمامه بدٌ ِسوى تقسيمها إلى مرحلتين: 5 ساعات بين محافظتي حجة – صنعاء في اليوم الأول و14 ساعة في يومه التالي على خط صنعاء-عدن مروراً بتعز.

رحلة المعاناة التي خاضها المواطن السبعيني ترافقه ابنته الصغرى من أجل استخراج جواز سفر لاستكمال علاجه في جمهورية مصر العربية ، يخوضها ملايين اليمنيين منذ خمسة أعوام ، في سبيل  استخراج جواز سفر يمكنهم من التمسك بأقل ما يمكن أن ينتزعوه من حقوقهم في الحياة: 'العلاج أو الدراسة أو العمل'.

 

المواطن..  الضحية دائماً

في إطار الحرب المشتعلة منذُ الإنقلاب الحوثي أواخر العالم 2014 ، أصدرَ وزير الداخلية في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في ديسمبر/كانون الأول 2018 قرارا يقضي بحصر استخراج الجواز من ست محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الحكومة ، وعدم الإعتراف بجوازات السفر الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين.

وفي تصريحات سابقة قال مساعد رئيس مصلحة الجوازات، عبدالجبار سالم: 'تم منع الجوازات الصادرة عن صنعاء لأسباب أمنية ، وإساءة الحوثيين لإستخدام الجوازات بما يخدم مصالحهم ، كما فتحوا مراكز إصدار سرية، واخذوا ثلاثين ألف جواز لتلك المراكز ، مما سبب قلقا أمنيا نتج عنه القرار الوزاري الرامي إلى مواجهة الخلل' ، لكن الضحية الأولى والوحيدة للقرار كان المواطن لذي ضاعف القرار معاناته في سبيل السفر والذي تنحصر غاياته في غالبا في (العلاج أو الدراسة و العمل) أما الخلل الذي استهدفت وزارة الداخلية معالجته والمخاطر الأمنية فما زالت قائمةً حتى اللحظة'

وبحسب حديث ضابط في مركز الإصدار الآلي بصنعاء لـ موقع بلقيس: 'بينما انحصر استخراج الجوازات من المحافظات الستة المحددة، ظلّ استخراج البطائق الشخصية -والتي بموجبها يتم إصدار الجواز- مرتبطاً بالنظام الأساسي في مصلحة الهجرة والجوازات بصنعاء و هي مصلحة خاضعة لسيطرة الحوثيين وبإمكانهم فعل ما يحلو لهم من تغيير بياناتهم وبالتالي استخراج جوازات بهوياتهم الجديدة ، في ظل إمكانية الإستخراج عن بعد  من خلال مكاتب السفر ، ويساعد في ذلك عدم ارتباط نظام التصوير في المحافظات المحددة ببصمة الوجه'.

من جانبه يرى المواطن علي صلاح (49 عاما)  أنّ القرار لم يطُل  في الحقيقة سوى المواطن البسيط الذي يصعب عليه دفع مبالغ طائلة من أجل استخراج جواز سفر عن بعد ، كما تزيد الطرق الطويلة وصعوبات التنقل من معاناته ، 'أما القيادات الحوثية والتابعين لها ، ففي متناولهم استصدار بطائق شخصية جديدة ولا تشكل لهم المبالغ التي تطلبها مكاتب السفر أي عائق' ، وبينما تُشدد تصريحات مختلفة لمسؤولين في فروع مصلحة الهجرة والجوازات في المحافظات التابعة للشرعية على ضرورة الحضور الشخصي لإستخراج الجواز ، لا تزال مكاتب السفريات تعلن عن توفير خدمة (الجواز عن بعد، والجواز المستعجل) بمبالغ تتراوح بين ستين – سبعين ألف ريال.

 

الخطوة الأولى.. طريق طويل

قديماً قيل:  'درب الألف ميل يبدأ بخطوة' ، بَيدَ أنّ الأمر مختلف في حالة اليمنيين ومشوارهم في دروب التغرب، فمن أجل الخطوة الأولى المتمثلة بـ جواز السفر ، ثمّة ألف ميلٍ أخرى من المعاناة تسبق هذه الخطوة عدا عن الغربة الداخلية التي يعيشُها المواطنون ، بسبب سوء التعامل الذي يواجهونه في النقاط العسكرية التابعة لمختلف الأطراف، وكذلك طبيعة الأسئلة والاستفسارات التي يتلقاها المواطنون في هذه النقاط 'وهي أقرب للتحقيقات الأمنية أكثر منها مجرد روتين أمني' بحسب شايف، و يضيف : 'حتى الكتاب الذي يحمله أحد المسافرين معنا في كيس مع أشيائه كان شبهة بالنسبة لإحدى النقاط الأمنية، غير الشروط التي تفرضها وكالات السفر التي تؤدي دور الضامن لإعادة المسافرين في أفواجها فور انتهاء مهلة المعاملة' ويختم حديثة بحسرة مواطن رأى بلده المنقسم يلتم مرة لينهض وفجأة وجده وطنا آخر أقرب للتفتت ، غير الذي يعرفه:  'أحسسنا أننا في جنود بلد عدو في بلدٍ آخر معاد ولسنا مواطنين في اليمن الواحد لنا حوائج نرتجي قضائها'.

وبالإضافة إلى الطرق الطويلة التي يخوضها المواطنون في مناطق سيطرة الميليشيات نحو المناطق المحددة لاستخراج الجوازات ، يواجه المواطنون مصاعب شتّى أولها عناء السفر وليس آخرها تكاليف الإقامة خلال أيام المعاملة ، كما تساهم الإشاعات المنتشرة في وسائل التواصل الإجتماعي عن سوء التعامل الذي يواجهه أبناء المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مناطق الحكومة الشرعية في زيادة مخاوف المواطنين الراغبين في السفر ، كما في حال علي صلاح المنتمي لمحافظة صنعاء والذي انتظر سفر عائلة من معارفه المنتمين لمحافظة تعز حتى يرسل ولده البالغ 18 عاماً معهم ، 'سمعت أنّ  اللهجة واختلافها قد يكون سبباً في احتجازه في إحدى النقاط العسكرية والاشتباه به ، ولكن تبين أن كل ذلك محض إشاعات'.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية