خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين
المشهد اليمني في ضوء التطورات العسكرية الأخيرة

اتسعت رقعة التصعيد العسكري ضد المليشيا الحوثية خلال الأيام الماضية، حيث امتدت إلى مديرية حرض بمحافظة حجة، وأطراف محافظة صعدة (معقل مليشيا الحوثيين)، بعد أن بدأت من محافظتي شبوة ومأرب وغربي محافظة تعز، وأسفرت كل تلك المعارك عن استعادة قوات الجيش الوطني وألوية العمالقة السيطرة على مساحات واسعة في مختلف الجبهات المذكورة.

وبنفس الوقت، يزداد قلق مليشيا الحوثيين من استمرار العمليات العسكرية ضدها في محاور وجبهات عدة، خصوصا بعد أن بدا لها أن شن هجمات على الأراضي الإماراتية أتى بنتائج عكسية غير متوقعة، مثل اتساع رقعة العمليات العسكرية ضدها، مع تكثيف الغارات الجوية على مواقعها سواء في الجبهات المشتعلة أو في بعض المدن التي تسيطر عليها، فضلا عن التعزيزات الدفاعية المقدمة للإمارات من دول عدة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا، واحتمال أن تعيد واشنطن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.

 

- تفاؤل حذر

ورغم ذلك التصعيد ضد مليشيا الحوثيين، إلا أن أسلوب السعودية والإمارات المعتاد في إدارة المعركة، منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" وحتى اليوم، لا ينعش الآمال الشعبية بإمكانية أن تفضي العمليات العسكرية الأخيرة إلى إحداث تحوّل نوعي في السيطرة على الأرض، فضلا عن إمكانية استمرار المعارك حتى تحرير العاصمة صنعاء، حيث يظل "التفاؤل" حذرا، لأنه لا يمكن بسهولة تجاوز رصيد الخذلان الذي ووجه به اليمنيون منذ تدخل السعودية والإمارات عسكريا في اليمن، خصوصا أن حالات تصعيد عسكري سابقة ومشابهة توقفت فجأة بدون أي سبب واضح، كان آخرها ما حدث العام الماضي عندما اندلعت المعارك في جبهات عدة، إثر بداية محاولات مليشيا الحوثيين السيطرة على محافظة مأرب، ثم اندلاع معارك في بعض مديريات جنوبي الحديدة عقب ما سمي "إعادة تموضع" لـ"القوات المشتركة".

 

لكن الجديد هذه المرة يكمن في أن المعارك بدت أكثر جدية وصرامة وتدميرا للأهداف الحوثية، ولم يعد أمام مليشيا الحوثيين من خيار سوى التظاهر بالصمود والاستبسال في الدفاع والبحث عن وسطاء - من وراء ستار - لأجل التهدئة "المؤقتة" لكي تتمكن المليشيا من استعادة أنفاسها والاستعداد لجولة جديدة من الصراع.

 

وما كشفت عنه التطورات العسكرية الأخيرة أن وحدة الصف الجمهوري وهزيمة المليشيا الحوثية أمر ممكن، وأن الخلافات المزعومة في أوساط مكونات الصف الجمهوري هي خلافات محصورة في أوساط النخبة وليست في أوساط عامة الشعب، وأن السعودية والإمارات هما من تغذيان تلك الخلافات، أما على ساحة المعركة فجميع الفوارق أو الانتماءات الثانوية تذوب أو لا وجود لها، والجميع متحمسون لإنهاء الانقلاب.

 

- اختبار القدرات العسكرية للحوثيين

في الحروب الأهلية التي يكون أطرافها المحليون كُثُر، وتتقاطع فيها مصالح فاعلين إقليميين ودوليين، وتقتضي طبيعة المعركة تأجيل الحسم إلى وقت غير معلوم حتى استكمال الأهداف المرجوة، فإن حربا كهذه تقتضي من طرفيها شيئين أساسيين: الأول، أن الطرف الأقوى (التحالف) يختبر القدرات الدفاعية والتسليحية للطرف الأضعف (مليشيا الحوثيين) من حين لآخر، يمتد ما بين ستة أشهر إلى سنة، بينما الطرف الأضعف (مليشيا الحوثيين) يحتفظ بأفضل ما لديه من أسلحة في مخازن متفرقة وبكميات قليلة في كل من تلك المخازن، لإحداث مفاجآت عسكرية عندما يشتد عليه الخناق وتقتضي الضرورة ذلك، مع تقسيط استخدام تلك الأسلحة وفقا لعددها والمدى الزمني المتوقع لاستمرار الحرب، كما أن من الأساليب القتالية للمليشيا الدفع بالمقاتلين ضعيفي التدريب أو عديمي القيمة ليتقدموا الصفوف كوقود للمعارك، والاحتفاظ بالقوات المدربة جيدا لتشارك في المعركة في نهاية المطاف بعد استنزاف الخصم أو اختبار قدراته التسليحية والقتالية بمقاتلين غير مدربين جيدا أو عديمي القيمة من الناحية العسكرية.

 

والسؤال هنا: هل التصعيد العسكري الأخير ضد مليشيا الحوثيين يأتي ضمن اختبار السعودية والإمارات الموسمي للقدرات العسكرية للحوثيين خصوصا في ظل استمرار تهريب السلاح من إيران للمليشيا وحرصها -أي إيران- على تطوير الأسلحة التي بحوزة الحوثيين؟ أم أن الهدف هو معركة تحرير شاملة غير معلنة تجنبا لتأثير الضغوط الأجنبية إذا صحت فرضية وجود ضغوط من هذا القبيل؟ أم أن ذلك التصعيد يهدف للتشويش على خطوات جديدة مرحلية لمشروع انفصال جنوب اليمن الذي يحظى برعاية إماراتية وسعودية؟ أم أنه يُراد بذلك التصعيد تحقيق أهداف مزدوجة تشمل كل ما سبق ذكره بالإضافة إلى كونها ضغط عسكري لإجبار الحوثيين على الانخراط بجدية في مفاوضات السلام؟

 

في الحقيقة، لا يستطيع الخبراء العسكريون تحديد نوعية الحرب في اليمن وتحليل مساراتها والتنبؤ بمآلاتها، كونها حروب متعددة في حرب تبدو واحدة، ويزيد الأمر تعقيدا تباين أهداف الفاعلين فيها داخل التحالف الواحد.

 

وبناء على المعطيات القائمة من الصعب إسقاط أي نظرية عسكرية على هذه الحرب، لأن النظريات العسكرية تتطور باستمرار، ولأنه لكل حرب طبيعتها وظروفها الخاصة بها، لكن لا يعني ذلك عدم وجود مؤشرات عامة يمكن على ضوئها فهم سياق الأحداث ومآلاتها، خصوصا أن السياق الغالب في الحرب اليمنية يتسم بالمراوحة من تصعيد عسكري شبه موسمي إلى ركود في الجبهات وسيولة في الأزمات السياسية الداخلية مع إفساح المجال لمساعي الحل السياسي للأزمة.

 

- حرب محدودة

وبالعودة إلى تصنيف الأكاديميات العسكرية للحروب، فإن الحرب الدائرة في اليمن تندرج ضمن ما توصف بـ"الحرب المحدودة"، أي أنها ليست حربا عامة أو شاملة، وتوصف الحرب المحدودة بأنها صراع مسلح أقل من الحرب العامة، وتتضمن المشاغلة العلنية للقوات العسكرية لطرفين أو أكثر، وتستخدم فيها الأسلحة التقليدية، ونادرا ما يتم اللجوء إلى الأسلحة شديدة الدمار والخطورة، والحرب المحدودة لا تتجاوز الرقعة المحددة لها، ولا الأسلحة المخصصة لها، ولا الأهداف التي اندلعت من أجلها، وهي أهداف تتعدد بتعدد أطراف الصراع المحليين والفاعلين الأجانب.

 

وفي الحرب المحدودة تميل الأطراف المتنازعة إلى تحديد جهدها عفويا، وتخفضه إلى الحد الأدنى الذي تراه ضروريا لتحقيق الحسم، أي أن إستراتيجية الحرب المحدودة تختلف تماما عن إستراتيجية الحرب التقليدية.

 

 ووفقا لموسوعة أنواع الحروب، تخضع إستراتيجية الحرب المحدودة لثلاث غايات، كلها نفسية، وهي:

 

أولا، الحفاظ على الأمل الذي يُوجَّه إلى القوى والجماهير الصديقة، وذلك بوجود قاعدة نفسية جيدة في البناء، الأمر الذي يبرر التضحيات المطلوبة. (وهذا يتضح في إحياء الأمل من قِبَل السعودية والإمارات للأطراف الصديقة بشأن تحقيق أهدافها لتستمر في الانخراط في الحرب والتضحيات، فالسلطة الشرعية وحلفاؤها أملهم القضاء على الانقلاب الحوثي، والمجلس الانتقالي يأمل بتحقيق انفصال جنوب اليمن والانفراد بحكمه، وطارق صالح ومعاونوه يأملون باستعادة نظام حكم علي صالح، ولذلك يحافظ التحالف على إحياء هذه الآمال لأجل استمرار الدوافع للقتال والتضحيات).

 

ثانيا، زيادة تثبيط همم العدو وقواته المسلحة، ويعد هذا العامل الأساسي في الحرب المحدودة، ويمكن استخدام ثلاثة دوافع نفسية في هذا المجال: حرمان الخصم من كل أمل، وخلق الملل وتقويته، ونشر بذور الخلاف والشك حول أهمية التنازلات المطلوبة. (وهذا يتضح في طريقة تعامل تحالف السعودية والإمارات مع مليشيا الحوثيين: في البدء عمليات عسكرية قوية ورادعة أحبطت مشروع الانقلاب بشكل لم يكن متوقعا، ثم توالي عمليات عسكرية محدودة كلما بدا أن الانقلاب الحوثي على وشك تحقيق منجز أو تقدم جديد، ونشر الخلافات والشك بين أجنحة الخصم بشأن التنازلات المطلوبة، كما حدث بين علي صالح والحوثيين من خلافات بدأت منذ محادثات ظهران الجنوب بين الحوثيين والسعودية، وانتهت الخلافات بقتله، ثم النفخ في وتر الخلافات بين أجنحة المليشيا الحوثية، وكان آخر أوجهه تسريب السعودية فيديوهات لاجتماعات خاصة بقيادات في المليشيا مما تسبب بموجة اعتقالات في صفوف قادة المليشيا بتهمة التجسس والعمل لصالح التحالف).

 

ثالثا، ردع الخصم، ومنعه من اللجوء إلى أي تصعيد في العمل العسكري. (وهو ما يتضح في رد الفعل المتشنج والعنيف من قِبَل السعودية والإمارات على مواقع مليشيا الحوثيين كلما نفذت هجمات على أراضيهما).

 

رابعا، إعطاء الأهمية للقضايا السياسية، والسيطرة على الآلة العسكرية. (في الحالة اليمنية، تحتل قضايا سياسية أهمية أكثر من الحرب على الحوثيين، مثل وأد ثورة 11 فبراير 2011، وإضعاف القوى المساندة لها، وهدم الدولة، والترتيب لمشروع الانفصال، وبنفس الوقت السيطرة على السلاح والحرص على جعل التسليح لمختلف الأطراف في حدود تحقيق الأهداف المطلوبة).

 

وفي المحصلة، لا يختلف المشهد اليمني -بعد التصعيد العسكري الأخير- عن الوضع العام المتأرجح منذ بداية الحرب، فالحرب محدودة وليست شاملة، وزاد من طول أمدها عوامل عدة مرتبطة بمصالح الفاعلين الأجانب، وتعقد مسارها بسبب طبيعة التحالفات بين أطرافها وتباين أهدافهم حتى في إطار التحالف الواحد. ومهما يكن، تظل رهانات معظم الأطراف رهانات خاسرة، والحسم النهائي سيكون بيد الشعب والقوى الوطنية الحية، والتصعيد العسكري الحالي ينعش الآمال بإمكانية هزيمة مليشيا الحوثي، والأمر فقط يحتاج إلى قرار سياسي وإرادة عسكرية عالية وتنحية أي خلافات قد تنشب جانبا.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.